المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الثالث: بدء هذه الفكرة ووجودها قديما وحديثا: - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٣١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الوصية الخامسة: حج بيت الله الحرام

- ‌ حكم تولية كل منهم القضاء

- ‌ المذهب الحنفي:

- ‌ المذهب المالكي:

- ‌ المذهب الشافعي:

- ‌ المذهب الحنبلي:

- ‌ أقوال فقهاء الإسلام فيما يحكم به كل منهم إذا تولى القضاء مجتهدا كان أم مقلدا

- ‌ المذهب الحنفي:

- ‌ المذهب المالكي:

- ‌ المذهب الشافعي:

- ‌ المذهب الحنبلي:

- ‌الخلاصة

- ‌ الدواعي إلى تدوين الراجح من أقوال الفقهاء وإلزام القضاة الحكم به

- ‌الثالث: بدء هذه الفكرة ووجودها قديما وحديثا:

- ‌التصرف في الكون

- ‌كيفية خلق الإنسان

- ‌أنتم خلفاء الله في أرضه

- ‌هل يقال عن الهواء ونحوه أنه طبيعي

- ‌شهادة أن لا إله إلا الله

- ‌حكم من يسب الدين والسلام عليه

- ‌حكم الإسلام في بعض الأقوال

- ‌حكم ذبيحة من يسب الدين والأكل معه

- ‌حكم بعض الكلمات التي فيها سب الدين

- ‌حكم سب الذات الإلهية

- ‌حكم تمزيق المصحف

- ‌المكفرات التي تخرج من الإسلام

- ‌من كان أتقى لله فهو أفضل

- ‌أخذ الأجرة على تعليم القرآن

- ‌لا يكفي إطعام مسكين عشر مرات عن إطعام عشرة مساكين

- ‌يجب على المرأة التستر سواء كانت بدوية أو حضرية

- ‌حكم الاستماع للغناء

- ‌شرح حديث «استوصوا بالنساء خيرا

- ‌الحشرات التي يجوز قتلها

- ‌على المسلم أن يبلغ عن ربه وأن يؤدي الأمانة

- ‌لا يجوز للمسلم أن يخلو بالمرأة الأجنبيةسواء كانت خادمة أو غيرها

- ‌الزواج بنية الطلاق والفرق بينه وبين زواج المتعة

- ‌يجب منع المجلات التي عليها صور النساء

- ‌هل الذنوب تسبب محق البركة

- ‌الخاتمة

- ‌من منافع الحج وآدابه

- ‌الدعوة إلى اللهمكانتها وكيفيتها وثمراتها

- ‌تعريف الدعوة إلى الله

- ‌ أهمية الدعوة ومكانتها في الإسلام

- ‌ كيفية الدعوة ومجالاتها

- ‌الصفات التي يجب أن يتحلى بها الداعية إلى الإسلام

- ‌ثمرة الدعوة إلى الله ونتائجها

- ‌مخطوطة "حجة التحذير فيالمنع من لبس الحرير

- ‌مقدمة

- ‌موضوع الرسالة

- ‌المؤلف

- ‌وصف النسخ:

- ‌التوثيق

- ‌منهج التحقيق:

- ‌الفقيه المفتيزيد بن ثابترضي الله عنه من مفتي الصحابة

- ‌ زيد بن ثابت:

- ‌ إسلامه:

- ‌ ذكاؤه:

- ‌ فكاهته:

- ‌ جهاده:

- ‌ علمه:

- ‌ الكتابة والخط:

- ‌ لغة العرب وشعرها:

- ‌ اللغات الأجنبية:

- ‌ القرآن الكريم:

- ‌ الحديث النبوي الشريف:

- ‌ القيافة:

- ‌ الفقه والفرائض:

- ‌ أحد الفقهاء الستة:

- ‌ إتقانه الفرائض مع الفقه:

- ‌ إتقانه القضاء مع الفقه:

- ‌ عمل أهل المدينة بقوله:

- ‌ سؤال الخلفاء إياه وعملهم بقوله:

- ‌ شواذه:

- ‌ إمتناعه عن الفتوى فيما لم يقع:

- ‌ منعه عن كتابة فتاواه:

- ‌ تأثره بفقه عمر بن الخطاب:

- ‌ حامل فقه زيد بن ثابت:

- ‌ الحساب:

- ‌ ثناء العلماء عليه:

- ‌ سيرته مع الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء:

- ‌ زيد مع الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌ زيد مع أبي بكر:

- ‌ زيد مع عمر بن الخطاب:

- ‌ زيد مع عثمان بن عفان:

- ‌ زيد مع علي بن أبي طالب:

- ‌ زيد مع مروان بن الحكم (أمير المدينة المنورة):

- ‌ وفاة زيد بن ثابت:

- ‌حياة ابن الجوزي

- ‌أسرته:

- ‌مولده ونشأته:

- ‌طلبه للعلم:

- ‌مذهبه:

- ‌أعماله:

- ‌منهجه في التفسير:

- ‌مصادره في التفسير:

- ‌مصادره في أسباب النزول:

- ‌مصادره النحوية واللغوية:

- ‌مصادره الفقهية:

- ‌أبرز سمات تفسير ابن الجوزي:

- ‌مواقفه من القراءات:

- ‌تفسير القرآن بالقرآن أو بالسنة:

- ‌أسباب النزول:

- ‌الأحكام الفقهية:

- ‌اللغة والنحو:

- ‌موقفه من الإسرائيليات:

- ‌ترجيحه بعض الآراء على بعض:

- ‌وفاة ابن الجوزي:

- ‌تأويل الصفاتفيكتب غريب الحديث

- ‌ قدم الله ورجله:

- ‌ أصابع الرحمن:

- ‌ ضحك الله تعالى:

