الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إليه يخبره عن أنس بن مالك أنه حدثه قال: «صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا آخرها (1)» . وقد علق على هذا الحديث الدكتور صبحي الصالح في مؤلفه (علوم الحديث) بما يلي: " فهذه الرواية الأخيرة التي ينص فيها الراوي على نفي قراءة البسملة هي المتن المضطرب في هذا الحديث؛ لأن مسلما والبخاري اتفقا على إخراج رواية أخرى في الموضوع نفسه، لا يتعرض فيها لذكر البسملة بنفي أو إثبات، وإنما يكتفي الراوي بقوله: " فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين " يقصد أن الفاتحة هي السورة التي كانوا يستفتحون بها، ولو وقف الأمر عند هذا الحد لأمكن ترجيح الحديث المتفق عليه، فلم نصف الحديث الأول بالاضطراب، ولكن رواية ثالثة عن أنس تفيد أنه سئل عن الافتتاح بالتسمية فأجاب: أنه لا يحفظ في ذلك شيئا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتردد مثله في هذه المسألة يحسب له حسابه، فأصبح عسيرا أو متعذرا ترجيح ما يتعلق بالبسملة إثباتا أو نفيا، وتعذر الترجيح كان السبب المباشر في وصفنا لمتن الحديث الأول بالاضطراب "(2).
أما حكم الحديث المضطرب بصورة عامة فهو الرد إلى أن يظهر مرجح يرجح إحدى الروايتين على الأخرى.
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب حجة من قال: لا يجهر بالبسملة في الصلاة 4/ 111 (من صحيح مسلم شرح النووي).
(2)
علوم الحديث 189.
د -
تعريف المنسوخ ومثاله وحكمه:
يعتبر المحدثون معرفة ناسخ الحديث ومنسوخه من الفنون المهمة التي خاضها كبار العلماء، وخدموا بها السنة النبوية الشريفة، وعن هذا الموضوع جاء في
تدريب الراوي ما يلي: " ناسخ الحديث ومنسوخة، فن مهم صعب، فقد مر على علي قاص فقال: تعرف الناسخ من المنسوخ، فقال: لا، فقال: هلكت وأهلكت. . . وقد روينا عن الزهري قال: أعيا الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا ناسخ الحديث من منسوخه. وكان للشافعي فيه يد طولى وسابقة أولى، فقد قال الإمام أحمد بن حنبل لابن وارة وقد قدم من مصر: كتبت كتب الشافعي؟ قال: لا، قال: فرطت، ما علمنا المجمل من المفسر ولا ناسخ الحديث من منسوخه حتى جالسنا الشافعي "(1).
والنسخ في اصطلاح المحدثين هو: " رفع الشارع حكما منه متقدما بحكم منه متأخر "(2).
قال السيوطي في شرحه لهذا التعريف: " فالمراد برفع الحكم قطع تعلقه عن المكلفين، واحترز به عن بيان المجمل، وبإضافته للشارع عن إخبار بعض من شاهد النسخ من الصحابة، فإنه لا يكون نسخا، وإن لم يحصل التكليف به لمن لم يبلغه قبل ذلك إلا بإخباره، وبالحكم عن رفع الإباحة الأصلية، فإنه لا يسمى نسخا، وبالمتقدم عن التخصيص المتصل بالتكليف، كالاستثناء ونحوه، وبقولنا بحكم منه متأخر، عن رفع الحكم بموت المكلف أو زوال تكليفه بجنون ونحوه، وعن انتهائه بانتهاء الوقت كقوله صلى الله عليه وسلم:«إنكم ملاقو العدو غدا، والفطر أقوى لكم فافطروا (3)» ، فالصوم بعد ذلك اليوم ليس نسخا (4).
أما أنواع الأحاديث المنسوخة فهي كثيرة ومتعددة، فمنها ما يعرف بتصريح من رسول الله صلى الله عليه وسلم كالحديث الذي أخرجه الإمام أحمد بن حنبل من حديث علي رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن زيارة القبور وعن الأوعية، وأن تحبس لحوم الأضاحي بعد ثلاث (5)» .
(1) تدريب الراوي 2/ 189، 190.
(2)
قاله النووي في التقريب انظر تدريب الراوي 2/ 190.
