الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بينهم، حتى قال قبيصة بن ذؤيب كان زيد رأسا في المدينة في القضاء والفتوى والقراءة والفرائض (1).، وعرفت الأجيال اللاحقة هذا التقديم لزيد، فأقروه ولم يعترضوا عليه، حتى قال الشعبي: غلب زيد بن ثابت الناس على اثنتين: الفرائض والقرآن (2). .
(1) الإصابة برقم 2882
(2)
تهذيب التهذيب 3/ 399 والاستيعاب 1/ 189 وسير أعلام النبلاء 2/ 432
(هـ)
الحديث النبوي الشريف:
لم يكن الكثير من الصحابة بعامة من الذين يكثرون من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنهم كانوا يرون الإنصراف إلى القرآن أولى، بخاصة أن القرآن لم يكن مجموعا ولا منشورا في العهد الأول، ولذلك انصرفت جهودهم إليه، وأحبوا من الناس أن تنصرف جهودهم إليه، ويظهر هذا الاتجاه واضحا في مسلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما خطر له أن يجمع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فطفق يستخير الله تعالى شهرا، ثم أصبح يوما وقد عزم الله له، فقال: إني كنت أريد أن أكتب السنن، وإني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله، وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء أبدا. وعندما شيع رضي الله عنه جماعة من الصحابة يقصدون الكوفة، حيث قال لهم: إنكم تأتون أهل قرية - يعنى: الكوفة - لهم دوي بالقرآن كدوي النحل، فلا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم، جردوا القرآن وأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولعل مراده التثبت في رواية الحديث.
ولذلك لا نستغرب إن وجدنا كبار الصحابة وأقدمهم إسلاما كانوا من المقلين في التحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعل زيد بن ثابت من هؤلاء المقلين،
فلم يرو له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى اثنين وتسعين حديثا، اتفق البخاري ومسلم على خمسة منها، وانفرد البخاري بأربعة منها، وانفرد مسلم بحديث واحد (1). .
ولكن زيد بن ثابت رضي الله عنه كان دقيقا في روايته للحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هذه الدقة نقله مقرونا بالظرف الذي قيل فيه الحديث، بخاصة إن كان لهذا الظرف تأثير في الحكم، نذكر - من ذلك على سبيل المثال ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن قبيصة بن ذؤيب:«أخبرت عائشة آل الزبير أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى عندها ركعتين بعد العصر (2)» ، فكانوا يصلونها، قال قبيصة: فقال زيد بن ثابت: يغفر الله لعائشة نحن أعلم برسول الله من عائشة، إنما كان ذلك لأن ناسا من الأعراب أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهجير، فقعدوا يسألونه ويفتيهم حتى صلى العصر، فانصرف إلى بيته، فذكر أنه لم يصل بعد الظهر شيئا، فصلاهما بعد العصر (3). .
وسمع زيد بن ثابت أن رافع بن خديج يحدث عن رسول الله بالنهي عن تأجير المزارع، فقال زيد: أنا والله أعلم بالحديث منه، «إنما أتاه رجلان من الأنصار قد اقتتلا، فقال رسول الله: إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع (4)» فسمع رافع بن خديج آخر الحديث «لا تكروا المزارع (5)» . . وفي رواية عبد الرزاق: قال زيد بن ثابت: يغفر الله لرافع بن خديج، والله ما كان هذا الحديث هكذا، «إنما كان لذلك الرجل أكرى لرجل أرضا، فاقتتلا واستبا بأمر تدارءا فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كان هذا شأنكم فلا تكروا الأرض (6)» فسمع رافع آخر الحديث، ولم يسمع أوله (7). وكان زيد بن ثابت يكره كتابة الحديث، وكان يرى أن نهي الرسول عن كتابة الحديث كان عاما
(1) عنوان النجابة ص 99
(2)
مسند أحمد بن حنبل (5/ 185).
(3)
مسند الإمام أحمد 5/ 185
(4)
سنن النسائي كتاب الأيمان والنذور (3927)، سنن أبو داود البيوع (3390)، سنن ابن ماجه الأحكام (2461)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 182).
(5)
أبو داود في البيوع باب المزارعة، والنسائي في المزارعة باب النهي عن كراء الأرض ومسند الإمام أحمد 5/ 187 وشرح الزرقاني 3/ 376 والمغني 5/ 385
(6)
سنن النسائي كتاب الأيمان والنذور (3927)، سنن أبو داود البيوع (3390)، سنن ابن ماجه الأحكام (2461)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 182).
(7)
عبد الرزاق 8/ 97