الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والده فقد طفت الأرض واجتمعت بكذا وكذا ولي لله فلم أجد أحدا منهم على هذا الاعتقاد) (1) أي الأشعرية وهو إخبار بأن أكثر مشايخ الصوفية على عقيدة السلف.
(1) الاستقامة (1/ 82 - 84 - 85 - 88).
ثالثا: الحلولية والاتحادية:
وهما نسبة للحلول والاتحاد فالحلول أن تكون أحد الذاتين ظرفا ووعاء للأخرى فإن حقيقة مذهبهم (أن وجود الكائنات هو عين وجود الله تعالى وليس وجودها غيره ولا شيء سواه البتة) وهم لا يرتضون اسم الحلول لأنه يتضمن ذاتين كل منهما غير الأخرى وهذا تشبيه عندهم وإثبات موجودين (أحدهما) وجود الحق الحال و (الثاني) وجود المخلوق المحل وهم لا يقرون إثبات وجودين البتة) (1).
وهذا هو عين قول الجهمية الذين يقولون أن الله بذاته في كل مكان (2) وسموا اتحادية لأمرين:
أحدهما: وهو غير مرضي لهم لأن قولهم بالاتحاد على وزن الاقتران والاقتران يقتضي شيئين اتحد أحدهما بالآخر وهم لا يقرون بوجودين أبدا) (3). الثاني: يصححونه وهو أن الكثرة صارت وحدة.
وبذا يظهر أن مبنى قولهم (هو أن وجود المخلوقات والمصنوعات حتى وجود الجن والشياطين والفاسقين والكلاب والخنازير والنجاسات والكفر والفسوق والعصيان عين وجود الرب لا أنه متميز عنه منفصل عن ذاته وإن كان مخلوقا له مربوبا مصنوعا له قائما به وهم يشهدون أن في كل الكائنات
(1) مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية (4/ 94).
(2)
مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية (4/ 94).
(3)
مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية (4/ 94).
تفرقا وكثرة ظاهرة بالحس والعقل فاحتاجوا إلى جمع يزيل الكثرة ووحدة ترفع التفرق مع ثبوتها) (1) وهم في التعبير عن هذا ثلاثة أنواع:
النوع الأول: مقالة ابن عربي ومن نحا نحوه وتقوم على دعامتين:
الأولى: (أن المعدوم شيء ثابت في العدم)(2)(فهي متميزة بذواتها الثابتة في العدم متحدة بوجود الحق العالم بها)(3).
الثانية: (أن وجود الأعيان نفس وجود الحق وعينه)(4).
(وهذا يفرق بين المظاهر والظاهر والمجلي والمتجلى لأن المظاهر عنده هي الأعيان الثابتة في العدم وأما الظاهر فهو وجود الخلق)(5).
ويرى ابن تيمية أن ابن عربي في ذلك متأثر بالمعتزلة والرافضة فإن أول من قال بأن المعدوم شيء ثابت في العدم هو أبو عثمان الشحام شيخ أبي علي الجبائي وإن كان يقول بأن الله خلق وجود الأعيان وأنها ليست عين وجوده (6) ومبنى قول ابن عربي أن الماهية عين الوجود وأن الماهية الموجودة في الذهن هي عين الموجود المشاهد وبناء على ذلك فإن الماهية التي بها الاشتراك في الذهن هي عين الموجود المشخص في الخارج فالوجود هو بصفة عامة للقديم والمحدث واسم جنس لهما هي عين الموجود المشاهد إذ لا فرق بين ما في الذهن وما في الوجود المشاهد.
ويرى الدكتور عبد العظيم شرف الدين أن مذهب ابن عربي مستمد من مذهب الأشاعرة حيث يقولون إن العالم مكون من الجواهر والأعراض وأن العرض لا يبقى مستمرا في الجوهر زمانين، ومذهبهم هذا ليس هو وحده الوجود لأنهم يفرقون بين العالم ورب العالمين فوجود الأول مخلوق ووجود
(1) مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية (4/ 94).