(3)
صحيح مسلم الصيام (1120)، سنن أبو داود الصوم (2406).
(4)
تدريب الراوي 2/ 190.
(5)
الفتح الرباني 8/ 157.
ولقد علم بأن هذا الحديث منسوخ بأحاديث أخرى، منها ما أخرجه مسلم بسنده من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فامسكوا ما بدا لكم، ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكرا (1)» .
قال النووي عن هذا الحديث الأخير: " هذا الحديث مما صرح فيه بالناسخ والمنسوخ جميعا "(2) ومنها ما يعرف بقول صحابي، ومن أمثلة ذلك ما أخرجه مسلم بسنده من حديث عبد الله بن إبراهيم بن قارظ أنه وجد أبا هريرة رضي الله عنه يتوضأ في المسجد فقال: إنما أتوضأ من أثوار أقط أكلتها؛ لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «توضئوا مما مست النار (3)» .
هذا الحديث نسخ بأحاديث أخرى منها ما أخرجه أبو داود بسنده من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: «كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار (4)» .
ومنها ما عرف بالتاريخ فيكون السابق منسوخا واللاحق ناسخا. ومن أمثلة ذلك ما أخرجه الإمام أبو داود بسنده من حديث شداد بن أوس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على رجل بالبقيع وهو يحتجم، وهو آخذ بيدي، لثمان عشرة خلت من رمضان، فقال: أفطر الحاجم والمحجوم (5)»
(1) الفتح الرباني 8/ 157 الحديث أخرجه مسلم في كتاب الأضاحي، باب النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث ونسخه 13/ 134، 135 (من صحيح مسلم بشرح النووي).
(2)
صحيح مسلم بشرح النووي: 13/ 135.
(3)
أخرجه مسلم في كتاب الحيض، باب الوضوء كما مست النار 4/ 43 (من صحيح مسلم بشرح النووي) وأخرجه البخاري في كتاب الأطعمة، باب في المنديل 9/ 79 (من صحيح البخاري بشرحه فتح الباري).
(4)
أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب في ترك الوضوء مما مست النار (1/ 141 حديث رقم 180 من مختصر سنن أبي داود.
(5)
أخرجه أبو داود في كتاب الصوم، باب في الصائم يحتجم 3/ 243، 244 حديث رقم 2267 (من مختصر سنن أبي داود).
وهذا الحديث نسخ بأحاديث وردت بعده منها الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري بسنده من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم (1)» .
قال ابن حزم: " صح حديث أفطر الحاجم والمحجوم بلا ريب، ولكن وجدنا من حديث أبي سعيد: أرخص النبي صلى الله عليه وسلم في الحجامة للصائم، وإسناده صحيح فوجب الأخذ به؛ لأن الرخصة إنما تكون بعد العزيمة، فدل على نسخ الفطر بالحجامة سواء كان حاجما أو محجوما "(2).
ومنها ما نسخ بدلالة الإجماع. كقتل شارب الخمر إن كرر شربها أربع مرات، ويدلنا على ذلك الحديث الآتي الذي أخرجه الإمام أبو داود بسنده من حديث قبيصة بن ذؤيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه فإن عاد في الثالثة أو الرابعة فاقتلوه، فأتي برجل قد شرب فجلده، ثم أتي به فجلده، ثم أتي به فجلده، ثم أتي به فجلده، ورفع القتل، وكانت رخصة (3)» .
والإجماع لا ينسخ ولكن يدل (4) على ناسخ. قال النووي (5): في شرح مسلم أنه منسوخ بدلالة الإجماع. وقال الصنعاني في تعقب النووي بأنه لا إجماع إذ قال ابن عمر بالعمل به، وقال به ابن حزم، وقال الشافعي: القتل منسوخ بهذا الحديث وغيره ".
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب الحجامة والقيء للصائم 4/ 174 (من صحيح البخاري بشرحه فتح الباري).
(2)
فتح الباري 4/ 178.
(3)
أخرجه أبو داود في كتاب الحدود، باب إذا تتابع في شرب الخمر 6/ 289 حديث رقم 4320 (مختصر سنن أبي داود).
(4)
الرسالة: 137 - 146.
(5)
توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار 2/ 419.