الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكيف نكون مأمورين عند التنازع والاختلاف بالرجوع إلى أمر متنازع فيه، غير متفق عليه؟ وكذلك إذا وافق الحديث الضعيف أو ما لا أصل له القياس فإنه لا يحكم بصحته لموافقته القياس.
تضعيف الحديث إذا وقع واحدا فيما تعم به البلوى:
قال ابن الحاجب في مختصره: خبر الواحد فيما تعم به البلوى مقبول عند الأكثر خلافا لبعض الحنفية.
وقال شارحه شمس الدين الأصفهاني (م 749 هـ): إذا وقع خبر الواحد فيما تعم به البلوى أي فيما يحتاج إليه عموم الناس من غير أن يكون مخصوصا بواحد دون آخر فهو مقبول عند الأكثر خلافا لبعض الحنفية، وحجة الأكثر أن الأئمة أجمعوا على قبول خبر الواحد في تفاصيل الصلاة.
وأيضا جاز قبول القياس فيما تعم به البلوى، والقياس أضعف من خبر الواحد (1) وأما القول بأنه إذا عمت البلوى كثر السؤال، وإذا كثر السؤال كثر الجواب، ويكون النقل على حسب البيان، فإذا نقل خاصا علم أنه لا أصل له.
فالجواب عنه من وجوه:
1 -
لا يجب أن. يكون النقل على حسب البيان، لأن الصحابة كانت دواعيهم مختلفة وكان بعضهم لا يرى الرواية، ويؤثر عليها الاشتغال بالجهاد.
(1) المختصر (1/ 746 - 748).
قال السائب بن يزيد: صحبت سعد بن أبي وقاص من المدينة إلى مكة فلم أسمعه يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا، وروي: إلا حديثا، حتى رجع (1).
2 -
يجوز أن يتعبد الله تعالى فيما تعم به البلوى بالظن، ورجوع العامة إلى اجتهاد أهل العلم، فيلقى الرسول صلى الله عليه وسلم الحكم إلقاء خاصا فلا يظهر، ويكون من بلغه خبره يلزمه حكمه، ومن لم يبلغه خبره يكون مأمورا بالاجتهاد (2) ومن ذلك لو تفرد صحابي برواية حديث فإن عدم رواية الصحابة له لا يطعن في صحته، ولو كان مما يحتاج إلى نقله.
وكذلك فإن خبر الواحد مقبول في الحدود خلافا لمن منعه.
وكذا إذا عمل أكثر الأمة بخلاف خبر الواحد، فالعمل بخبر الواحد لا بعمل أكثر الأمة، لما علم أن قول الأكثر لا يكون حجة فضلا عن أن يكون راجحا على خبر الواحد انظر (3).
وكما لا يعد عمل أكثر الأمة بخلاف الحديث تضعيفا له، لا يعد عملهم وفقا للحديث تصحيحا له.
وكذلك إذا روى الصحابي حديثا وعمل بخلافه، فإنه ينبغي الأخذ بروايته وترك ما روي عنه من فعل أو فتيا، لأن الواجب علينا قبول نقله وروايته عن النبي صلى الله عليه وسلم لا قبول رأيه.
ولا يعد هذا تضعيفا للحديث، ولا يصح أن ترد به رواية الثقات الإثبات.
(1) الفقيه والمتفقه (1/ 137).
(2)
انظر الفقيه والمتفقه (1/ 138).
(3)
المختصر لابن الحاجب (1/ 752).
هذا ما وفق الله تعالى إليه من قواعد متعلقة بالتصحيح والتضعيف، وبعض هذه القواعد اختصرتها وهي مما يحتمل البسط والإسهاب وذلك رغبة في الإيجاز وعدم الإطالة.
والله تعالى أسأل أن يجعله من خالص العمل، ونافع العلم والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
صفحة فارغة
زيارة قبور الأولياء
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
ما حكم من يزور القبور ثم يقرأ الفاتحة، وخاصة على قبور الأولياء كما يسمونهم في بعض البلاد بالرغم أن بعضهم يقول لا أريد الشرك ولكن إذا لم أقم بزيارة هذا الولي فإنه يأتي إلي في المنام ويقول لي لماذا لم تزرني، فما حكم ذلك جزاكم الله خيرا؟.
يسن للرجال من المسلمين زيارة القبور كما شرعه الله سبحانه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (1)» خرجه الإمام مسلم في صحيحه.
وروى مسلم في صحيحه أيضا عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: " السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. نسأل الله لنا ولكم العافية (2)»
وصح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنه «كان إذا زار القبور يقول: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد (3)»
ولم يكن حال الزيارة عليه الصلاة والسلام يقرأ سورة الفاتحة ولا غيرها من القرآن فقراءتها وقت الزيارة بدعة، وهكذا قراءة غيرها من القرآن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (4)» .
متفق على صحته، وفي رواية مسلم رحمه الله يقول صلى الله عليه وسلم:«من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (5)» .
وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله الأنصاري
(1) صحيح مسلم الجنائز (976)، سنن النسائي الجنائز (2034)، سنن أبو داود الجنائز (3234)، سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1569)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 441).
(2)
صحيح مسلم الجنائز (975)، سنن النسائي الجنائز (2040)، سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1547)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 353).
(3)
صحيح مسلم الجنائز (974)، سنن النسائي الجنائز (2039)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 111).
(4)
صحيح البخاري الصلح (2697)، صحيح مسلم الأقضية (1718)، سنن أبو داود السنة (4606)، سنن ابن ماجه المقدمة (14)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 256).
(5)
صحيح مسلم الأقضية (1718)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 180).
رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه كان يقول في خطبته يوم الجمعة: أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة (1)» وأخرجه النسائي وزاد: «وكل ضلالة في النار (2)» .
فالواجب على المسلمين التقيد بالشرع المطهر والحذر من البدع في زيارة القبور وغيرها.
والزيارة مشروعة لقبور المسلمين جميعا سواء سموا أولياء أم لم يسموا أولياء.
وكل مؤمن وكل مؤمنة من أولياء الله كما قال الله عز وجل: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (3){الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} (4).
وقال سبحانه في سورة الأنفال: {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (5) ولا يجوز للزائر ولا لغيره دعاء الأموات أو الاستغاثة بهم أو النذر لهم أو الذبح لهم عند قبورهم أو في أي مكان يتقرب بذلك إليهم ليشفعوا له أو يشفوا مريضه أو ينصروه على عدوه أو لغير ذلك من الحاجات، لأن هذه الأمور من العبادة.
والعبادة كلها لله وحده كما قال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (6) وقال عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (7).
وقال سبحانه: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (8).
وقال عز وجل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (9).
والمعنى أمر ووصى، وقال عز وجل:{فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (10).
وقال عز وجل: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (11){لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (12).
(1) صحيح مسلم الجمعة (867)، سنن النسائي صلاة العيدين (1578)، سنن ابن ماجه المقدمة (45)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 371)، سنن الدارمي المقدمة (206).
(2)
صحيح مسلم الجمعة (867)، سنن النسائي صلاة العيدين (1578)، سنن ابن ماجه المقدمة (45)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 311)، سنن الدارمي المقدمة (206).
(3)
سورة يونس الآية 62
(4)
سورة يونس الآية 63
(5)
سورة الأنفال الآية 34
(6)
سورة البينة الآية 5
(7)
سورة الذاريات الآية 56
(8)
سورة الجن الآية 18
(9)
سورة الإسراء الآية 23
(10)
سورة غافر الآية 14
(11)
سورة الأنعام الآية 162
(12)
سورة الأنعام الآية 163
والآيات في هذا المعنى كثيرة وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا (1)» متفق على صحته من حديث معاذ رضي الله عنه.
وهذا يشمل جميع العبادات من صلاة وصوم وركوع وسجود وحج ودعاء وذبح ونذر وغير ذلك من أنواع العبادة كما أن الآيات السابقات تشمل ذلك كله وفي صحيح مسلم عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لعن الله من ذبح لغير الله (2)» .
وفي صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله (3)» .
والأحاديث في الأمر بعبادة الله وحده والنهي عن الإشراك به وعن وسائل ذلك كثيرة معلومة.
أما النساء فليس لهن زيارة القبور، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم «لعن زائرات القبور (4)» والحكمة في ذلك- والله أعلم- أن زيارتهن قد تحصل بها الفتنة لهن ولغيرهن من الرجال.
وقد كانت الزيارة للقبور في أول الإسلام ممنوعة حسما لمادة الشرك.
فلما فشا الإسلام وانتشر التوحيد أذن صلى الله عليه وسلم في الزيارة للجميع ثم خص النساء بالمنع حسما لمادة الفتنة بهن.
أما قبور الكفار فلا مانع من زيارتها للذكرى والاعتبار، ولكن لا يدعى لهم ولا يستغفر لهم لما ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه استأذن ربه أن يستغفر لأمه فلم يأذن له واستأذنه أن يزور قبرها فأذن له، وذلك أنها ماتت في الجاهلية على دين قومها (5)» .
وأسأل الله أن يوفق المسلمين رجالا ونساء للفقه في الدين والاستقامة عليه قولا وعملا وعقيدة، وأن يعيذهم جميعا من كل ما يخالف شرعه المطهر إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
(1) صحيح البخاري الجهاد والسير (2856)، صحيح مسلم الإيمان (30)، سنن الترمذي الإيمان (2643)، سنن ابن ماجه الزهد (4296)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 238).
(2)
صحيح مسلم الأضاحي (1978)، سنن النسائي الضحايا (4422)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 118).
(3)
صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3445)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 47).
(4)
سنن الترمذي الصلاة (320)، سنن النسائي الجنائز (2043)، سنن أبو داود الجنائز (3236)، سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1575)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 337).
(5)
صحيح مسلم الجنائز (976)، سنن النسائي الجنائز (2034)، سنن أبو داود الجنائز (3234)، سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1572)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 441).