- ‌فهرس المصادر والمراجع

- ‌ استعراض بعض افتراءات المستشرقين حولأساليب المحدثين في العناية بمتون الأحاديث

- ‌أولا: الادعاء أن النهي عن كتابة السنة أدى إلى ضياعها:

- ‌ثانيا: الادعاء أن المحدثين لم يعتنوا بمتون الأحاديث:

- ‌ثالثا: الادعاء أن الأحاديث الشريفة مليئة بالمتون المتعارضة:

- ‌ اختلاف الروايات حول تدوين الأحاديث وكيفية الجمع بينها

- ‌أولا: بعض الأحاديث والآثار الواردة في النهي عن كتابة السنة:

- ‌ثانيا: بعض الأحاديث والآثار الواردة في كتابة السنة:

- ‌ثالثا: توفيق العلماء بين اختلاف الروايات في شأن تدوين السنة:

- ‌ بعض الأسباب التي دفعت المحدثين للعناية بمتون الحديث

- ‌ بعض المناهج التي اتبعها المحدثون للعناية بمتون الأحاديث

- ‌ بعض النتائج التي ترتبت على عناية المحدثين بمتون الحديث

- ‌ أساليب المحدثين في تمحيص المتون المتعارضةوالمتون التي ظاهرها التعارض

- ‌أولا: المتون المتعارضة:

- ‌ تعريف الشاذ ومثاله وحكمه

- ‌ تعريف المنكر ومثاله وحكمه:

- ‌ تعريف المضطرب ومثاله وحكمه:

- ‌ تعريف المنسوخ ومثاله وحكمه:

- ‌ثانيا: المتون المتعارضة ظاهريا:

- ‌ الرد على افتراءات المستشرقين حول أساليب المحدثين في العناية بمتون الأحاديث

- ‌الخاتمة ونتائج البحث

- ‌الشهادة بالحق فيمهرجان الجهاد

- ‌من قرارات المجمع الفقهيالإسلامي بمكة المكرمة

- ‌القرار الثالثحول أوقات الصلوات والصيامفي البلاد ذات خطوط العرضالعالية الدرجات

- ‌القرار السادسحول العملة الورقية

- ‌من قرارات هيئة كبار العلماء

- ‌قرار رقم 10 بشأن الأوراق النقدية

- ‌وجهة نظر

- ‌بيان خطأ من جعل جدةميقاتا لحجاج الجو والبحر

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌الثالث: بدء هذه الفكرة ووجودها قديما وحديثا:

3 -

تهرب بعض الناس من رفع قضاياه للمحاكم الشرعية بالمملكة إلى رفعها لمحاكم في دول أجنبية نتيجة لما تقدم ذكره، والخوف من أن يتزايد ذلك حتى ينتهي - عياذا بالله - إلى استبدال قوانين وضعية بالأحكام الشرعية.

لذا فكر بعض المسلمين في إلزام القضاة أن يحكموا بأقوال في المعاملات تختار لهم وتدون في كتاب مع أدلتها، أو إلزامهم أن يحكموا بالراجح والمعتمد من مذهب معين إعانة للقضاة على التمكن من معرفة ما يحكمون به في القضايا، وتقريبا بين معارفهم في الأحكام ومنعا للتناقض فيها، ولتبلبل أفكار الأمة وإبعادا للتهمة عنهم، وقضاء على ما يزعم بعض الناس من اتباع بعض القضاة للهوى، وتمكينا للجمهور من أن يوفقوا بين أعمالهم وبين ما دون ليكون مرجعا للقضاة في الأحكام فيكونوا بذلك على بصيرة فيما يقدمون عليه من أعمال قد يكون فيها خصومة.

وستأتي مناقشة هذه الدواعي عند مناقشة الأدلة.

ص: 49

‌الثالث: بدء هذه الفكرة ووجودها قديما وحديثا:

أ - محاولة (1) ابن المقفع في القرن الهجري الثاني في بدء العهد العباسي، كتب ابن المقفع إلى أبي جعفر المنصور رسالة جاء فيها: ومما ينظر فيه أمير المؤمنين من أمر هذين المصرين وغيرهما من الأمصار والنواحي اختلاف هذه الأحكام المتناقضة التي قد بلغ اختلافها أمرا عظيما في الدماء والفروج والأموال. ومضى إلى أن قال: فلو رأى أمير المؤمنين أن يأمر بهذه الأقضية والسير المختلفة فترفع إليه في كتاب، ويرفع معها ما يحتج به كل قوم من سنة وقياس، ثم نظر في ذلك أمير المؤمنين وأمضى في كل قضية رأيه الذي يلهمه الله ويعزم عليه عزما، وينهى عن القضاء بخلافه، وكتب ذلك كتابا جامعا، لرجونا أن يجعل الله هذه الأحكام

(1) رسالة الصحابة من المجموعة الكاملة 206 - 208.

ص: 49

المختلطة الصواب بالخطأ حكما واحد صوابا، لرجونا أن يكون اجتماع السير قرينة لإجماع الأمر برأي أمير المؤمنين وعلى لسانه، ثم يكون ذلك من إمام آخر الدهر إن شاء الله. انتهى.

قال (1) محمد سلام مدكور تعليقا على ذلك: غير أن هذا الاقتراح لم يجد له رواجا في ذلك الحين لإباء الفقهاء أن يتحملوا تبعة إجبار الناس على تقليدهم، وهم الذين يحذرون تلاميذهم التعصب لآرائهم، كما أنهم تورعوا وخافوا أن يكون في اجتهادهم خطأ، وليس هذا تقنينا وضعيا وإنما هم بصدد شريعة سماوية.

ب - محاولة الخليفتين أبي جعفر المنصور وهارون الرشيد مع الإمام مالك بن أنس.

