الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسبب اختلافهم في العقائد، فينبغي التنبه لذلك وعدم الاعتداد به إلا بحق، وكذا عاب جماعة من الورعين جماعة دخلوا في أمر الدنيا فضعفوهم لذلك ولا أثر لذلك التضعيف مع الصدق والضبط، وأبعد ذلك كله من الاعتبار تضعيف من ضعف من الرواة بأمر يكون الحمل فيه على غيره، أو للتحامل بين الأقران، وأشد من ذلك تضعيف من ضعف من هو أوثق منه، أو أعلى قدرا، أو أعرف بالحديث فكل هذا لا يعتبر به (1)
(1) هدي الساري (385).
مراعاة السند والمتن في التصحيح والتضعيف:
لا يخفى أن الحكم على الحديث يجب أن يكون عن دراسة لسنده ومتنه وأنه لا يحكم عليه بالصحة أو الضعف حكما نهائيا حتى يجمع شروط ذلك سندا ومتنا.
ولكن قد يحكم عليه حكما جزئيا باعتبار:
1 -
طريق أو إسناد له بخصوصه.
2 -
لفظ أو سياق له معين. ومن هنا فقد انبرى المحدثون لنقد السند والمتن على حد سواء ووضعوا القواعد والمعايير العلمية الثابتة للحكم على ذلك ولم يتركوا الأمر هملا.
الراوي المختلف فيه:
إذا اختلفت أقوال المحدثين في الراوي، منهم من يوثقه، ومنهم من يجرحه ويطعن فيه، فما حكم حديثه؟ هل نغلب جانب الجرح احتياطا فنعد حديثه مردودا، أو نغلب جانب
التعديل فنعده صحيحا؟ أو نتوسط في ذلك فنجعل حديثه من نوع الحسن؟ اعلم أن هذه المسألة من أهم مسائل التصحيح والتضعيف إذ أن الرواة من حيث القبول والرد ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:
الأول: متفق على جلالتهم وإتقانهم، أو على توثيقهم جمهور الأئمة جهابذة هذا الشأن وفرسانه، فلا يلتفت إلى ما فيهم من جرح عام، وإنما ينظر إلى ما جرحوا فيه من جرح خاص يتعلق بالطعن في بعض حديثهم أو في روايتهم عن بعض شيوخهم، أو ما ثبت أنهم وهموا فيه من وهم يسير لا يضر في جانب إتقانهم وضبطهم.
الثاني: قسم متفق على ضعفهم، أو على تضعيفهم جمهور أئمة هذا الشأن فلا يلتفت إلى توثيق من وثقهم توثيقا عاما، وينظر في ذلك إذا كان التوثيق خاصا كتوثيقه في الرواية عن شيخ معين أو روايته لصحيفة معينة، أو ضبطه لحديث بعينه.
القسم الثالث: وهم الرواة المختلف فيهم، وهنا مربط فرس المحققين، ومناخ رواحلهم، وهنا يجب تحرير عبارات الأئمة، ومعرفة مناهجهم في الحكم على الرواة تساهلا وتشددا واعتدالا، ومعرفة سياق كلامهم في الرواي، وقرائن التجريح والتعديل.
ومن ذلك أيضا اختلاف قول الإمام الواحد في الراوي الواحد يوثقه مرة ويطعن فيه أخرى، ويحسن حاله مرة ثالثة، فيتعين معرفة عادة ذلك الإمام أو معرفة آخر أقواله في الراوي أو أضبط الروايات عنه، أو سياق كلامه وغير ذلك من القرائن.
ومما ينبغي أن يعلم في هذا الشأن أنه لا يصح أن يطرح حديث الراوي
أو يتوقف فيه، للاختلاف فيه، أو لإطلاق الكلام فيه، وإلا للزم تضعيف آلاف الأحاديث وردها.
ولذا فقد ذهب عدد من المحدثين كأحمد في مسنده، والنسائي في سننه وغيرهما إلى أنه لا يترك حديث الرجل حتى يجمع الجميع على تركه (1) وصرح جمع من العلماء سيأتي ذكرهم إن شاء الله قريبا أن حديث المختلف فيه يعد من الحسن وبتأمل أقوالهم في هذه المسألة نجد أنه لا يصار لهذا الحكم إلا بشروط وهي:
1 -
أن لا يكون هناك قرينة قوية ترجح أحد الجانبين أي الجرح والتعديل على الآخر، كأن يكون المعدلون أشهر أو أكثر عددا، أو أن يكون الجرح صادرا من غير عدل متيقظ، أو أن يجرح بما لا يعد جارحا، أو غير ذلك من أسباب الطعن غير المعتبرة المتقدمة.
2 -
أن لا يكون للراوي أحاديث تستنكر عليه، وهي التي طعن فيه بسببها فإن هذا يرجح القول بتضعيفه.
قال الذهبي في جزء " من تكلم فيه وهو ثقة " هذا فصل نافع في معرفة ثقات الرواة الذين تكلم فيهم بعض الأئمة بما لا يرد أخبارهم، وفيهم بعض اللين، وغيرهم أتقن منهم وأحفظ، فهؤلاء إن لم يكن حديثهم في أعلى مراتب الصحيح فلا ينزل عن رتبة الحسن، اللهم إلا أن يكون للرجل منهم أحاديث تستنكر عليه، وهي التي تكلم فيه من أجلها (2).
3 -
أن يكون هذا الراوي مشهورا بالصدق أو الستر، وهذا يعني
(1) انظر نخبة الفكر (73).
(2)
من تكلم فيه وهو ثقة (ص 27).
المتهم بالكذب أو فاحش الخطأ لا يكون حديثه حسنا، وإن وثق، إلا أن يكون اتهامه من قبيل التحامل أو من غير متقن أو متعنت.
قال ابن الصلاح: إذا كان الراوي متأخرا عن درجة أهل الحفظ والإتقان غير أنه من المشهورين بالصدق والستر، وروي مع ذلك حديثه من غير وجه فقد اجتمعت له القوة من الجهتين وذلك يرقي حديثه من درجة الحسن إلى درجة الصحيح.
ومثل ابن الصلاح لذلك بمحمد بن عمرو بن علقمة فهو من المشهورين بالصدق والصيانة ولكنه لم يكن من أهل الإتقان حتى ضعفه بعضهم من جهة سوء حفظه، ووثقه بعضهم لصدقه وجلالته قال: فحديثه من هذه الجهة حسن (1) وقال المنذري في مقدمة الترغيب: وقد لا أذكر الراوي المختلف فيه فأقول إذا كان رواة إسناد الحديث ثقات وفيهم من اختلف فيه: إسناده حسن أو مستقيم أو لا بأس به ونحو ذلك حسبما يقتضيه حال الإسناد والمتن وكثرة الشواهد (2) وقال الحافظ ابن حجر: لا يحكم على رواية مختلف في توثيقه بالصحة بل غايته أن يكون حسنا (3) وقد فصل القول في هذه المسألة العلامة المعلمي فقال: إذا اختلفوا في راو فوثقه بعضهم ولينه بعضهم، ولم يأت في حقه تفصيل فالظاهر أنه وسط فيه لين مطلقا، وإذا فصلوا أو أكثروا الكلام في
(1) علوم الحديث (ص11).
(2)
مقدمة الترغيب (ص37).
(3)
الفتح (13/ 187).