(2)
مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية (4/ 94).
(3)
انظر مجموعة المسائل والرسائل (4/ 6، 17).
(4)
انظر مجموعة المسائل والرسائل (4/ 6، 17).
(5)
انظر مجموعة المسائل والرسائل (4/ 6، 17).
(6)
انظر مجموعة المسائل والرسائل (4/ 6، 17).
الثاني وجود خالق فأحل ابن عربي الذات في اصطلاحه محل الجواهر وجعل الأعراض صورا لوجود تلك الذات (1) ورأيي أن قول ابن تيمية أوضح لاتفاق قول ابن الشحام مع ابن عربي في أصل الفكرة وهي: (أن المعدوم شيء ثابت في العدم) وتقول المعتزلة بأن الوجود الذهني هو عين الوجود الخارجي وأن الصفات المشتركة في الذهن هي عين الصفة المشخصة في الخارج وما أصله ابن عربي باطل من وجوه:
أولا: أن المعدوم ليس بشيء في خارج الذهن فإن المستحيل يسمى شيئا في الذهن لكنه ليس بشيء في خارج ويدل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع القديم.
أما الكتاب:
1 -
قوله تعالى: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا} (2) فأخبر أنه قبل وجوده لم يكن شيئا ومثله قوله تعالى: {أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} (3) وقال سبحانه: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} (4) فأنكر عليهم أن يكون خلقوا من غير شيء وهم العدم ولو كان العدم شيئا في خارج الذهن لما أنكر عليهم ولو صح أن يخلقوا من شيء معدوم لكان الخالق لهم شيئا معدوما.
2 -
قال تعالى: {فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا} (5) ولو كان المعدوم شيئا في الخارج لكان التقدير لا يظلمون موجودا ولا معدوما، والمعدوم لا يتصور أن يظلموه فإنه ليس لهم.
(1) انظر ابن القيم للدكتور عبد العظيم شرف الدين ص (406، 407).
(2)
سورة مريم الآية 9
(3)
سورة مريم الآية 67
(4)
سورة الطور الآية 35
(5)
سورة مريم الآية 60
وأما قوله سبحانه: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} (1) فهو إخبار عنها حال وقوعها بدليل قوله: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} (2) لا شك أن ذلك لا يكون إلا يوم القيامة ولو قدر وجودها في حال العدم لكان المعنى شيء مقدر في علم الله وقوعه.
وأما قوله جل شأنه: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (3) فإنما سمي شيئا حال إرادته موجودا ولم يرد أن المعدوم شيء حال عدمه والله قد أخبر أن المعدوم نفسه يراد ويكون وأما القول بأن ماهية الشيء في الذهن هي عين وجوده فليس بصحيح لأن الموجود الذهني مشترك بين أفراده وأما الوجود العيني في الخارج فهو معين مشخص وإذا ظهر الفرق بينهما بطل القول بكون كل واحد منهما هو الآخر فإن ثبوت الأشياء في العلم والكتاب والكلام ليس هو عين الثبوت في خارج الذهن وإن كان هو شيئا في الذهن فإذا علمت حقيقة شيء في ذهنك فإنه لا يلزم أن يكون موجودا وجوده خارج الذهن مطابق له فإن الذهن يتصور الممتنعات التي لا وجود لها في خارجه فليست بشيء باتفاق العقلاء (4).
وفي حديث الترمذي عن أبي حارثة عن أبيه «أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به هل ترد من قضاء الله شيئا قال هي من قدر الله (5)» .
وإنما يثبت في القدر المعدوم الذي سيكون وأما المعدوم الممكن الذي
(1) سورة الحج الآية 1
(2)
سورة الحج الآية 2
(3)
سورة النحل الآية 40
(4)
انظر مجموعة المسائل والرسائل (4/ 14 / 15).
(5)
سنن الترمذي القدر (2148)، سنن ابن ماجه الطب (3437).