1 -

لما حج أبو جعفر المنصور سنة 148 هـ اجتمع بالإمام مالك، ودار بينهما بحث هذا الموضوع ونحن نسوق ذلك:

قال (2) عيسى بن مسعود الزواوي في أثناء الكلام الذي دار بين الإمام مالك وبين أبي جعفر المنصور، قال مالك ثم قال لي: قد أردت أن أجعل هذا العلم علما واحدا أكتب به إلى أمراء الأجناد وإلى القضاة فيعملون به، فمن خالف ضربت عنقه. فقلت: يا أمير المؤمنين أو غير ذلك إن النبي صلى الله عليه وسلم كان في هذه الأمة فكان يبعث السرايا، وكان يخرج فلم يفتح من البلاد كثيرا حتى قبضه الله عز وجل، ثم قام أبو بكر رضي الله عنه فلم يفتح من البلاد كثيرا، ثم قام عمر رضي الله عنه ففتحت البلاد على يديه فلم يجد بدا أن يبعث أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم معلمين، فلم يزل يؤخذ عنهم كابرا عن كابر إلى يومنا هذا فإن ذهبت تولهم عما يعرفون إلى ما لا يعرفون رأوا ذلك كفرا، فأقر أهل كل بلد على ما فيها من العلم وخذ هذا العلم لنفسك، فقال لي: ما أبعدت هذا القول اكتب

(1) المدخل للفقه الإسلامي 107.

(2)

مناقب الإمام مالك وهو فقيه المدونة 1/ 25، 26.

ص: 50

هذا العلم لمحمد.

وقال (1) الزواوي أيضا نقلا عن الشافعي: بعث أبو جعفر المنصور إلى مالك لما قدم المدينة فقال له: إن الناس قد اختلفوا في العراق فضع للناس كتابا تجمعهم عليه، فوضع الموطأ، وقال الزواوي أيضا:" وقال غيره " - أي الشافعي - إن أبا جعفر لما قال لمالك ضع كتابا في العلم نجمع الناس عليه، قال له مع ذلك: اجتنب فيه شواذ ابن عباس وشذوذ أبي عمر ورخص ابن مسعود، فقال له مالك: ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين أن تحمل الناس على قول رجل واحد يخطئ ويصيب، وإنما الحق من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تفرقت أصحابه في البلدان، وقلد أهل كل بلد من صار إليهم فأقر أهل كل بلد على ما عندهم. وقال الزواوي تعليقا على ذلك: فانظر إنصاف مالك رضي الله عنه وصحة دينه، وحسن نظره للمسلمين، ونصيحته لأمير المؤمنين، ولو كان غيره من الأغبياء المقلدين والعتاة المتعصبين، والحسدة المتدينين لظن أن الحق فيما هو عليه، ومقصور على من ينسب إليه، وأجاب أمير المؤمنين إلى ما أراد، وأثار بذلك الفتنة وأدخل الفساد.

2 -

وفي سنة 163 هـ وقد ذهب أبو جعفر المنصور للحج مرة أخرى فأعاد عرض فكرته الأولى على الإمام مالك فاقتنع مالك رحمه الله ووافقه أبو جعفر رحمه الله يبين ذلك ما نقله جلال الدين السيوطي قال: وقال ابن سعد في الطبقات أخبرنا الواقدي قال: سمعت مالك بن أنس يقول: لما حج أبو جعفر المنصور دعاني فدخلت عليه فحادثته، فسألني فأجبته فقال: إني عزمت أن آمر بكتابك هذا الذي وضعته - يعني الموطأ - فينسخ منه نسخ ثم أبعث إلى كل مصر من أمصار المسلمين منها نسخة، وآمرهم أن يعملوا بما فيها ولا يتعدونه إلى غيره ويدعوا ما سوى ذلك من هذا العلم المحدث فإني رأيت أهل العلم رواة

(1) تزيين الممالك بمناقب مالك مع المدونة 1/ 46.

ص: 51

أهل المدينة وعلمهم. فقلت: يا أمير المؤمنين لا تفعل هذا، فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل وسمعوا أحاديث ورددوا روايات، وأخذ كل قوم مما سبق إليهم وعملوا به ودانوا به من اختلاف الناس وغيرهم وأن ردهم عما اعتقدوا شديد، فندع الناس وما هم عليه وما اختار أهل كل بلد منهم لأنفسهم. فقال: لعمري لو طاوعتني على ذلك لأمرت به.

3 -

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن عبد الحكم قال: سمعت مالك بن أنس يقول: شاورني هارون الرشيد في أن يعلق الموطأ في الكعبة، ويحمل الناس على ما فيه. . . إلخ، فقلت: يا أمير المؤمنين أما تعليق الموطأ في الكعبة فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في الفروع فافترقوا في البلدان وكل عند نفسه مصيب. . إلخ، فقال: وفقك الله يا أبا عبد الله.

وأخرج الخطيب في رواة مالك عن إسماعيل بن أبي المجالد قال: قال هارون الرشيد لمالك: يا أبا عبد الله نكتب هذه الكتب ونفرقها في آفاق الإسلام، فنحمل هذه الأمة على ما فيها، فقال: يا أمير المؤمنين رضي الله عنك، إن اختلاف العلماء رحمة من الله على هذه الأمة كل يتبع ما صح عنده، وكل على هدى وكل يريد الله والدار الآخرة.

جـ - محاولة (1) محمد عالمكير: قال محمد سلام مدكور، وفي القرن الحادي عشر الهجري ألف السلطان محمد عالمكير أحد ملوك الهند لجنة من مشاهير علماء الهند برئاسة الشيخ نظام؛ لتضع كتابا جامعا لظاهر الروايات التي اتفق عليها في المذهب الحنفي، فجمعوا ذلك في كتاب معروف بالفتاوي الهندية، ومع هذا فلم يكن هذا الجمع شبه الرسمي ملزما للمفتين والقضاة، كما أن الجمع والتدوين والتبويب لم يكن على نمط التقنين، وإنما هي فروع فقهية واقعية ومفترضة تذكر فيها الآراء.

