الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشهادة بالحق في
مهرجان الجهاد
الحمد لله الذي جعل دفع الباطل بالحق سنة ماضية أبدا، لئلا تفسد الأرض بالظلم، وتهون كرامة الإنسان بالاضطهاد والعسف.
والحمد لله الذي جعل ذلك منهجا عمليا، فاستنهض همة المسلمين للدفاع عن المستضعفين. من الرجال والنساء والولدان.
والصلاة والسلام على خير من عرف الحق، والتزمه، وبينه. وخير من جاهد الظلم والطغيان، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.
استجابة لرغبة كريمة من المهتمين بالشأن العام للأمة، وبالمخاطر المحيطة بها في الحاضر والمستقبل.
وشعورا بفداحة الكارثة المزلزلة التي جرها على الأمة، وفجرها في أرضها، وبين بنيها النظام العراقي.
ومشاركة في الكفاح ضد ظلم القيادة العراقية وبغيها.
وتجلية للتفاعل العميق بين الشعب السعودي وقواته المسلحة.
وتضامنا إسلاميا عاما مع المملكة العربية السعودية وهي تواجه العدوان السافر من ذوي القربى، منكري المعروف وجاحديه.
وإحياء لمفاهيم الجهاد ومعانيه في حياة المسلمين.
أقامت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية " مهرجان الجهاد " في هذه الظروف المفعمة بالتحديات الكبيرة، والنذر الخطرة.
وبحمد الله وفضله انتظم " مهرجان الجهاد " في الفترة من 4 - 6 شعبان 1411 هـ، في المدينة الجامعية لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، في مدينة الرياض، بالمملكة العربية السعودية.
وقد افتتح المهرجان نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام.
ووجه خادم الحرمين الشريفين كلمة ضافية إلى المهرجان، استعرض فيها تطورات أزمة الخليج، وجهد المملكة العربية السعودية الجاد والمخلص والمثابر في حلها سلميا منذ البداية. ولكن القيادة العراقية ضيعت كل فرصة للسلام، وكل جهد للمصالحة بسبب أنها كانت تنطوي على نية الغدر والعدوان.
ولما وقع العدوان، بادرت قيادة المملكة العربية السعودية - على الرغم من هول الكارثة - إلى بذل كل جهد من شأنه أن يحمي المنطقة من حرب ضروس مدمرة. وأمام تعنت القيادة العراقية ورفضها لكل مسعى مخلص وخير وحكيم، فإن المملكة تحملت مسئوليتها في مواجهة العدوان، سواء تمثل هذا العدوان في احتلال الكويت، أم في الحشد العسكري المعادي على حدود المملكة.
وحين نشبت الحرب، نهضت المملكة بواجبها القتالي. . والمملكة العربية السعودية ترى أن الحرب ستستمر ما دامت أسبابها قائمة وهي: الاحتلال العراقي للكويت، وحشد قواته الباغية على حدود المملكة، كما ترى المملكة أن القيادة العراقية تستطيع أن تجنب بلادها والمنطقة كلها المزيد من الخسائر
والدمار إذا هي اتخذت القرار الواضح بسحب جيشها من الكويت، ومن حدود المملكة العربية السعودية.
وقد حيت كلمة خادم الحرمين الشريفين المهرجان وأهدافه النبيلة، ومن خطط له ونفذه، وهو جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، كما حيت الكلمة السامية المشاركين في المهرجان من خارج المملكة وداخلها.
وفي مناخ التفاعل الكريم بين قيادة المملكة والمشاركين في المهرجان، أتيح للمشاركين في مهرجان الجهاد فرصة لقاء خادم الحرمين الشريفين حيث تحدث إليهم مباشرة عن أزمة الخليج وتداعياتها ومضاعفاتها بصراحة وشمول. كما أتيحت للمشاركين فرص لقاء صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني، وصاحب السمو الملكي الأمر نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية.
ولقد حفل المهرجان بمناشط متنوعة، أثرته وأعانته على تحقيق أهدافه وبلوغ غاياته، إذ انتظم المهرجان مناشط عسكرية وثقافية وفكرية وأدبية وإعلامية، فشارك في المهرجان فصائل مختارة من الحرس الوطني، ووزارة الدفاع والطيران، والأمن العام. وأدت هذه الفصائل عملا حيا ومتألقا من خلال الاستعراض العسكري، ومشاهد الفروسية.
