الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على أنها مدونة في القراطيس، هذا بجانب أن الإذن بالكتابة قد جاء متأخرا مما يدل على أنه ناسخ لأحاديث النهي عن الكتابة.
2 -
بعض الأسباب التي دفعت المحدثين للعناية بمتون الحديث
لقد كان اهتمام المسلمين وما يزال اهتماما فائقا بالسنة النبوية الشريفة؛ لاقتناعهم بأن الإلمام بالسنة النبوية الشريفة يؤدى إلى التعمق في فهم كتاب الله تعالى واستنباط أحكامه، وتفصيل مجمله وتقييد مطلقه، وتخصيص عامه، وبيان مراده سبحانه وتعالى بتفسير آياته، وتوضح كيفية تلاوتها. قال سبحانه وتعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (1).
وقد تبين السنة النبوية الشريفة أيضا بعض الأحكام التي سكت عنها القرآن كالأحاديث النبوية الشريفة التي وردت في تحريم (2) ربا الفضل وبيان أنواعه، والأحاديث التي وردت في تحريم لحوم الحمر الإنسية (3)، وتحريم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير.
(1) سورة النحل الآية 44
(2)
انظر كتاب المساقاة والمزارعة، باب الربا 8/ 15 - 125 (من صحيح مسلم بشرح النووي).
(3)
انظر كتاب الصيد والذبائح، باب تحريم الحرم الحمر الآنسية 13/ 90 (من صحيح مسلم بشرح النووي).
ولقد فطن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعوهم إلى مكانة السنة في التشريع وأهميتها في الدين، فجدوا في طلبها والمحافظة عليها، وذلك امتثالا لأمر الله واستجابة لما ورد في القرآن الكريم من أوامر وتوجيهات توجب على المسلمين التفاني في طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وامتثال أوامره المتضمنة في سنته صلى الله عليه وسلم.
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} (1). وقال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (2). وقال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} (3).
ولقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من التنكر لسنته وإهمال العمل بها، وذلك في الحديث الشريف الذي أخرجه الترمذي بسنده من حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته فيقول بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه حلالا استحللناه وما وجدنا فيه حراما حرمناه، وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم الله (4)» .
ولقد امتثل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعوهم لهذا التوجيه الكريم فكانوا يزجرون كل من تسول له نفسه التنكر لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ترك العمل بها، ويدلنا على ذلك ما أورده السمعاني من حديث عمران بن الحصين حيث قال: " إنهم كانوا يتذاكرون الحديث، فقال رجل: دعونا من هذا وحدثونا بكتاب الله. فقال له عمران: إنك أحمق، أتجد في كتاب الله الصلاة مفسرة؟
(1) سورة الأنفال الآية 20
(2)
سورة النساء الآية 65
(3)
سورة النساء الآية 80
(4)
أخرجه الترمذي في كتاب العلم، باب ما نهي عنه أن يقال عند حديث النبي صلى الله عليه وسلم 10/ 132. قال الترمذي حديث حسن غريب من هذا الوجه (من عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي).
أتجد في كتاب الله الصوم مفسرا؟ إن القرآن أحكم ذلك والسنة تفسر ذلك " (1).
ومن الأسباب التي دفعت المحدثين للعناية بمتون الأحاديث وتحري الصدق في تحملها وأدائها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد شدد الوعيد والنكير لكل من يكذب عليه متعمدا، وذلك في الحديث الشريف الذي تواتر عنه صلى الله عليه وسلم: وفيه يقول: «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار (2)» .
ومن الأسباب التي دفعت المحدثين للعناية بمتون الأحاديث أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أوصى بنشر العلم وحذر من كتمانه، وذلك في الحديث الشريف الذي أخرجه ابن ماجه من حديث معاوية القشيري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا ليبلغ الشاهد الغائب (3)» ومن حديث هارون العبدي قال: «كنا إذا أتينا أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال: مرحبا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: إن الناس لكم تبع وإنهم سيأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون في الدين، فإذا جاءوكم فاستوصوا بهم خيرا (4)» .
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من رجل يحفظ علما فيكتمه، إلا أتى به يوم القيامة ملجما بلجام من النار (5)» .
قال الخطابي في شرحه للحديث السابق ما يلي: " هو في العلم الضروري
(1) أدب الإملاء والاستملاء: 4.
(2)
صحيح البخاري الجنائز (1291)، صحيح مسلم مقدمة (4)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 252).