ثم يتبع ذلك بالقول الذي تختاره اللجنة للفتوى.

(1) المدخل للفقه الإسلامي 108.

ص: 52

د - بدء تنفيذ الفكرة: ظهور مجلة الأحكام العدلية وقانون المعاملات وغير ذلك.

قال (1) الأستاذ مصطفى الزرقا: ولما بدئ بتأسيس المحاكم النظامية في الدولة العثمانية وأصبح يعود إليها اختصاص النظر في أنواع من الدعاوى، وكانت قبل ذلك ترجع إلى المحاكم الشرعية، ودعت الحاجة إلى تيسير مراجعة الأحكام الفقهية على الحكام غير الشرعيين، وتعريفهم بالأقوال القوية المعمول بها من الضعفية المتروكة دون أن يغوصوا على ذلك في كتب الفقه المعمول بها، صدرت إرادة سنية سلطانية بتأليف لجنة لوضع مجموعة من الأحكام الشرعية التي هي أكبر من غيرها دورانا في الحوادث. فوضعت اللجنة في سنة 1286 للهجرة هذه المجموعة منتقاة من قسم المعاملات من فقه المذهب الحنفي الذي عليه عمل الدولة. وقد أخذت بعض الأقوال المرجوحة في المذهب للمصلحة الزمنية التي اقتضتها. . وقد صدرت الإرادة السنية السلطانية في شعبان سنة 1293 هـ بلزوم العمل بها وتطبيق أحكامها في محاكم الدولة.

2 -

وقال (2) أيضا تحت فقرة (82) بدء تنفيذ الفكرة في تقنين الأحوال الشخصية قال: ثم بدئ رسميا بتنفيذ هذه الفكرة. فكرة الاستفادة من مختلف المذاهب الفقهية عن طريق التقنين في أحكام الأحوال الشخصية أواخر العهد العثماني، إذ وضعت الحكومة العثمانية قانون حقوق العائلة في سنة 1333 رومية، وأخذت فيه من المذهب المالكي حكم التفريق الإجباري القضائي بين الزوجين عن طريق التحكم المنصوص عليه في القرآن عند اختلافهما، وتوسعت فيه.

(1) المدخل 1/ 197 وما بعدها.

(2)

المدخل 1/ 207 وما بعدها.

ص: 53

3 -

وقال (1). أيضا في سنة 1929 م خطت الحكومة المصرية خطوة واسعة في الأخذ من مختلف الاجتهادات مما وراء المذاهب الأربعة، فأصدرت قانونا تحت رقم 25 ألغت فيه تعليق الطلاق بالشرط في معظم حالاته، كما اعتبرت تطليق الثلاث أو الثنتين بلفظ واحد طلقة واحدة عملا برأي ابن تيمية ومستنده الشرعي، وذلك بإقرار مشيخة الأزهر. انتهى المقصود.

4 -

وقال (2) محمد سلام مدكور تحت عنوان " مصر وتقنين الفقه الإسلامي والنهوض بدراسته " قال: لم تختلف مصر عن غيرها في النهضة الفقهية ومحاولة تقنين الأحكام الفقهية التي تهم الناس في معاملاتهم وأحوالهم الشخصية، وإخراجها في مواد حتى يسهل الرجوع إليها، وحتى تنصرف الأذهان عن التطلع إلى الغرب، ورفض الخديوي إسماعيل الأخذ بقانون مجلة الأحكام العدلية حبا في الاستقلال وتخلصا من التبعية للدولة العثمانية، واتجه إلى قانون نابليون بحجة أن كتب الفقه الإسلامي بوضعها لا يمكن التقنين منها فأحدث ذلك ضجة في الرأي العام، وظهر رأي بإمكان التقنين من الفقه الإسلامي، وقام الفقيه القدير قدري باشا بعمل مجموعة من القوانين أخذها من المذهب الحنفي مسترشدا في عمله بمجلة الأحكام العدلية.

5 -

وقال (3) أيضا تحت عنوان " القوانين المصرية المختارة من الفقه الإسلامي " عملت الحكومة على تأليف لجنة من كبار الفقهاء والمشرعين لوضع قوانين تؤخذ من الفقه الإسلامي من غير تقيد بمذهب معين، مع مراعاة روح العصر. فألفت لجنة من كبار علماء المذاهب الأربعة برئاسة وزير الحقانية في ذاك العهد لوضع قانون الأحوال الشخصية

(1) المدخل الفقهي العام 1/ 208

(2)

المدخل للفقه الإسلامي 110

(3)

المدخل للفقه الإسلامي 111 وما بعدها.