وحفل المهرجان بالكثير من الندوات والقاعات الثقافية والفكرية والأدبية والإعلامية التي دارت حول قضايا رئيسة وعميقة. . قضايا الجهاد في الخليج دفاع عن الدين والمقدسات، وحرب الخليج صراع بين الحق والباطل، والإعلام وأثره في الحرب، وصمود الجبهة الداخلية وأثره في تحقيق النصر، والشعر في ميدان الجهاد.
وقد أم المهرجان وشارك فيه جموع كبيرة من رجالات المملكة من مختلف المواقع: المدنية والعسكرية: شعورا بالمسئولية، وتفاعلا مع الحدث، وتحفزا لأداء الواجب.
وشهد المهرجان وشارك فيه نخبة من رجال العلم والدعوة والفكر والرأي والقلم في العالم الإسلامي، انبعاثا من قيم الإسلام، وتضامنا مع المملكة العربية السعودية.
وبعد ثلاثة أيام من النشاط العلمي والفكري والثقافي والأدبي والإعلامي، أصدر المشاركون في مهرجان الجهاد " شهادة الحق " التالية:
الشهادة بالحق في مهرجان الجهاد
نشهد أنه في الحادي عشر من شهر المحرم 1411 هـ الموافق الثاني من أغسطس عام 1990 م، احتل النظام العراقي بلدا عربيا مسلما هو الكويت، وأخرج أهله من ديارهم وأموالهم.
وأن هذا النظام، على أثر احتلاله للكويت، حشد جيشه المعادي على حدود المملكة العربية السعودية تأهبا للعدوان عليها. وهذا كله ظلم وبغي وعدوان.
ونشهد بأن النظام العراقي قد نودي - على مدى ما يقرب من نصف عام - أن كف عن العدوان، وانسحب من الكويت، ومن حدود المملكة العربية السعودية.
وأن هذه النداءات قد صدرت عن علماء الإسلام ودعاته - فرادى ومجتمعين - وعن المؤسسات الإسلامية والعربية الدولية، وعن المنظمات العالمية.
ولكن النظام العراقي لم يستجب لأي نداء.
وبذلك يكون النظام العراقي قد ناشر أسباب الحرب غير مرة.
باشرها باحتلاله للكويت، وتهديده لأمن المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى.
وباشرها بالإصرار على عدم الانسحاب.
وكان لا بد - والحالة هذه - من مجاهدة الظلم والبغي والعدوان.
إن الظلم والباطل لا يقومان إلا على أنقاض الحق والعدل. . وهذا شذوذ عن سنن الله في الكون والحياة.
فقد عظم الله تعالى شأن الحق والعدل، وأقام عليهما السماوات والأرض وما بينهما:
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} (1).
{مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} (2) ومن مقاصد بعث النبيين والمرسلين تقرير الحق، ونصب موازين العدل، وبالتالي إبطال الباطل ومقاومة الظلم.
(1) سورة إبراهيم الآية 19
(2)
سورة الأحقاف الآية 3
(3)
سورة البقرة الآية 213
والله تعالى عليم بخلقه، فهو - سبحانه - يعلم أن أكثر الناس لا يلتزمون بالحق والعدل، بل يظلمون ويجورون ويبغون.
ومن عدله ورحمته - جل شأنه - أن جعل لمن يظلم ويعتدى عليه سبيلا إلى مجاهدة الظالم المعتدي.
{وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} (2){إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (3).
{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} (4).
{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (5).
وقد استنهض الإسلام عزائم المؤمنين للدفاع عن المستضعفين من الرجال والنساء والولدان: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} (6).
وهذا كله محكوم بسنة الله المطردة في المجتمع البشري {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (7).
(1) سورة الحديد الآية 25
(2)
سورة الشورى الآية 41
(3)
سورة الشورى الآية 42
(4)
سورة الحج الآية 39
(5)
سورة البقرة الآية 194
(6)
سورة النساء الآية 75
(7)
سورة البقرة الآية 251
في ضوء هذا الهدي المبين، والسنن التي لا تتخلف يجب دفع الصائل أو المعتدي، ولا شك أن ذلك نوع من أنواع الجهاد.
