الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(5)
سؤال الخلفاء إياه وعملهم بقوله:
كان زيد بن ثابت مستشارا فقهيا لجميع الخلفاء بدءا من أبي بكر الصديق وإنتهاء بمروان بن الحكم - أمير المدينة المنورة - وإن هذا الإجماع على استشارته يدل على أن زيدا كان له من التفكر الفقهي المحكم والمحاكمة الصادقة والرأي الناضج ما أهله للاحتفاظ بهذه المكانة عند جميع الخلفاء الذين عاصرهم.
لقد كان أبو بكر لا يتوانى عن استشارة زيد، واستدعائه ليكون بين أهل الشورى، فقد روى عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن أبا بكر الصديق كان إذا نزل به أمر يريد فيه مشاورة أهل الرأي وأهل الفقه، ودعا رجالا من المهاجرين والأنصار، دعا عمر، وعثمان، وعليا، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وكل هؤلاء كان يفتى في خلافة أبي بكر (1). .
وكان عمر بن الخطاب إذا حزبه أمر يدعو أهل الشورى الذين كان يدعوهم أبو بكر الصديق، وفيهم زيد بن ثابت (2). وكان يستشيره ويسأله في مسائل، منها أنه استشاره واستشار علي بن أبي طالب في انتهاء العدة بالوضع، فقال زيد: قد حلت، وقال علي: أربعة أشهر وعشرا - فقال زيد لعلي: أرأيت إن كانت يائسا؟ قال علي: فآخر الأجلين، فقال عمر: لو وضعت ذا بطنها وزوجها على نعشه لم يدخل حفرته لكانت قد حلت (3).، أي أن عمر قد رجح الأخذ بقول زيد بن ثابت، وهذا ما جعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحتفظ بزيد بن ثابت مع من يحتفظ بهم في المدينة المنورة من أهل شوراه ويضن بإرسالهم إلى الآفاق، فقد جاء في طبقات ابن سعد: أن عمر كان يفرق الناس في البلدان، ويوجههم في الأمور المهمة، ويطلب إليه الرجال المسمون، فيقال
(1) طبقات ابن سعد 2/ 350
(2)
طبقات ابن سعد 2/ 350
(3)
ابن أبي شيبة 1/ 223
له: زيد بن ثابت، فيقول: لم يسقط على مكان زيد، ولكن أهل البلد يحتاجون إلى زيد فيما يجدون عنده مما يحدث لهم ما لا يجدون عند غيره (1). .
وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يسأل زيد بن ثابت عن الحكم الشرعي فيما يعرض له من الوقائع، فقد طلق حبان بن منقذ إمراته وهي ترضع ابنا له، فمكثت سبعة أشهر أو ثمانية أشهر لا تحيض، فقيل له: إن مت ورثتك، فقال: احملوني إلى عثمان، فحملوه فأرسل إلى علي وزيد بن ثابت فسألهما؟ فقالا: نرى أن ترثه، قال: ولم؟ قالا: لأنها ليست من اللائي يئسن من المحيض، ولا من اللائي لم يحضن، وإنما منعها من الحيض الرضاع، فأخذ الرجل ابنه منها، فلما فقدته حاضت حيضة، ثم حاضت في الشهر الثاني حيضة أخرى، ثم مات قبل أن تحيض الثالثة، فورثته (2). وكان معاوية بن أبي سفيان يسأل زيد بن ثابت فيما يعرض له من الحوادث، ومن ذلك أن الأحوص طلق امراته، ثم مات بالشام حين دخلت امرأته في الحيضة الثالثة، فكتب معاوية بن أبي سفيان إلى زيد بذلك، فكتب إليه زيد: إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد بانت، فلا رجعة ولا ميراث (3). . وسأله عن ميراث الجد، فكتب إليه زيد بن ثابت رضي الله عنه: إنك كتبت إلى تسألني عن الجد، الله أعلم، وذلك مما لم يكن يقضي فيه إلا الأمراء - يعني الخلفاء - وقد حضرت الخليفتين قبلك يريد: عمر وعثمان - يعطيانه مع الأخ الواحد النصف، ومع الاثنين الثلث فإن كثرت الأخوة لم ينقصوه عن الثلث (4). وكان مروان بن الحكم قبل توليه الخلافة - لأن زيدا توفي ومروان أمير
(1) طبقات ابن سعد 2/ 360
(2)
ابن أبي شيبة 1/ 253 والمحلى 10/ 225 و 269 وعبد الرزاق 6/ 340 والمغني 7/ 465.
(3)
ابن أبي شيبة 1/ 253 ب وسنن البيهقي 7/ 415 وتفسير القرطبى 2/ 444
(4)
عبد الرزاق 10/ 267 والموطأ 2/ 510 والمحلى 9/ 285 وكشف الغمة 2/ 39
المدينة المنورة - يسأل زيد بن ثابت فيما يعرض له من الحوادث، ومن ذلك: أنه حدث أن تزوج الحارث بن الحكم امراة، فقال عندها فرآها خضراء - أي سمراء - فطلقها ولم يمسها، فأرسل مروان بن الحكم إلى زيد بن ثابت فسأله، فقال زيد: لها الصداق كاملا، فقال مروان: إنه لا يتهم، قال زيد: أرأيت يا مروان لو كانت حبلى كنت مقيما عليها الحد؟ قال: لا، قال: فلا إذن (1). .
وروى ثويب قال: رمى البحر بسمك كثير ميتا، فأتينا أبا هريرة فاستفتيناه، فأمرنا بأكله، فرغبنا عن فتيا أبي هريرة، فأتينا مروان، فأرسل إلى زيد بن ثابت يسأله؟ فقال: حلال، كلوه (2). .
وسأله عن تسري الرجل بمطلقته الأمة في حادثة وقعت في عصره، فقد تزوج رجل أمة كانت لكثير بن الصلت، فطلقها ألبتة، ثم ابتاع الجارية من كثير، فقال له كثير: لا تعجل حتى أرجع إليك، فأتى مروان بن الحكم يذكر ذلك له، فقال له مروان: انطلق إلى زيد بن ثابت فاسأله عن ذلك، فانطلق إلى زيد بن ثابت، فسأله، فقال: لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره. فانطلق كثير إلى الرجل فأخبره. فقال الرجل: اشهدوا أني أعتقتها وتزوجتها، وأصدقها كذا وكذا، فقال كثير: لا تعجل حتى أرجع إليك، فأتى زيد بن ثابت، فذكر ذلك له، فقال: لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره. .
وكان عبد الملك بن مروان لا يعدل بقول زيد بن ثابت قولا غيره، ويعتر زيد بن ثابت نعم المشير على عثمان بن عفان، ولما كان عبد الملك يعرف حب أهل المدينة لزيد بن ثابت، وأخذهم بقوله، فإنه كان يستغل هذا الحب وهذا
(1) عبد الرزاق 6/ 286 وابن أبي شيبة 1/ 217 وسنن البيهقي 7/ 256 والمحلى 9/ 483
(2)
عبد الرزاق 4/ 506 وسنن البيهقي 9/ 254 والموطأ 2/ 495 وشرح السنة 11/ 249 وكشف الغمة 1/ 240