ص: 54

فوضعت اللجنة مشروع قانون للزواج والطلاق وما يتعلق بهما طبع سنة (1916 م) ثم أعيد طبعه بعد تنقيح فيه سنة (1917 م) ومع هذا فقد كان المعارضة في إخراجه قوية من بعض رجال الدين ومن تأثروا بهم، لذا لم يخرج هذا المشروع إلى التنفيذ ولم يصدر به القانون، وإنما اكتفى ولاة الأمر بمعالجة بعض الأمور التي وضح عدم مطابقة المذهب الحنفي فيها لمصالح الناس فصدر القانون رقم 25 سنة (1920 م) والقانون رقم 56 سنة (1923 م) بوضع حد أدنى لسن الزواج والقانون 25 سنة (1929 م) وكل هذه القوانين نظمت بعض مسائل الأحوال الشخصية المتعلقة بالزواج وبالنفقة والعدة والطلاق والنسب والمهر والحضانة والمفقود وما إلى ذلك، وإن كان القانون الأول 25 سنة (1920 م) أخذ من المذاهب الأربعة فإن القانونين الآخرين الصادرين في سنة (1923 م) وسنة (1929 م) لم يتقيدا بالمذاهب الأربعة فقد أخذ القانون 56 لسنة 1923 برأي آخر للإمام أبي حنيفة. وبفتوى عبد الله بن شبرمة، وعثمان البتي، وأبي بكر الأصم، وأما القانون 25 سنة (1929 م) فقد جاء في مذكرته التفسيرية بأنه موافق لآراء بعض المسلمين ولو من غير أهل المذاهب الأربعة، وأنه ليس هناك مانع شرعي من الأخذ بقول غيرهم خصوصا إذا ترتب عليه نفع عام. . وفي سنة (1931) صدر القانون (78) بتنظيم المحاكم الشرعية وقد احتوى على بعض القوانين غير مقيد فيها بمذهب معين، ثم خطت مصر خطوة جديدة نحو التخلص من التقيد المذهبي. ففي 9 ديسمبر سنة (1936 م) وافق مجلس الوزراء على مذكرة لوزارة العدل اقترحت فيها تشكيل لجنة بها تقوم بوضع مشروع قانون لمسائل الأحوال الشخصية وما يتفرع عنها، والأوقاف والمواريث والوصية وغيرها، ولا تتقيد بمذهب دون آخر بل تأخذ من آراء الفقهاء ما هو أكثر ملاءمة لمصالح الناس وللتطور الاجتماعي، ولها أن تبدأ بما ترى أن الشكوى منه أعم والحاجة إليه أمس وقد بدأت بالنظر في مشروع قانون المواريث لأن التغيير فيه ضئيل

ص: 55

فخرج في سنة 1913 م برقم 77 شاملا لجميع أحكام الإرث حتى ما كان مأخوذا من أحكام قطعية، كالخاصة بأصحاب الفروض والعصبات، وهذه لم يكن للجنة فيها إلا الصياغة فقط، أما الحكم نفسه فلم تتعرض له ولم تكن تملك أن تتعرض له، ومن أهم القواعد التي جاء بها القانون مغايرا ما كان عليه العمل توريث الأخوة والأخوات مع الجد الصحيح بعد أن كان حاجبا لهم، وكذلك الرد على أي الزوجين بما بقي بعد فرضه إذا لم يوجد للمتوفى أي قريب يرثه فهو أولى بما بقي من العاصب السببي.

كما اعتبر القانون التسبب في القتل مانعا من الإرث دون القتل الخطأ وما جرى مجراه، بعكس ما كان عليه العمل إلى غير ذلك مما يدرس تفصيلا في موضعه.

ثم في سنة 1946 م صدر القانون رقم 48 معدلا لبعض أحكام الوقف، وقد أخذ هذا القانون في الغالب أحكامه من أقوال الفقهاء في سائر المذاهب، متوخيا ما يحقق مصلحة الناس، ولا يعرقل نظمهم الاقتصادية، ومن أهم قواعد هذا القانون أنه قرب أحكام الوقف من أحكام الميراث، وعلى كل فقد ألغى الوقف الأهلي كله بالقانون 180 لسنة 1952.

ثم صدر القانون (71) في سنة 1946 م أيضا بأحكام الوصية دون تقيد بمذهب معين ولا حتى بالمذاهب الأربعة، ومن أهم قواعده القول بالوصية الجبرية، وهي أن يكون للأحفاد الذين حجبوا عن الميراث من جدهم أو جدتهم حق واجب في التركة، هو نصيب أصلهم لو كان حيا، بحيث لا يزيد على ثلث التركة، وألا يكون أوصى لهم جدهم أو جدتهم بشيء، وقد أخذ هذا الحكم من فقهاء التابعين ومن فقه الأباضية، كما أجاز القانون الوصية للوارث في حدود ثلث التركة دون توقف على إجازة باقي الورثة. . انتهى المقصود.

ص: 56

6 -

قال صبحي محمصاني بعد أن بسط الكلام على مراحل التدوين ملخصا ذلك قال (1): إن التدوين بمراحل خمس:

أولا: مرحلة التبني للمذهب الرسمي وكانت مرحلة صعبة لم ينجح فيها ابن المقفع ولا أبو جعفر المنصور، ولكن نجحت فيها الدولة العثمانية وغيرها من الدول العربية على غرارها.

المرحلة الثانية: كانت مرحلة جمعت المؤلفات لا على شكل قانون رسمي، بل في شكل كتاب شبه رسمي يسهل المطالعة وفهم الأمور على الطالبين من قضاة وعلماء وتلامذة، وهذا قد ذكرت له أمثلة وهي ملتقى الأبحر، والفتاوى الهندية، وسيدي خليل، ومدونات قدري باشا.

ثم المرحلة الثالثة دون المذهب الرسمي في مدونات رسمية إلزامية كمجلة الأحكام العدلية العثمانية التي أخذت عن المذهب الحنفي وحده.

ثم مرحلة رابعة اتبعت طريقة أخرى وهي أن يؤخذ مذهب واحد كأصل الاقتباس من المذاهب الأخرى في بعض المسائل، مثاله ما جرى في قانون حقوق العائلة العثمانية، ومجلة الجنايات والأحكام العرفية التونسية القديمة، ومجلة الالتزامات والعقود التونسية وما جرى في مدونات الأحوال الشخصية في البلاد العربية التي أشرنا إليها، وقد ذكرنا أن بعضها أيضا قد ابتعد عما جرى في الشريعة كما فعلت العراق في مسائل المواريث التي نوهنا بها أي في هذه المحاضرة.

وأخيرا في المرحلة الخامسة اقتبست بعض القوانين عن المدونات الغربية فكان هذا الاقتباس أحيانا موفقا بحيث لم يخالف روح التشريع الإسلامي، وأحيانا كان مخالفا لما جاء في هذا التشريع. . انتهى.

وسيأتي ما في هذه النقول من المناقشة عند المناقشة لأدلة الأقوال في إلزام القضاة الحكم بالراجح.

(1) مقدمة في إحياء علوم الشريعة: المحاضرة السادسة مراحل التدوين الفقهي 140.