وفي الفقه الإسلامي مباحث مستفيضة لا تجيز دفاع الصائل فحسب، بل توجب هذا الدفع وتحتمه. فإن الرضى بالضيم يتناقض مع عزة المؤمن، ويتناقض مع مسئولية المجاهدة الدائمة للظلم في الأرض.
ويمكن تسمية دفع الصائل بأنه " الدفاع الشرعي عن النفر والمال والعرض والبيت أو الوطن، أو هو الدفاع المشروع عن الغير في كل هذه الأمور ".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد (1)» .
إن إنفاذ البصر إلى بيت ما - تلصصا - يجيز إنزال أشد العقوبات بالعين الصائلة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح (2)» فكيف بمن يحتل الديار، وكيف بمن يهدد الأوطان؟
ولا شك في أن النظام العراقي نظام صائل باغ، ويجب أن يدفع وأن يجاهد وإلا فإن الأمة كلها تأثم حين لم يقم من بينها من ينهض بواجب دفع الصائل أو المعتدي، وهو النظام العراقي في هذه الحال:{إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} (3).
إن المملكة العربية السعودية لم تتردد في مجاهدة الصائل المعتدي لأنها دولة قامت على الجهاد، وبه توطدت أركانها ولا غرو، فإن بلاد الحرمين الشريفين هي الموطن الأول للجهاد، ففيها نزلت آيات الجهاد، وفوق ثراها فرض الجهاد
(1) صحيح البخاري المظالم والغصب (2480)، صحيح مسلم الإيمان (141)، سنن الترمذي الديات (1419)، سنن النسائي تحريم الدم (4087)، سنن أبو داود السنة (4771)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 206).
(2)
صحيح البخاري الديات (6888)، صحيح مسلم الآداب (2158)، سنن النسائي القسامة (4861)، سنن أبو داود الأدب (5172)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 428).
(3)
سورة الأنفال الآية 73
وفي وديانها، وفوق جبالها ورباها جرت وقائع الجهاد على أيدي رجالها المؤمنين بقيادة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (2){يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} (3).
ولئن حرم العدوان على كل بلد فإن حرمته مضاعفة بالنسبة لبلاد الحرمين الشريفين، فإن هذه البلاد يجب أن تظل آمنة أبدا لأجل أن يؤدي الحجاج المعتمرون نسكهم في محيط آمن.
وفي هذا المجال يقرر المشاركون في المهرجات أن الذي اعتدى على أرض مقدسات الإسلام هو النظام العراقي.
فهو - وليس غيره - الذي يهدد أمن هذه الأرض.
وهو - وليس غيره - الذي يضرب محيط مقدسات الإسلام بالصواريخ ثم يدعي الغيرة على المقدسات.
إن ما قام به النظام العراقي عدوان، وفتنه، وإفساد في الأرض كان بسبب انحرافه عن الإسلام، وتبنيه لمبادئ باطلة، ومقاصد فاسدة {وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا} (4).
ومن هنا، فإن الأمة مدعوة إلى أن تلتزم منهج الإسلام الحق في سلوكها العام والخاص، وفي سياسة دولها الداخلية والخارجية، فهذا النهج وحده هو
(1) سورة البقرة الآية 216
(2)
سورة الأنفال الآية 64
(3)
سورة الأنفال الآية 65
(4)
سورة الأعراف الآية 58
العاصم من الانحراف والضلال والعدوان {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (1).
ولئن كان دفع العدوان عن كل بلد مسلم واجبا، فهو بالنسبة لبلاد الحرمين الشريفين أشد وجوبا.
ولذا، يدعو المشاركون في المهرجان كافة المسلمين حكامهم ومحكوميهم، خاصتهم وعامتهم أن يكونوا عونا للمملكة العربية السعودية وهي تدفع عدوان النظام العراقي عن أرض مقدسات الإسلام.
إن ذلك من التعاون على البر والتقوى، والله تعالى يقول:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (2).
وهو ضرب من التواصي بالحق والصبر، والله تعالى يقول:{وَالْعَصْرِ} (3){إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (4){إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (5).
وهو تضامن على دفع المنكر، والله تعالى يقول:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (6).
وهو موقف من مواقف النصر في الدين، والله تعالى يقول:{وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} (7).
وهو جهاد إسلامي لدفع الظلم والعدوان ونصر المظلوم، وإعلاء كلمة الحق، كما قال تعالى:{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (8).