(3)
أخرجه ابن ماجه في المقدمة، باب من بلغ علما 1/ 86 حديث رقم 234.
(4)
أخرجه ابن ماجه في المقدمة، باب الوصاة بطلب العلم 1/ 91، 92 حديث رقم 249.
(5)
أخرجه ابن ماجه في المقدمة، باب من سئل عن علم فكتمه 1/ 96 حديث رقم 261.
كما لو قال: علمني الإسلام والصلاة، وقد حضر وقتها وهو لا يحسنها لا في نوافل العلم " (1).
ولقد جاء في بعض طرق الحديث أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: " والله لولا آيتان من كتاب الله تعالى ما حدثت عنه- يعني عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا أبدا، لولا قول الله {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ} (2) إلى آخر الآيتين.
ومن الأسباب التي دفعت المحدثين للعناية بمتون الأحاديث أيضا ما ورد في القرآن الكريم من آيات بينات تحث المسلمين على طلب العلم والتفقه في الدين، قال تعالى في كتابه العزيز:{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (3).
ومن المعلوم أن التفقه في الدين لا يكتمل إلا عن طريق فهم الآيات القرآنية والأحاديث القدسية والنبوية التي قد يشكل معناها على الأفهام، مما يستدعي طلب العون للإحاطة بمراميها من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي خصه الله بهذه الرسالة الخاتمة. ويقول الدكتور محمود حجازي في معرض تفسيره للآية المذكورة أعلاه. ما يلي:" فلولا خرج من كل فرقة كبيرة كالقبيلة أو البلد جماعة قليلة يقدر عددها بقدر الظروف والملابسات وذلك ليتأتي للمؤمنين في جملتهم التفقه في الدين، والوقوف على أسرار التنزيل، فيكونون حول النبي صلى الله عليه وسلم جماعة يتعلمون منه الأحكام ويأخذون عنه القرآن "(4).
ومن الأسباب التي دفعت المحدثين للعناية بمتون الأحاديث كذلك حرصهم
(1) سنن ابن ماجه 96.
(2)
سورة البقرة الآية 174
(3)
سورة التوبة الآية 122
(4)
التفسير الواضح 1/ 415.
الشديد على استيعاب السنة النبوية الشريفة والإفادة منها وتدوينها قبل أن ترفع ويقبض أهلها؛ لإخبار النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في الحديث الذي أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الله لا ينزع العلم من الناس انتزاعا ولكن يقبض العلماء فيرفع العلم معهم (1)» . . . .
وجاء في سنن الدارمي من حديث ابن مسعود قال: " تعلموا العلم قبل أن يقبض، وقبضه أن يذهب أهله (2) ألا وإياكم والتنطع والتعمق والبدع وعليكم بالعتيق ".
ولقد امتثل الصحابة رضوان الله عليهم وتابعوهم لهذا الأمر وجدوا في الاستجابة له. ويدلنا على ذلك ما أورده الخطيب البغدادى من أن عليا رضي الله عنه قال: " تزاوروا وتذاكروا الحديث فإنكم إلا تفعلوا يدرس"(3) وعن عمرو بن العاص أنه أتى على حلقة من قريش فقال: " ما لكم قد طرحتم هذه الأغيلمة؟ لا تفعلوا، وأوسعوا لهم في المجالس، وأسمعوهم الحديث، وأفهموهم إياه، فإنهم صغار قوم أوشك أن يكونوا كبار قوم، وقد كنتم صغار قوم، فأنتم اليوم كبار قوم "(4).
ولقد كان ابن عباس يحث المسلمين على مذاكرة الحديث وحفظه وتبليغه بقوله: " تذاكروا هذا الحديث لا ينفلت منكم، فإنه ليس بمنزلة القرآن، القرآن مجموع محفوظ وإنكم إن لم تذاكروا هذا الحديث تفلت منكم، ولا يقل أحدكم حدثت أمس لا أحدث اليوم، بل حدث أمس وحدث اليوم وحدث غدا "(5).
(1) أخرجه مسلم في كتاب العلم، باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان 16، 255 (من صحيح مسلم بشرح النووي).
(2)
أخرجه الدارمي في المقدمة، باب من باب الفتيا وكره التنطع والبدع 1/ 50.
(3)
شرف أصحاب الحديث: 69.
(4)
شرف أصحاب الحديث: 89.
(5)
شرف أصحاب الحديث: 99.