ص: 57

قرار هيئة كبار العلماء رقم (8) تدوين الراجح من أقوال الفقهاء لإلزام القضاة العمل به

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين محمد صلى الله عليه وسلم، وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان السالكين لمنهجهم القويم.

وبعد: فبناء على أمر جلالة الملك - وفقه الله - بالنظر من قبل هيئة كبار العلماء في أمر جواز تدوير الراجح من أول الفقهاء لإلزام القضاة العمل به، وقبل الدخول في صلب البحث وتقرير ما هو الحق الذي تشهد له قواعد الشريعة وعليه عمل السلف رحمهم الله نقول:

أولا: إنه مما لا شك فيه لدى كل عارف أن إمام المسلمين - وفقه الله - وثبته على الحق ونصره به لم يكن له من هدف في هذا الأمر سوى الخير والحرص على جلب المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد وتقليلها، ولما بلغه - حفظه الله - أن فيما يصدر من بعض القضاة ما يلفت النظر ويدعو إلى البحث من صدور أحكام قد يظن بعض الناس أنها متناقضة، مع أن قضاياها متماثلة وهي في الحقيقة ليست كذلك مما قد يدعو إلى اتهام القضاة باتباع الهوى، أو رميهم بالقصور في تطبيق أحكام الشريعة على ما يرفع لهم من القضايا، وأن ذلك ربما كان

ص: 58

من أجل عدم وجود كتاب على قول واحد يحكم به القضاة، ويتعرف الناس منه أحكام المعاملات ليوفقوا بينها وبين أعمالهم عند الإقدام على عمل ما، حتى لا يقعوا فيما يعرضهم للحكم عليهم عند حدوث ترافع قضائي، وأنه قد يدعو إلى تهرب بعض الناس من رفع قضاياهم للمحاكم الشرعية في المملكة والذهاب بها لمحاكم في دول أجنبية من أجل هذا، وحرصا من جلالة الملك - وفقه الله - على صيانة الشريعة وبقاء الحكم بها بين الناس أمر - حفظه الله - بعرض موضوع التدوين المشار إليه لإلزام القضاة الحكم به على هيئة كبار العلماء ليبينوا حكم الشريعة في جواز ذلك أو عدمه.

ثانيا: يحسن أن نذكر شيئا مما من الله به على هذه البلاد من باب التحدث بنعمة الله التي غمرنا بها فنقول: إنه غير خاف على أحد من أهل المعرفة ما كانت عليه بلادنا قبل تأسيس هذه الدولة المباركة من الفوضى، والاضطراب، واللصوصية المغرقة، والخوف المتافقم، والفرقة المتمكنة، حتى هيأ الله سليل بيت المجد والسؤدد الملك عبد العزيز رحمه الله فقام بلم شعثها وجمع شملها المتفرق، وبناء كيانها على أساس من منهج السلف الصالح الذي ورثه عن آبائه الكرام حماة الدعوة السلفية وبناة حصونها في هذه البلاد، وهي الدعوة التي دعا إليها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فضرب الأمن في ربوع الجزيرة أطنابه بعد أن كان مفقودا، وانتشر العدل بين الناس، وآمنوا على أنفسهم وأموالهم، واتصلوا بالعالم الخارجي اتصالا واسعا، وعرفت حال البلاد عند سائر الدول، وتعامل أهلها مع أولئك منذ مدة طويلة والبلاد في تقدم مستمر، ولله الحمد لم يضرها بقاؤها في منهاج القضاء على ما كان عليه السلف الصالح رحمهم الله وفهم نظامها القضائي لدى سائر أمم الأرض المتحضرة، واشتهر الأمن فيها حتى صار مضرب المثل ومثار العجب عند كل منصف، رغم اتساع رقعة البلاد وعدم تعلم غالبية أهلها، وما ذاك إلا بفضل الله سبحانه، ثم بفضل تمسك هذه الدولة بشريعة الإسلام وسيرها على محجة سلف الأمة الذين نشروا الإسلام وساسوا العباد بالعدل وحكموا فيهم الشرع،

ص: 59

وفوضوا إلى قضاتهم الحكم بما فهموه من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما استنبطه العلماء منهما فصلحت بذلك أحوالهم، واستقامت أمورهم ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها. وقد اشتهرت وقد اشتهرت نزاهة القضاء في بلادنا ولله الحمد، وعدالته وبساطته، ومسايرته للفطرة وتمشيه مع مقتضى المصلحة الحقة، حتى صار معلوما عند الموافق والمخالف، ولا يسعنا إزاء هذه النعمة العظيمة التي من الله علينا بالتمسك بها حين تخلى عنها الأكثرون إلا أن نشكره جل وعلا ونسأله أن يثبتنا على ما نحن عليه من الحق ويرزقنا الإعانة والتوفيق.

ثالثا: نظرت الهيئة في الموضوع فرأت أن دواعي الإصلاح قائمة، وأنه لا بد من إيجاد حل للمشكلة وإصلاح لما تخشى عواقبه، غير أن الهيئة بأكثريتها ترى أنه لا يجوز تدوين الأحكام على الوجه المقترح لإلزام القضاة الحكم به؛ لأنه ليس طريقا للإصلاح ولا يحل المشكلة ولا يقضي على الخلاف في الأحكام، أو على ظنون بعض الناس في القضاة ما دام هناك محكوم عليه؛ لأن اتهام القاضي في حكمه لم يسلم منه أحد حتى خير الخلق صلى الله عليه وسلم، فقد قال له بعض الناس: اعدل فإنك لم تعدل، وفي رواية: إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله. ومع ذلك فإن التدوين المراد يفضي إلى ما لا تحمد عاقبته وذلك لأمور:

1 -

إن إلزام القضاة أن يحكموا بما اختير لهم مما يسمى بالقول الراجح عند من اختاره يقتضي أن يحكم القاضي بخلاف ما يعتقد، ولو في بعض المسائل، وهذا غير جائز ومخالف لما جرى عليه العمل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين ومن بعدهم من السلف الصالح، ويسبب التحول عن سبيلهم، ولقد سبق أن وجدت هذه الفكرة في خلافة بني العباس وعرضها أبو جعفر المنصور على الإمام مالك رضي الله عنه فردها وبين فسادها، فهي فكرة مرفوضة لدى السلف، ولا خير في شيء اعتبر في عهد السلف من المحدثات.

