المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثالثا: الحلولية والاتحادية: - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٤١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌ تمهيد في موقف ولي الأمر من استقدام أشخاص عمالا لتشغيلهم في المملكة

- ‌ تحريم أخذ أموال الناس إلا بمبرر شرعي مع الأدلة من الكتاب والسنة

- ‌ هل يجوز للكفيل أن يأخذ أجرا على الكفالة

- ‌ بيان الغرض الذي يستقدم من أجله العمال إلى المملكة، وصور تطبيقية

- ‌الفتاوى

- ‌ هل ثبت معراج المعصوم صلى الله عليه وسلم بنص القرآن الكريم

- ‌ من قال: إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه رسول الله

- ‌ هل أن الله عز وجل كلم محمدا صلى الله عليه وسلم مشافهة

- ‌ هل أرسل رسول إلى الجن قبل سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام

- ‌ هل ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمع بالجن

- ‌ عيسى عليه السلام ما يزال حيا يرزق في السماء

- ‌ شبه حول بعض الأنبياء

- ‌ الإمام بالمسجد الجامع ينسى الخطبة الثانية يوم الجمعة ولا يذكره أحد

- ‌ عودة النبي عيسى عليه السلام

- ‌ عيسى عليه السلام مازال حيا إلى الآن أو قد مات كسائر الأنبياء

- ‌ استشهاد الكنيسة بآيات من القرآن الكريم بأن عيسى عليه السلام ابن الله

- ‌ الذبح عند الأضرحة ودعاء أهلها

- ‌ الذبح لله وللخضر بالحلم

- ‌ زيارة النساء للقبور

- ‌هل الذنوب تسبب محق البركة

- ‌وجوب التصديق مع الشهادتين

- ‌ بدء الكفار بالسلام

- ‌طريقة النصيحة لمن يجاهر بالمعاصي

- ‌التصوف في لغة العرب:

- ‌التصوف في الكتاب والسنة:

- ‌التصوف عند السلف:

- ‌تعريف التصوف اصطلاحا:

- ‌تعريف علم التصوف:

- ‌مصدر التسمية بالتصوف والصوفية:

- ‌نشأة التصوف وتاريخه:

- ‌أسباب نشأة التصوف وانتشاره:

- ‌أنواع الصوفية وأصنافهم:

- ‌القسم الأول: أقسامهم من جهة العمل

- ‌أولا: صوفية الحقائق:

- ‌القسم الثالث: صوفية الرسم

- ‌ثانيا: الأشعرية

- ‌ثالثا: الحلولية والاتحادية:

- ‌مصادر التلقي عند الصوفية:

- ‌ مصادر التلقي عند شيوخ التصوف

- ‌ثانيا: الذوق:

- ‌أنواع الذوق:

- ‌موقف الشرع من الذوق:

- ‌ثالثا: الوجد

- ‌الفرق بين الوجد والذوق:

- ‌أنواع الوجد:

- ‌أولا: وجد يستفيق بسببه البصر

- ‌ثانيا: وجد الروح

- ‌ثالثا: وجد العبودية

- ‌رابعا: الإلهام

- ‌الدرجة الأولى: نبأ يقع وحيا قاطعا بسماع

- ‌الدرجة الثانية إلهاما يقع عيانا

- ‌الدرجة الثالثة إلهام يجلو عين التحقيق صرفا:

- ‌خامسا: الفراسة:

- ‌أنواع الفراسة:

- ‌النوع الأول: (الفراسة الإيمانية

- ‌النوع الثاني: الفراسة الرياضية:

- ‌النوع الثالث: الفراسة الخلقية

- ‌سادسا: الرؤى والأحلام:

- ‌تعريفه

- ‌أنواع الرؤيا:

- ‌الأول: رؤيا صادقة وهي رؤيا الأنبياء ومن تبعهم من الصالحين

- ‌الثاني: الأضغاث:

- ‌موقف الصوفية من الرؤيا:

- ‌حكم الرؤيا الصالحة شرعا:

- ‌الصوفية والطرق:

- ‌ أشهر الطرق الصوفية انتشارا في العالم الإسلامي:

- ‌أولا: القادرية

- ‌ثانيا: الرفاعية

- ‌ثالثا: الشاذلية

- ‌رابعا: الأحمدية

- ‌خامسا: النقشبندية:

- ‌سادسا: التيجانية

- ‌سابعا: السنوسية

- ‌ثامنا: البريلوية

- ‌المجمل لاعتقاد الصوفية الطرقية:

- ‌أولا: التوحيد عندهم:

- ‌ثانيا: (إن مشاهدة العارف الحكم لا تبقي له استحسان حسنة ولا استقباح سيئة)

- ‌ثالثا: إنكار الحكم والغايات المحمودة في الخلق والأمر

- ‌رابعا: عدم تعظيم الأمر والنهي لتساويهما بالنسبة للمشيئة

- ‌خامسا: جعلوا الخارق للعادة علامة الصلاح ولم يشترطوا الصلاح بالعلم والإيمان الصادق والتقوى

- ‌سادسا: غلوهم فيمن يدعون ولايته من ذلك قول بعضهم:

- ‌سابعا: أن محمدا هو الله وذلك من الكفر الواضح الصريح، وفيه دعوى الحلول والاتحاد وهو مخالف لصريح العقل

- ‌ثامنا: اشتمال كثير من أدعيتهم وأقوالهم على ما مؤداه تعطيل الأمر والنهي

- ‌تاسعا: القول بالفناء في الذات الإلهية:

- ‌عاشرا: القول بسقوط التكاليف

- ‌الحادي عشر: التفرقة بين الحقيقة والشريعة

- ‌الثاني عشر: الاحتجاج بالقدر على فعل المحظورات

- ‌الثالث عشر: أن أولياء الله وأعداء الله في الولاء سواء

- ‌الرابع عشر: أن خاتم الأولياء أعظم وأعلم بالله من خاتم الأنبياء

- ‌الخامس عشر: أنه يمكن أن يأتي في المتأخرين أفضل من أبي بكر وعمر

- ‌السادس عشر أن الملائكة عبارة عن الصور الخيالية التي تحصل في نفس النبي نتيجة لما أفاضه العقل الفعال على نفسه

- ‌السابع عشر: أن النبوة أفضل من الرسالة وأن الولي أفضل من الرسول

- ‌الصوفية والبدع

- ‌صلة التصوف بالأفكار الهدامة:

- ‌خاتمة البحث

- ‌أحكام الاختلاف في رؤية هلال ذي الحجة

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌ترجمة المؤلف:

- ‌النص المحقق

- ‌الشهادة في سبيل الله (في الكتاب والسنة)

- ‌المقدمة:

- ‌دلالة الشهادة

- ‌معنى الشهادة لغة:

- ‌المعنى الاصطلاحي:

- ‌أنواع الشهداء

- ‌طلب الشهادة:

- ‌ثمرات الشهادة:

- ‌أولا: الحياة بعد الاستشهاد مباشرة:

- ‌ثانيا: الفرح بما آتاهم الله من فضله، والاستبشار بما من الله عليهم من نعمة وفضل:

- ‌ثالثا: مغفرة الذنوب، وتكفير السيئات والنجاة من النار:

- ‌رابعا: دخول الجنة وحصول الأجر والنعمة والفضل العظيم:

- ‌خامسا: تمنى الرجوع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى بل عشر مرات:

- ‌سادسا: من يكلم في سبيل الله يأتي يوم القيامة اللون لون الدم والرج ريح المسك:

- ‌سابعا: الشهيد في الفردوس الأعلى:

- ‌ثامنا: الملائكة تظل الشهيد بأجنحتها

- ‌تاسعا: حياة أجساد الشهداء:

- ‌عاشرا: الشهداء لا يفتنون في القبور:

- ‌حادي عشر: الشهيد لا يشعر بألم القتل ومرتاح من سكرات الموت:

- ‌ثاني عشر: أرواح الشهداء في جوف طير خضر:

- ‌ثالث عشر: دم الشهيد أحب شيء إلى الله:

- ‌رابع عشر: الشهيد له دار ما أحسن منها:

- ‌خامس عشر: الشهداء أول من يدخل الجنة:

- ‌سادس عشر: الشهيد يشفع في أهل بيته:

- ‌سابع عشر: الشهداء لا يصعقون في نفخة الصور:

- ‌ثامن عشر: لا يجف دم الشهيد حتى يرى الحور العين:

- ‌تاسع عشر: أفضل الشهداء من أهريق دمه وعقر جواده:

- ‌عشرون: الشهيد في سبيل الله أفضل ممن انتصر ورجع سالما:

- ‌واحد وعشرون: الملائكة يدخلون على الشهداء من كل باب يسلمون عليهم:

- ‌اثنان وعشرون: الشهيد في سبيل الله رضي الله عنه رضا لا سخط بعده:

- ‌ثلاثة وعشرون: لا يشترط للشهيد أعمال صالحة قبل الشهادة:

- ‌أربع وعشرون: الشهداء يضحك الله تعالى إليهم:

- ‌ ملخص

- ‌أصول التصحيح والتضعيف

- ‌المقدمة:

- ‌أصول التصحيح والتضعيف

- ‌الفرق بين الحسن والضعيف:

- ‌التضعيف بالنسبة للمتأخرين:

- ‌صحة السند أو ضعفه لا تستلزم صحة الحديث أو ضعفه:

- ‌التصحيح والتضعيف أمر اجتهادي:

- ‌تصحيح المعنى:

- ‌بعض القرائن التي تراعى في المصححين والمضعفين:

- ‌مراعاة السند والمتن في التصحيح والتضعيف:

- ‌الراوي المختلف فيه:

- ‌الراوي المجهول:

- ‌تصحيح الحديث إذا جمع سنده شروط الصحة:

- ‌التصحيح والتضعيف العقلي:

- ‌التصحيح والتضعيف بالكشف:

- ‌الحديث الضعيف المتلقي بالقبول:

- ‌تصحيح الحديث لموافقته الأصول وتضعيفه لمخالفته لها:

- ‌عرض الحديث على القرآن:

- ‌تضعيف الحديث لمخالفته للأمور الطبيعية والعلمية:

- ‌تضعيف الحديث لمخالفته للواقع الاجتماعي، والظروف الاجتماعية والنفسية:

- ‌تضعيف الحديث لكونه لم يروه أصحاب الكتب المعتمدة:

- ‌تصحيح الحديث المضطرب إذا لم يكن له مخالف:

- ‌ما سكت عنه أبو داود:

- ‌تصحيح الحديث أو تضعيفه للحب والبغض:

- ‌تضعيف الحديث لمخالفته للقياس الجلي:

- ‌تضعيف الحديث إذا وقع واحدا فيما تعم به البلوى:

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌ثالثا: الحلولية والاتحادية:

والده فقد طفت الأرض واجتمعت بكذا وكذا ولي لله فلم أجد أحدا منهم على هذا الاعتقاد) (1) أي الأشعرية وهو إخبار بأن أكثر مشايخ الصوفية على عقيدة السلف.

(1) الاستقامة (1/ 82 - 84 - 85 - 88).

ص: 161

‌ثالثا: الحلولية والاتحادية:

وهما نسبة للحلول والاتحاد فالحلول أن تكون أحد الذاتين ظرفا ووعاء للأخرى فإن حقيقة مذهبهم (أن وجود الكائنات هو عين وجود الله تعالى وليس وجودها غيره ولا شيء سواه البتة) وهم لا يرتضون اسم الحلول لأنه يتضمن ذاتين كل منهما غير الأخرى وهذا تشبيه عندهم وإثبات موجودين (أحدهما) وجود الحق الحال و (الثاني) وجود المخلوق المحل وهم لا يقرون إثبات وجودين البتة) (1).

وهذا هو عين قول الجهمية الذين يقولون أن الله بذاته في كل مكان (2) وسموا اتحادية لأمرين:

أحدهما: وهو غير مرضي لهم لأن قولهم بالاتحاد على وزن الاقتران والاقتران يقتضي شيئين اتحد أحدهما بالآخر وهم لا يقرون بوجودين أبدا) (3). الثاني: يصححونه وهو أن الكثرة صارت وحدة.

وبذا يظهر أن مبنى قولهم (هو أن وجود المخلوقات والمصنوعات حتى وجود الجن والشياطين والفاسقين والكلاب والخنازير والنجاسات والكفر والفسوق والعصيان عين وجود الرب لا أنه متميز عنه منفصل عن ذاته وإن كان مخلوقا له مربوبا مصنوعا له قائما به وهم يشهدون أن في كل الكائنات

(1) مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية (4/ 94).

(2)

مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية (4/ 94).

(3)

مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية (4/ 94).