(1) سورة آل عمران الآية 101
(2)
سورة المائدة الآية 2
(3)
سورة العصر الآية 1
(4)
سورة العصر الآية 2
(5)
سورة العصر الآية 3
(6)
سورة التوبة الآية 71
(7)
سورة الأنفال الآية 72
(8)
سورة التوبة الآية 41
إن من المفارقات المحزنة، أنه في الوقت الذي ينبغي أن يقف فيه المسلمون مع المملكة وهي تدفع الظلم عن نفسها، وعن بلاد الحرمين الشريفين، يوجد - في هذا الوقت بالذات - من يقف مع الظالم الباغي، يؤيده وينصره.
إن المشاركين في مهرجان الجهاد، إذ ينكرون هذه المواقف الخاطئة الممالئة للظلم والظالمين، فإنهم يتوجهون بنداء مخلص، ورسالة واضحة إلى بعض الحكومات وإلى بعض الجماعات الإسلامية التي ركنت إلى طاغية العراق، يتوجهون إلى هؤلاء بهذه الرسالة البينة:
إن تأييدكم للنظام العراقي كان سببا رئيسا، وحافزا أساسيا في تشجيع الطاغية على الاستمرار في عتوه وظلمه، وفي هذا تعاون على الإثم والعدوان، وتواص بالمنكر والشر.
وليس من مبادئ الإسلام، ولا حقوق الأخوة أن تقفوا هذا الموقف.
«المسلم أخو المسلم، لا يخونه، ولا يكذبه، ولا يخذله، كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه (2)» وينبغي أن تتذكر الحكومات التي أيدت الظلم وشجعته ودعمته، مصائر الطغاة والظالمين والبغاة. قال الله تعالى:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} (3){إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} (4){الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ} (5){وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ} (6){وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ} (7){الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ} (8){فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ} (9){فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} (10){إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} (11).
(1) سورة المائدة الآية 8
(2)
صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2564)، سنن الترمذي البر والصلة (1927).
(3)
سورة الفجر الآية 6
(4)
سورة الفجر الآية 7
(5)
سورة الفجر الآية 8
(6)
سورة الفجر الآية 9
(7)
سورة الفجر الآية 10
(8)
سورة الفجر الآية 11
(9)
سورة الفجر الآية 12
(10)
سورة الفجر الآية 13
(11)
سورة الفجر الآية 14
{هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ} (1).
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته (2)» . كما ينبغي أن تعلم حكومات " تشجيع الطغيان " أن التعلق بالطغاة إنما هو تعلق ببيت العنكبوت: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (3).
وإذ يذكر المشاركون في المهرجان هؤلاء وأولئك بذلك كله، ينصحونهم بالكف عن السير في ركاب الطغاة والتوبة النصوح من ذلك، وبالعودة إلى المقاييس الصحيحة في التمييز بين الحق والباطل، والعدل والظلم.
ويتوجه المشاركون في المهرجان برسالة خاصة إلى الإخوة الكويتيين: لقد شعرنا من صميم قلوبنا ومشاعرنا بمحنتكم المريرة، ومأساتكم المفجعة، وعشناها معكم، فالكويت عضو في جسد الأمة الإسلامية، فلما اشتكى تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.
وليس مسلما نقي القلب من لا يأسى لأخيه المسلم حين ينزل به غم وكرب وضر.
وليس إنسانا سويا من لا تؤرقه مأساة إخوانه في الكويت.
ومهما يكن من أمر، فإن المحن مهما اشتد ضغطها وحرجها لا ينبغي أن تضعف العزم على مقاومة الظلم والبطش والطغيان.
إن المقاومة الكويتية رمز حي على التصميم على تحرير الكويت من بغي النظام العراقي.
وخير عوامل المقاومة هي: الصبر والمصابرة والمجاهدة. ولستم وحدكم في الميدان.
(1) سورة ص الآية 55
(2)
صحيح البخاري كتاب تفسير القرآن (4686)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2583)، سنن الترمذي تفسير القرآن (3110)، سنن ابن ماجه الفتن (4018).
(3)
سورة العنكبوت الآية 41
معكم كل ذي ضمير حي.
ومعكم كل ذي خلق أصيل.
ومعكم كل ذي قياس عادل.