2 -

إن إلزام القضاة أن يحكموا بما يدعى أنه القول الراجح فيه حجر عليهم، وفصل لهم في قضائهم عن الكتاب والسنة، وعن التراث الفقهي

ص: 60

الإسلامي، وتعطيل لهذه الثروة التي هي خير تراث ورثناه عن السلف الصالح، وفي ذلك أيضا مخالفة صريحة لما دل عليه كتاب الله تعالى من وجوب الرجوع فيما اختلف فيه من الأحكام إلى الكتاب والسنة، وإن عدم الرد إليهما عند الاختلاف ينافي الإيمان بالله تعالى قال سبحانه:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (1).

3 -

إن الإلزام بما يدون يفضي إلى نفس النتيجة التي وصل إليها من سبقنا إلى هذه التجربة من الدول الإسلامية المتأخرة، فقد جربوا هذا التقنين وألزموا القضاة العمل به فلم يأتهم بخير، ولم يرفع اختلاف القضاة في الأحكام، وإنما أدى بهم إلى الحكم بالقوانين الوضعية فيما عدا الأحوال الشخصية، وبعض العقوبات - فسدا لذريعة الفساد، ومحافظة على البقاء في التحاكم على شريعة الله، وإبقاء على إظهار شعار أمتنا الإسلامية يجب علينا أن نفكر في طريق آخر للإصلاح سليم من العواقب الوخيمة.

4 -

إن إيجاد كتاب يشمل على قول واحد هو الراجح في نظر من اختاره يكون موحد الأرقام مسلسل المواد لا يمكن أن يقضي على الخلاف، ويوجد الاتفاق في الأحكام في كل القضايا لاختلاف القضاة في مداركهم وفي فهم المواد العلمية، ومدي انطباقها على القضايا التي ترفع لهم، ولاختلاف ظروف القضايا وما يحيط بها من أمارات ويحف بها من أحوال، فقد اختلف الناس في مدلول بعض النصوص الشرعية من الكتاب والسنة مع وضوحها وجلائها وعلم مصدرها الذي ليس علمه كعلم من يختار القول الراجح المراد.

5 -

المحاكم المدنية في الدول التي تحكم بالقوانين الوضعية دونت قوانينها على هيئة مواد موحدة مسلسلة الأرقام، ومع ذلك اختلفت أحكام قضاتها، ووقع في بعضها التناقص والخطأ، واستؤنف بعض الأحكام فنقض في محاكم الاستئناف فلم يكن ذلك التنظيم والإلزام به مانعا من الخطأ

(1) سورة النساء الآية 59

ص: 61

والتناقض، واتهام القضاة، ونقض الأحكام ما دام القضاة متفاوتين في الأفكار والأفهام، وبعد النظر والقدرة على تطبيق الأحكام على القضايا والوقائع.

6 -

لا يصلح للتخلص من الآثار السيئة التي ترتبت على إلزام القضاة بما يدون لهم إعطاؤهم حق الرفع فيما يخالف فيه اعتقادهم ما دون إلى مرجعهم؛ فإن ذلك يدعو إلى التواكل وتدافع القضايا والتهرب من المسئولية وتعويق المعاملات، وتكدسها، وفتح باب الاحتيال للتخلص من بعض القضايا لأمر ما، ولا يعدم من أراد ذلك أن يجد في وجهة نظر المخالفين لما دون ما يسند رأيه لأن الرجحان أمر نسبي مختلف فيه ولكل قول وجهته.

7 -

الواقع يشهد بأن معرفة الخصوم لما يرجع إليه القاضي تفصيلا ليس بضروري، ولا شرط لقبول حكم القاضي ولا نفاذه، لا من جهة الشرع ولا من جهة القانون، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يحكمون بين الناس في الخصومات، ولم يكن الفقه مدونا، وكثير من المتخاصمين لا يحفظ القرآن كله ولا كثيرا من السنة، وإنما يعرفون إجمالا أن القاضي سيحكم فيما يرفع إليه من القضايا مما فهمه من الكتاب والسنة. . كما أن الدول التي تحكم بقوانين وضعية لا يعرف السواد الأعظم فيها ما يرجع إليه القضاة من القوانين، ولذلك يقيمون المحامين ليرافعوا عنهم في قضاياهم، فلم يكن تدوين الأحكام على النهج المقترح ليوفق المتحاكمون أعمالهم معها ضروريا، ومع ذلك فالأحكام الشرعية مدونة ومن أرادها أمكنه الوصول إليها ومعرفتها، ومع معرفته لها فإنه لا يأمن أن يخالفه القاضي في فهمها وتطبيقها على قضيته، سواء في ذلك من يرجع في تحاكمه إلى الشرع ومن يرجع إلى القانون الوضعي، لأن الأحكام لو دونت لا يكون فيها ذكر جميع الجزيئات من القضايا وإنما يجتهد كل قاض في تطبيق النص على القضية التي ترفع إليه.

ص: 62

فيما سبق ذكره وغيره مما لم يذكر من الآثار السيئة التي تنشأ عن إلزام القضاة الحكم بما يختار لهم يجب التماس طريق آخر لعلاج الوضع وحل المشكلة وهو ما يلي:

1 -

إعداد القضاة والعناية بهم وتأهيلهم علميا وتدريبهم عمليا على أعمال القضاء، ولو بدورات دراسية وتدريبية لمن يحتاج لذلك ممن على رأس العمل.