ص: 161

تفرقا وكثرة ظاهرة بالحس والعقل فاحتاجوا إلى جمع يزيل الكثرة ووحدة ترفع التفرق مع ثبوتها) (1) وهم في التعبير عن هذا ثلاثة أنواع:

النوع الأول: مقالة ابن عربي ومن نحا نحوه وتقوم على دعامتين:

الأولى: (أن المعدوم شيء ثابت في العدم)(2)(فهي متميزة بذواتها الثابتة في العدم متحدة بوجود الحق العالم بها)(3).

الثانية: (أن وجود الأعيان نفس وجود الحق وعينه)(4).

(وهذا يفرق بين المظاهر والظاهر والمجلي والمتجلى لأن المظاهر عنده هي الأعيان الثابتة في العدم وأما الظاهر فهو وجود الخلق)(5).

ويرى ابن تيمية أن ابن عربي في ذلك متأثر بالمعتزلة والرافضة فإن أول من قال بأن المعدوم شيء ثابت في العدم هو أبو عثمان الشحام شيخ أبي علي الجبائي وإن كان يقول بأن الله خلق وجود الأعيان وأنها ليست عين وجوده (6) ومبنى قول ابن عربي أن الماهية عين الوجود وأن الماهية الموجودة في الذهن هي عين الموجود المشاهد وبناء على ذلك فإن الماهية التي بها الاشتراك في الذهن هي عين الموجود المشخص في الخارج فالوجود هو بصفة عامة للقديم والمحدث واسم جنس لهما هي عين الموجود المشاهد إذ لا فرق بين ما في الذهن وما في الوجود المشاهد.

ويرى الدكتور عبد العظيم شرف الدين أن مذهب ابن عربي مستمد من مذهب الأشاعرة حيث يقولون إن العالم مكون من الجواهر والأعراض وأن العرض لا يبقى مستمرا في الجوهر زمانين، ومذهبهم هذا ليس هو وحده الوجود لأنهم يفرقون بين العالم ورب العالمين فوجود الأول مخلوق ووجود

(1) مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية (4/ 94).

(2)

مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية (4/ 94).

(3)

انظر مجموعة المسائل والرسائل (4/ 6، 17).

(4)

انظر مجموعة المسائل والرسائل (4/ 6، 17).

(5)

انظر مجموعة المسائل والرسائل (4/ 6، 17).

(6)

انظر مجموعة المسائل والرسائل (4/ 6، 17).

ص: 162

الثاني وجود خالق فأحل ابن عربي الذات في اصطلاحه محل الجواهر وجعل الأعراض صورا لوجود تلك الذات (1) ورأيي أن قول ابن تيمية أوضح لاتفاق قول ابن الشحام مع ابن عربي في أصل الفكرة وهي: (أن المعدوم شيء ثابت في العدم) وتقول المعتزلة بأن الوجود الذهني هو عين الوجود الخارجي وأن الصفات المشتركة في الذهن هي عين الصفة المشخصة في الخارج وما أصله ابن عربي باطل من وجوه:

أولا: أن المعدوم ليس بشيء في خارج الذهن فإن المستحيل يسمى شيئا في الذهن لكنه ليس بشيء في خارج ويدل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع القديم.

أما الكتاب:

1 -

قوله تعالى: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا} (2) فأخبر أنه قبل وجوده لم يكن شيئا ومثله قوله تعالى: {أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} (3) وقال سبحانه: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} (4) فأنكر عليهم أن يكون خلقوا من غير شيء وهم العدم ولو كان العدم شيئا في خارج الذهن لما أنكر عليهم ولو صح أن يخلقوا من شيء معدوم لكان الخالق لهم شيئا معدوما.

2 -

قال تعالى: {فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا} (5) ولو كان المعدوم شيئا في الخارج لكان التقدير لا يظلمون موجودا ولا معدوما، والمعدوم لا يتصور أن يظلموه فإنه ليس لهم.

(1) انظر ابن القيم للدكتور عبد العظيم شرف الدين ص (406، 407).

(2)

سورة مريم الآية 9

(3)

سورة مريم الآية 67

(4)

سورة الطور الآية 35

(5)

سورة مريم الآية 60

ص: 163

وأما قوله سبحانه: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} (1) فهو إخبار عنها حال وقوعها بدليل قوله: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} (2) لا شك أن ذلك لا يكون إلا يوم القيامة ولو قدر وجودها في حال العدم لكان المعنى شيء مقدر في علم الله وقوعه.