لن يكون فهو شيء ثابت في العدم عند من يقول به لكنه ليس بمقدر الكون والله يعلمه على ما هو عليه فيعلم أنه ممكن وأنه لا يكون والله يعلم أيضا الممتنعات وأنها لا تكون مثل فرض الشريك للباري جل جلاله مع أن كل ذلك ثابت في العلم فيثبت بذلك أن المعدوم وأن سمي شيئا في الذهن فإنه لا يكون في الخارج كذلك إلا إذا وجد (1).
وفي الصحيحين عن عمران بن حصين قال: «قيل يا رسول الله أعلم أهل الجنة والنار؟ قال: " نعم قال: ففيم يعمل العاملون؟ فقال كل ميسر لما خلق له (2)» وفي رواية «أن رجلين من مزينة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه أشيء قضي عليهم ومضى فيهم من قدر سبق أو فيما يستقبلون به ما أتاهم به نبيهم وتثبت الحجة عليهم. فقال لا بل شيء قضي عليهم ومضى فيهم وتصديق ذلك في كتاب الله (5)» .
وبذا يظهر فساد مقالة ابن عربي.
المقالة الثانية: من مقالات الحلولية قول الفخر الرومي وأصحابه: (أن الله هو الوجود المطلق الذي لا يتعين ولا يتميز وأنه إن تعين وتميز فهو الحق سواء تعين في مرتبة الإلهية أو غيرها)(6).
وهي أفظع وأدخل في الكفر من مقالة ابن عربي وإنما انتحلها هربا مما في التفريق بين وجود الأشياء وماهيتها من الباطل الذي لا يستقيم أمام الأدلة الشرعية والعقلية الصحيحة وبيان ذلك أنه على القول الأول يمكن ألا يجعل
(1) انظر مجموعة المسائل والرسائل (4/ 13).
(2)
صحيح البخاري التوحيد (7551)، صحيح مسلم القدر (2649)، سنن أبو داود السنة (4709)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 431).
(3)
صحيح مسلم القدر (2650)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 438).
(4)
سورة الشمس الآية 7 (3){وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا}
(5)
سورة الشمس الآية 8 (4){فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}
(6)
انظر مجموعة المسائل والرسائل (4/ 18 وما بعدها).
لله وجودا خارجا عن المخلوقات وأنه قاض عليها فيكون فيه اعتراف بوجود رب قائم بنفسه غني عن خلقه وإن كان فيه كفر من جهة جعله للخالق عين المخلوق.
وأما على ما ذهب إليه الفخر الرومي فوجود الخالق هو الوجود المطلق الساري في الموجودات المعنية، ومما علم بضرورة العقل أن الوجود المطلق لا يكون في خارج الذهن أبدا باتفاق العقلاء فآل مذهبه إلى إنكار وجود الذات الإلهية لأن المطلق ليس له وجود مطلق في الخارج بل ليس له إلا وجود معين (1) قال ابن تيمية:(وأما في الخارج عن ذلك -أي العلم واللسان- فما ثم شيء موجود في الخارج شيئين)(2) بل الموجودات معينة بصفاتها الخاصة بها فما ثم إلا هو مخصوص معين بما يميزه عما سواه.
كما أن ابن عربي يقول بوجود زائد على الماهية وأما الفخر الرومي فليس في الوجود زيادة على الماهية.
المقالة الثالثة للحلولية مقالة التلمساني: (أنه لا فرق بين ماهية ووجود ولا بين مطلق ومعين بل عنده ما ثم سواه ولا غيره بوجه من الوجوه وإنما الكائنات أجزاء منه وأبعاض له بمنزلة أمواج البحر في البحر وآخر البيت من البيت ومن شعرهم:
البحر لاشك عندي في توحده
…
وإن تعدد بالأمواج والزبد
فلا يغرنك ما شاهدت من صور
…
فالواحد الرب ساري العين في العدد (3)
وهذا القول أشدا كفرا وزندقة من القولين السابقين فإن صاحب هذا القول لا يفرق بين المظاهر والظاهر ولا الكثرة والتفرقة إلا في الذهن لأنه محجوب عن الحقيقة فلما انكشفت له تبين له أنه لم يكن غير الله والرائي عين
(1) انظر مجموعة المسائل والرسائل (4/ 23، 26).