ويتوجه المشاركون في مهرجان الجهاد برسالة أخوية إلى شعب العراق وجيشه:
ليس بيننا وبين العراقيين عداوة وخصومة، فالشعب العراقي المسلم، جزء من الأمة العربية الإسلامية، له ما لها، وعليه ما عليها، إنما العداوة مع النظام العراقي وقيادته، هذه القيادة التي مردت على أن تجعل من جيش العراق وشعبه وقودا لحروب حمقاء فاشلة، والتي استمرأت توظيف إمكانات العراق في سبيل الطموح الشخصي، والهوى الذاتي العاصف لدى القيادة.
ولئن شعرنا بمأساة شعب الكويت، فإننا - في الوقت نفسه - نحس بمحنة العراقيين، فإن من طبيعة الطغيان أن يملأ بالأحزان أكبر عدد ممكن من قلوب البشر.
ماذا جنى الشعب العراقي من هذه المأساة التعسة النكدة؟
لقد حل المزيد من البوار بالعراق، ويبدو أن الطاغية مصر على ألا يترك الحكم إلا والعراق حطام مركوم.
إن العالم يتطلع إلى وقفة شجاعة من شعب العراق وجيشه، وقفة تنقذ العراق: بشرا وحضارة وأرضا ومقدرات من مصير بائس يجره إليه الطاغية المستبد.
وعلى علماء العراق مسئولية دينية وتاريخية في مجابهة ظلم القيادة العراقية وعدوانها، وفي تقدم الصفوف في هذه المجابهة الواجبة.
ولقد عرف علماء العراق بجهادهم المشرف في مقاومة الطغيان.
ويكفيهم حافزا على هذه المهمة ما فعله النظام العراقي بهم من كبت وسجن وتشريد وقتل.
ويتوجه المشاركون في المهرجان بتحية خاصة إلى قيادة المملكة العربية السعودية وشعبها وجيشها.
إن المشاركين في المهرجان يعلنون وقوفهم التام مع قيادة المملكة العربية السعودية وهي تكافح هذه الفتنة العمياء الدامية التي أحدثها طاغية العراق ونظامه العدواني، ويستنفرون كل مسلم مخلص في العالم للوقوف معها. وينوهون بموقف خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ويشكرونه على موقفه الصلب والحاسم من العدوان والمعتدين، ويشكرون الدول الشقيقة والصديقة التي تعاونت معه في درء هذه الكارثة الماحقة.
فالمملكة العربية السعودية بلد عزيز على كل مسلم، لما يقوم به من خدمة للحرمين الشريفين وللمسلمين، ولما يمثله من أهمية حضارية واستراتيجية للإسلام والمسلمين، في الماضي والحاضر والمستقبل.
ويتوجه المشاركون في المهرجان بالتحية إلى القوات المسلحة السعودية التي كانت وفية لدينها ومقدساتها وبلادها، فلبت نداء الواجب، ونهضت لدفع الصائل، ومجاهدة المعتدي، ورد الغزاة عن حمى الديار، والمشاركة في تحرير الكويت، والانتصار للمستضعفين يشكرون من شاركها في هذا الجهاد من القوات الإسلامية والمساعدة.
إن جهادها هذا هو جهاد في سبيل الله {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} (1) الآية.
وإن المسلمين يفوق معها بالتأييد والدعاء.
إن ذكريات بدر، وأحد - وغيرها من معارك الجهاد - ينبغي أن يستصحبها رجال القوات المسلحة السعودية وهم يأخذون مواقعهم على خطوط المواجهة المرة، فهي ذكريات فيها نفح أسلافهم، كما أنها ذكريات كانت
(1) سورة النساء الآية 75
أرضهم مسرح عملياتها، ولوحة تسجيلها.
وإن المهرجان ليسره أن ينوه بروح التضحية والفداء التي تبدت في شباب المملكة العربية السعودية وهو يقبل على التطوع والانخراط في ميادين التدريب استعدادا للجهاد، وتجاوبا مع نداء خادم الحرمين الشريفين الذي استنفر فيه الشباب للذود عن العقيدة والمقدسات والوطن.
ولقد تجلى في هذا المهرجان التلاحم الوثيق بين الشعب السعودي وقيادته، إذ كان المهرجان ذاته " مرآة " تعكس التفاعل العميق بين القيادة والشعب. ولا شك في أن هذا التلاحم والتفاعل هو ركيزة صمود الجبهة الداخلية ووقوفها صفا واحدا في مواجهة العدوان.