وأما قوله جل شأنه: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (3) فإنما سمي شيئا حال إرادته موجودا ولم يرد أن المعدوم شيء حال عدمه والله قد أخبر أن المعدوم نفسه يراد ويكون وأما القول بأن ماهية الشيء في الذهن هي عين وجوده فليس بصحيح لأن الموجود الذهني مشترك بين أفراده وأما الوجود العيني في الخارج فهو معين مشخص وإذا ظهر الفرق بينهما بطل القول بكون كل واحد منهما هو الآخر فإن ثبوت الأشياء في العلم والكتاب والكلام ليس هو عين الثبوت في خارج الذهن وإن كان هو شيئا في الذهن فإذا علمت حقيقة شيء في ذهنك فإنه لا يلزم أن يكون موجودا وجوده خارج الذهن مطابق له فإن الذهن يتصور الممتنعات التي لا وجود لها في خارجه فليست بشيء باتفاق العقلاء (4).

وفي حديث الترمذي عن أبي حارثة عن أبيه «أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به هل ترد من قضاء الله شيئا قال هي من قدر الله (5)» .

وإنما يثبت في القدر المعدوم الذي سيكون وأما المعدوم الممكن الذي

(1) سورة الحج الآية 1

(2)

سورة الحج الآية 2

(3)

سورة النحل الآية 40

(4)

انظر مجموعة المسائل والرسائل (4/ 14 / 15).

(5)

سنن الترمذي القدر (2148)، سنن ابن ماجه الطب (3437).

ص: 164

لن يكون فهو شيء ثابت في العدم عند من يقول به لكنه ليس بمقدر الكون والله يعلمه على ما هو عليه فيعلم أنه ممكن وأنه لا يكون والله يعلم أيضا الممتنعات وأنها لا تكون مثل فرض الشريك للباري جل جلاله مع أن كل ذلك ثابت في العلم فيثبت بذلك أن المعدوم وأن سمي شيئا في الذهن فإنه لا يكون في الخارج كذلك إلا إذا وجد (1).

وفي الصحيحين عن عمران بن حصين قال: «قيل يا رسول الله أعلم أهل الجنة والنار؟ قال: " نعم قال: ففيم يعمل العاملون؟ فقال كل ميسر لما خلق له (2)» وفي رواية «أن رجلين من مزينة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه أشيء قضي عليهم ومضى فيهم من قدر سبق أو فيما يستقبلون به ما أتاهم به نبيهم وتثبت الحجة عليهم. فقال لا بل شيء قضي عليهم ومضى فيهم وتصديق ذلك في كتاب الله (5)» .

وبذا يظهر فساد مقالة ابن عربي.

المقالة الثانية: من مقالات الحلولية قول الفخر الرومي وأصحابه: (أن الله هو الوجود المطلق الذي لا يتعين ولا يتميز وأنه إن تعين وتميز فهو الحق سواء تعين في مرتبة الإلهية أو غيرها)(6).

وهي أفظع وأدخل في الكفر من مقالة ابن عربي وإنما انتحلها هربا مما في التفريق بين وجود الأشياء وماهيتها من الباطل الذي لا يستقيم أمام الأدلة الشرعية والعقلية الصحيحة وبيان ذلك أنه على القول الأول يمكن ألا يجعل

(1) انظر مجموعة المسائل والرسائل (4/ 13).

(2)

صحيح البخاري التوحيد (7551)، صحيح مسلم القدر (2649)، سنن أبو داود السنة (4709)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 431).

(3)

صحيح مسلم القدر (2650)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 438).

(4)

سورة الشمس الآية 7 (3){وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا}

(5)

سورة الشمس الآية 8 (4){فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}

(6)

انظر مجموعة المسائل والرسائل (4/ 18 وما بعدها).

ص: 165

لله وجودا خارجا عن المخلوقات وأنه قاض عليها فيكون فيه اعتراف بوجود رب قائم بنفسه غني عن خلقه وإن كان فيه كفر من جهة جعله للخالق عين المخلوق.