(2)
انظر مجموعة المسائل والرسائل (4/ 23، 26).
(3)
انظر مجموعة المسائل والرسائل (4/ 23، 26).
المرئي والشاهد عين المشهود فليس في الوجود شيء غير الله وجميع الاعتبارات لا وجود لها لأنها خيال ولا وجود له أصلا إلا في ذهن من تصوره وأما الحقيقة فالموجودات هي الله ليس شيء غيره أبدا (1).
هذا ويذكر ابن تيمية أن قول هؤلاء الحلولية من الصوفية مركب من ثلاث عقائد هي:
أولا: سلب الجهمية وتعطيلهم.
ثانيا: مجملات الصوفية وهو ما يوجد في كلامهم من الألفاظ المجملة المتشابهة وكلمات المغلوبين على عقولهم الذي يتكلمون به حال سكرهم وإغمائهم.
ثالثا: الزندقة التي هي أصل التجهم وهي غالبة على ابن سبعين والقونوي والتي قبلها غالبة على ابن عربي وزمرته (2).
ويمكن رد مذهب الحلولية بأن يقال:
أولا: هذه الأعيان الموجودة عندكم هل أوجدها الله بعد هذا العدم أو بقيت فيه فإن قال ما فيه فيه فقد كابر الحس والعقل والشرع ومثل ذلك لا يقوله عاقل يدري ما يقول.
وإن قال بل أوجدها بعد عدمها لم تكن هي عينه لأن الله لم يكن معدوما حال عدمها فيوجد لأنه ينافي قدمه تعالى فبطل بذلك الاتحاد (وجب أن يكون العالم غير الله بل هو خلقه)(3).
ثانيا: أن الوجود والماهية شيء واحد في خارج الذهن فلا يتصور
(1) انظر مجموعة المسائل والرسائل (4/ 27).
(2)
انظر مجموعة المسائل والرسائل (4/ 27).
(3)
انظر مدارج السالكين (1/ 147، 148).
الفرق بينهما وأما في الذهن فذلك يمكن لأن الذهن يفرض الممتنعات والمستحيلات.
ثالثا: أن القول بأنه الموجود المطلق بشرط الإطلاق يلزمه أن لا يكون له سبحانه ذات موجودة خارج الذهن لأن المطلق بشرط إطلاقه لا يوجد إلا في الذهن وما لزم منه الباطل فهو باطل.
رابعا: إن لازم ذلك سقوط التكاليف عن العبد وأنه ليس بمأمور ولا منهي وأنه ما ثم طاعة ولا معصية ولا معروف ولا منكر إذ ما يكون في حق الرب عينه يكون في حق العبد كما يقولون وذلك إبطال للشريعة من أصلها وهو باطل فما لزم منه فهو باطل.
خامسا: أن لازم ذلك أنه لا ثم موجود قديم ولا محدث وإنما هو موجود قديم ومحدث في آن واحد هو جمع بين النقيضين وهو مستحيل لذاته فما بني عليه فهو مستحيل لذاته.
هذا وأصل عقيدة الحلول والاتحاد أو وحدة الوجود هو الفناء في توحيد الربوبية وذلك بفناء السالك بشهوده عن مشهوده، وبذكره عن مذكوره الأمر الذي أدى بهم إلى القول بأن تصور الإنسان لوجوده في مقابل وجود الله هو إثبات لإثنينية في الوجود وهذا على حد قولهم شرك بالله حتى قال قائلهم:
ما وحد الواحد من واحد
…
إذ كل من وحده جاحد
لذا فإنهم عند الذكر إما يقولون يا هو أو يا أنا لأنه ما ثم إلا وجود واحد وهو وجود الحق جل جلاله.
وهذا أوصلهم في آخر المطاف للقول بمذهب ابن عربي والتلمساني والقونوي وغيرهم من القائلين بوحدة الوجود الذي كان نتيجة لعدم الفرق