والمشاركون في المهرجان يدعون العلماء والدعاة والمثقفين والمفكرين، والإعلاميين والأدباء والشعراء لأن يسهموا بحظ أوفر في مجاهدة المعتدين عن طريق الموقف الأدبي الشجاع، والكلمة الحرة الأمينة، والرأي الواضح، والحجة الغالبة، والتعبئة المعنوية في الحياة العامة للأمة، وجمع الأمة أفرادا وجماعات على المفاهيم الصحيحة، والحقائق الناصعة، والمعاني القويمة للجهاد، فليس للكلمة وزن ما لم تكن موظفة في خدمة الحق، وليس للرأي قيمة ما لم يتبد في كلمة حاسمة تقول للظالم - علانية - أنت ظالم.
إن المشاركين في المهرجان يؤكدون أنه ليس للنظام العراقي أن يتحدث عن تحرير فلسطين بعد أن أخر القضية الفلسطينية - بغزوه للكويت وتهديده لأمن الخليج كله - عشرات السنين إلى الوراء، وليس له أن يتحدث عن هذه القضية بعد أن ساق إلى إسرائيل - باستفزازه الدعائي - مكاسب جمة: سياسية، وعسكرية، واقتصادية، واستراتيجية.
ليس لنظام علماني أن يتحدث عن تحرير القدس، فإنما يحرر القدس المؤمنون الصادقون، والقادة الذين يدينون دين الحق في كل شأن من شئونهم. فقد فتحها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم حررها صلاح الدين الأيوبي رحمه الله.
وهم القادة الذين رفعوا ألوية الجهاد بالحق، أما النظام العراقي فيرفع راية الجهاد كذبا وزورا.
إن المشاركين في مهرجان الجهاد إذ يشكرون جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية على هذه المبادرة البناءة والنبيلة، وإذ يثنون على جهودها السديدة في الإعداد للمهرجان، وفي إدارته - حتى حقق هدفه - وإذ يشكرونها على دعوتها لهم لحضور هذه المناسبة الجليلة، وإذ يحمدون لكل الجهات التي تعاونت مع الجامعة في هذا المهرجان، فإنهم يودون أن يقترحوا ما يلي وأن يوصوا به:
1 -
صياغة ما دار في مهرجان الجهاد في رسائل علمية وفكرية باعتبارها إسهاما في جهود التوعية والتعبئة، ووثائق تاريخية مهمة.
2 -
تكوين وفد من المشاركين في المهرجان بهدف زيارة الدول الشقيقة والصديقة التي تعاونت مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى على دفع العدوان العراقي، زيارة هذه الدول وتقديم الشكر لقادتها على ما قاموا به من جهود حاسمة في هذه الأزمة.
3 -
إقامة هذا المهرجان سنويا في المملكة: إحياء لروح الجهاد، وتعبئة نفسية وفكرية مستمرة للأمة، وإقامة مهرجانات مماثلة في العالم الإسلامي، بالتعاون مع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية باعتبارها صاحبة المبادرة الأولى في هذا المجال.
4 -
تفويض معالي مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالإشراف على تنفيذ المقترحات السابقة.
هذا، وإذ يختم المشاركون في مهرجان الجهاد أعمالهم ومناشطهم التي جرت في جو مفعم بمعاني الجهاد ودلالاته الحيوية العظيمة، ومشبع بروح الصمود، والثبات، فإنهم يعيدون التذكير بما للجهاد من أثر حاسم في حياة الأمة
ومصائرها، ويؤكدون أهمية إعداد القوة بكل معانيها ومجالاتها تحقيقا لقول الله تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (1).
ألا إن الجهاد ماض إلى يوم القيامة.
ألا إن الجهاد من شعب الإيمان، ومن خصائص المؤمنين.
ألا إن الجهاد حراسة للحق، والدين، والمقدسات والحرمات.
ألا إن لجهاد هو التجارة الرابحة كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (2){تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (3){يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (4){وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (5).
والحمد لله من قبل ومن بعد، وصلى الله على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن جاهد في سبيله إلى يوم الدين.
(1) سورة الأنفال الآية 60
(2)
سورة الصف الآية 10
(3)
سورة الصف الآية 11
(4)
سورة الصف الآية 12
(5)
سورة الصف الآية 13