الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولابن الجوزي أبناء ثلاثة: عبد العزيز وهو أكبرهم مات شابا في حياة والده، ثم أبو القاسم علي، وقد كان عاقا لوالده ألب عليه في زمن المحنة وغيرها وقد تسلط على كتبه في غيبته بواسط فباعها بأبخس الأثمان، ثم محي الدين يوسف وكان أنجب أولاده وأصغرهم ووعظ بعد أبيه، ثم باشر حسبة بغداد، ثم صار رسول الخلفاء إلى الملوك بأطراف البلاد، ثم صار أستاذ دار الخليفة المستعصم، وكان لأبي الفرج عدة بنات منهن: رابعة أم سبطه أبي المظفر صاحب مرآة الزمان (1).
وخلاصة القول أن أسرة ابن الجوزي كانت من الأسر التي تهتم بالعلم والمعرفة، فقد أسهم ابن الجوزي هو وأبناؤه في بناء الفكر العربي والإسلامي وإمداد المكتبة العربية بكل ما هو نافع ومفيد.
(1) البداية والنهاية جـ 3 ص 30.
مولده ونشأته:
هو جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي القرشي التيمي البكري (من ذرية أبي بكر الصديق) الفقيه الحنبلي الحافظ المفسر الواعظ المؤرخ الأديب المعروف بابن الجوزي (1) وعرف بابن الجوزي نسبة إلى جده الأكبر جعفر (الجوزي) وسمي جده بالجوزي نسبة إلى مشرعة الجوز أو إلى فرضة فيها يقال لها جوزة، هي محلة أو فرضة في البصرة (2) ويقال إن جوزة فرضة على شاطئ دجلة قريبا من بغداد (3).
ولد سنة ثمان وخمسمائة، وقيل سنة تسع، وقيل سنة عشر، وكان مولده بدرب حبيب (4)، وتوفي والده وهو صغير فكفلته أمه وعمته وتوجها به إلى العلم، فحملته عمته إلى مسجد أبي الفضل بن ناصر فأولاه عناية كبيرة لما
(1) مشيخة ابن الجوزي ص 5.
(2)
مرآة الزمان جـ 8 ص 481، شذرات الذهب جـ 4 ص 330.
(3)
وفيات الأعيان جـ 3 ص 142.
(4)
الذيل على طبقات الحنابلة جـ 1 ص 400.
رأى من بوادر نبوغه وإقباله وحرصه على العلم وهو صغير، وحفظ القرآن الكريم وقرأه على جماعة من أئمة القراء.
وسر نجاح ابن الجوزي يكمن في قوة بديهته، وسرعة بادرته، وحضور ذهنه، ونوادر أجوبته، مع كثرة محفوظه وسعة روايته (1).
ولقد انقطع ابن الجوزي للدرس ومجالس العلم وترك ما كان أترابه يلهون به من اللعب؛ للتوفر على الحفظ، والتوغل في طريق علوم زمانه وثقافته " وكان لا يخرج من بيته إلا للجمعة ولا يلعب مع الصبيان "(2).
وهكذا درج ابن الجوزي منذ صغره يحب العلم، ويشغف بالتحصيل في فنون العلم، وقد تحدث ابن الجوزي في كتابه " لفتة الكبد " فقال:
" كان الصبيان ينزلون إلى دجلة ويتفرجون وأنا في زمن الصبا آخذ جزءا، أقعد حجرة من الناس إلى جانب الرقة فأتشاغل بالعلم "(3).
وكانت بغداد مشرقة زاهرة بعلومها وفنونها زاخرة بالعلم والعلماء، فنهل ابن الجوزي من هذا المنهل الفياض الذي لا يغيض، دفعه إلى ذلك حبه للعلم وولوعه به، وتحدث هو عن نفسه في كتابه " صيد الخاطر " فقال: فأقول عن نفسي وما يلزمني حال غيري: إنني رجل حبب إلي العلم من زمن الطفولة فتشاغلت به، ثم لم يحبب إلي فن واحد منه، بل فنونه، ثم لا تقتصر همتي في فن على بعضه، بل أروم استقصاءه والزمان لا يسع، والعمر أضيق والشوق يقوى، والعجز يقعد، فيبقى وقوف بعض المطلوبات حسرات " (4).
وقد أخذ ابن الجوزي العلم عن خاله الشيخ أبي الفضل أكثر من ثلاثين سنة، وكذلك أخذ الحديث والوعظ على يد الشيخ الزاغوني، وأخذ
(1) مقدمة صيد الخاطر ص 16.
(2)
البداية والنهاية جـ 13 ص 29.
(3)
لفته الكبد ص 81.
(4)
صيد الخاطر ص 62.
الفقه كذلك عن أبي بكر الدينوري الحنبلي، ودرس اللغة على أبي منصور الجواليقي، والحديث عن ابن عبد الواحد الدينوري، وقد جمع شيوخه في مشيخته " ذكر منهم ستة وثمانين شيخا " وكان يحارب أهل البدع وقد أعلن عليهم ذلك دون هوادة أو خوف، وقيل له مرة: قلل من ذكر أهل البدع مخافة الفتن فأنشد:
أتوب إليك يا رحمن مما جنيت
…
فقد تعاظمت الذنوب
وأما عن هوى ليلى وتركي
…
زيارتها فإني لا أتوب
وقال له قائل: ما فيك عيب إلا أنك حنبلي، فأنشد:
وعيرني الواشون أني أحبها
…
وتلك شكاة ظاهر عنك عارها (1)
وليس عجيبا أن يجلس الواعظ في بغداد منذ سنة 527 هـ وسنة دون العشرين، ومازال يدرس ويعظ ويؤلف حتى أصبح إمام بغداد وواعظها الأول (2).
وكان يحضر مجلسه عامة الناس وخاصتهم، ويتزاحمون على حضور تلك المجالس، حتى لقد حرز الجمع في بعض المجالس بمائة ألف، وهذا العدد وإن كان يدل على المبالغة إلا أنه يدل دلالة قاطعة على كثرة العدد وشدة الزحام، وإقبال الناس على مواعظه وحضور مجالسه، وكان الخليفة يحضر وعظه ومجالسه في المناسبات، وكان أبو الفرج يلقي الموعظة على الخليفة ولا يخشى في ذلك شيئا.
وذكر أنه تكلم يوما بحضرة الخليفة وحكى له موعظة شيبان للرشيد: وقال فيما قال: يا أمير المؤمنين إن تكلمت خفت منك، وإن أمسكت خفت عليك
(1) الذيل على طبقات الحنابلة جـ1 ص 403، 404.
(2)
صفة الصفوة جـ 1 ص 10.