2 -

تقليل المحاكم وتركيزها في المدن وعواصم المناطق، ويكتفى بتعيين متعلمين في القرى ليقوموا بشئون المساجد وعقود الأنكحة والوعظ والإرشاد وكتابة الوثائق وتلقي استخلافات القضاة ونحو ذلك، ويساعد على هذا سهولة المواصلات اليوم ووجود مرافق في المدن يستريح فيها الغريب ويرتفق بها ولو أقام أياما، ويسهل ذلك على القضاة في المدن الاجتماع لدراسة القضايا وهضمها، ويمنع من الترافع في الأمور التافهة البسيطة، ويدعو إلى الصلح بين الناس وهو أنفع من التمادي في الخصومات حتى البت في القضايا.

3 -

حسن اختيار القضاة بمراعاة ما تحلوا به من قوة في العلم ورجاحة في العقل مع حلم وأناة وبعد نظر وصدق وأمانة وابتعاد عن مظان الريبة، إلى غير ذلك من الصفات التي ينبغي أن تتوفر في القاضي، وسيساعد على سهولة الاختيار الاقتصار على تركيز المحاكم في المدن كما أشرنا إليه سابقا.

4 -

تأليف لجنة من العلماء لبحث المسائل القضائية الهامة التي ربما يشتبه الحكم فيها على بعض القضاة فتبين بالأدلة وجه الحكم فيها وتوضح تطبيقها بأمثلة، خاصة القضايا التي حدثت في عصرنا، وليس هذا لإلزام القضاة بما انتهى إليه البحث، بل ليكون عونا لهم في القيام بمهمتهم

ص: 63

ونموذجا لهم في دراسة القضايا، وحل مشكلها، والدقة في تطبيق الأحكام فيها فبذلك تضيق شقة الخلاف وتتحقق المصلحة المرجوة.

أما ارتفاع أصل الخلاف فلا سبيل إليه ولو توحد المرجع العلمي للقضاة باختيار قول واحد وألزم القضاة الحكم به لما تقدم بيانه. ومع ذلك فإن الحكومة وفقها الله قد بذلت مجهودا تشكر عليه فجعلت محاكم تمييز تدرس الأحكام الصادرة من المحاكم، وتوجه القضاة فيما تراهم قد قصروا فيه، وجعلت وراء ذلك هيئة قضائية عليا تدقق الأحكام التي يحصل حولها اختلاف بين القضاة وهيئات التمييز، كل ذلك حرصا من ولي الأمر - وفقه الله - على براءة الذمة وإراحة الناس وإيصال الحقوق إلى أصحابها.

5 -

إن الاختلاف في الأحكام قد وجد في عهد الخلفاء الراشدين والسلف الصالح حتى من القاضي الواحد في قضيتين متماثلتين، ظهر له في الثانية ما لم يظهر له في الأولى، فحكم به ولم ينقض حكمه السابق، ولم يكن ذلك داعيا إلى التفكير في مثل التدوين المقترح ولا إلزام القضاة الحكم بقول واحد، وهم كانوا أحرص منا على حفظ الدين وعلى سمعته وسمعة المسلمين ما وسعهم، ولا يجوز أن يكون هذا الاختلاف مثار ريبة وتهمة للقاضي فالأصل فيمن يختار للقضاء أن يكون عالما أمينا على مستوى المسئولية.

6 -

مما تقدم يعلم أن العلاج السليم للمشكلة في غير التدوين المذكور الذي لا تؤمن عاقبته ونتيجته غير مضمونة، ويفضي إلى فصل الناس عن مصادر شريعتهم وثروة أسلافهم الفقهية كما سبق بيانه، فتعين سلوك الطريق السليم العاقبة، المأمون النتيجة الذي استقامت عليها حياة الأمة الإسلامية وأحوالها في قرونها السالفة.

ص: 64

ونسأل الله أن يحفظ لأمتنا دينها، ويتم عليها الأمن والاستقرار، ويثبت إمام المسلمين ويسدده ويعينه بالبطانة الصالحة، ويمد في أجله على عمل صالح إنه سميع مجيب، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

هيئة كبار العلماء

ص: 65

صفحة فارغة

ص: 66

الفتاوى

إعداد

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

في هذه الزاوية تجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما يرد إليها من أسئلة واستفتاءات تهم المسلمين في شئونهم الدينية والاجتماعية.

ص: 67

أقسام التوحيد

فتوى رقم 9772

س: ما المقصود بتوحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات والذات؟

جـ: توحيد الربوبية هو توحيد الله بأفعاله من الخلق والرزق والإحياء والإماتة ونحو ذلك، وتوحيد الألوهية هو إفراد الله بالعبادة من صلاة وصوم وحج وزكاة ونذر وذبح ونحو ذلك، وتوحيد الأسماء والصفات أن تصف الله بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وتسميه بما سمى به نفسه أو سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تشبيه ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عضو

نائب رئيس اللجنة

الرئيس

عبد الله بن غديان

عبد الرزاق عفيفي

عبد العزيز بن عبد الله بن باز

ص: 68

من الفتوى رقم 8943

س: ما هي أنواع التوحيد مع تعريف كل منها؟

جـ: أنواع التوحيد ثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات. فتوحيد الربوبية هو إفراد الله تعالى بالخلق والرزق والإحياء والإماتة وسائر أنواع التصريف والتدبير لملكوت السماوات والأرض، وإفراده تعالى بالحكم والتشريع بإرسال الرسل وإنزال الكتب قال الله تعالى:{أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (1) وتوحيد الألوهية: هو إفراد الله تعالى بالعبادة فلا يعبد غيره ولا يدعى سواه ولا يستغاث ولا يستعان إلا به ولا ينذر

(1) سورة الأعراف الآية 54

ص: 68