وأما على ما ذهب إليه الفخر الرومي فوجود الخالق هو الوجود المطلق الساري في الموجودات المعنية، ومما علم بضرورة العقل أن الوجود المطلق لا يكون في خارج الذهن أبدا باتفاق العقلاء فآل مذهبه إلى إنكار وجود الذات الإلهية لأن المطلق ليس له وجود مطلق في الخارج بل ليس له إلا وجود معين (1) قال ابن تيمية:(وأما في الخارج عن ذلك -أي العلم واللسان- فما ثم شيء موجود في الخارج شيئين)(2) بل الموجودات معينة بصفاتها الخاصة بها فما ثم إلا هو مخصوص معين بما يميزه عما سواه.

كما أن ابن عربي يقول بوجود زائد على الماهية وأما الفخر الرومي فليس في الوجود زيادة على الماهية.

المقالة الثالثة للحلولية مقالة التلمساني: (أنه لا فرق بين ماهية ووجود ولا بين مطلق ومعين بل عنده ما ثم سواه ولا غيره بوجه من الوجوه وإنما الكائنات أجزاء منه وأبعاض له بمنزلة أمواج البحر في البحر وآخر البيت من البيت ومن شعرهم:

البحر لاشك عندي في توحده

وإن تعدد بالأمواج والزبد

فلا يغرنك ما شاهدت من صور

فالواحد الرب ساري العين في العدد (3)

وهذا القول أشدا كفرا وزندقة من القولين السابقين فإن صاحب هذا القول لا يفرق بين المظاهر والظاهر ولا الكثرة والتفرقة إلا في الذهن لأنه محجوب عن الحقيقة فلما انكشفت له تبين له أنه لم يكن غير الله والرائي عين

(1) انظر مجموعة المسائل والرسائل (4/ 23، 26).

(2)

انظر مجموعة المسائل والرسائل (4/ 23، 26).

(3)

انظر مجموعة المسائل والرسائل (4/ 23، 26).

ص: 166

المرئي والشاهد عين المشهود فليس في الوجود شيء غير الله وجميع الاعتبارات لا وجود لها لأنها خيال ولا وجود له أصلا إلا في ذهن من تصوره وأما الحقيقة فالموجودات هي الله ليس شيء غيره أبدا (1).

هذا ويذكر ابن تيمية أن قول هؤلاء الحلولية من الصوفية مركب من ثلاث عقائد هي:

أولا: سلب الجهمية وتعطيلهم.

ثانيا: مجملات الصوفية وهو ما يوجد في كلامهم من الألفاظ المجملة المتشابهة وكلمات المغلوبين على عقولهم الذي يتكلمون به حال سكرهم وإغمائهم.

ثالثا: الزندقة التي هي أصل التجهم وهي غالبة على ابن سبعين والقونوي والتي قبلها غالبة على ابن عربي وزمرته (2).

ويمكن رد مذهب الحلولية بأن يقال:

أولا: هذه الأعيان الموجودة عندكم هل أوجدها الله بعد هذا العدم أو بقيت فيه فإن قال ما فيه فيه فقد كابر الحس والعقل والشرع ومثل ذلك لا يقوله عاقل يدري ما يقول.

وإن قال بل أوجدها بعد عدمها لم تكن هي عينه لأن الله لم يكن معدوما حال عدمها فيوجد لأنه ينافي قدمه تعالى فبطل بذلك الاتحاد (وجب أن يكون العالم غير الله بل هو خلقه)(3).

ثانيا: أن الوجود والماهية شيء واحد في خارج الذهن فلا يتصور

(1) انظر مجموعة المسائل والرسائل (4/ 27).

(2)

انظر مجموعة المسائل والرسائل (4/ 27).

(3)

انظر مدارج السالكين (1/ 147، 148).

ص: 167

الفرق بينهما وأما في الذهن فذلك يمكن لأن الذهن يفرض الممتنعات والمستحيلات.

ثالثا: أن القول بأنه الموجود المطلق بشرط الإطلاق يلزمه أن لا يكون له سبحانه ذات موجودة خارج الذهن لأن المطلق بشرط إطلاقه لا يوجد إلا في الذهن وما لزم منه الباطل فهو باطل.

رابعا: إن لازم ذلك سقوط التكاليف عن العبد وأنه ليس بمأمور ولا منهي وأنه ما ثم طاعة ولا معصية ولا معروف ولا منكر إذ ما يكون في حق الرب عينه يكون في حق العبد كما يقولون وذلك إبطال للشريعة من أصلها وهو باطل فما لزم منه فهو باطل.

خامسا: أن لازم ذلك أنه لا ثم موجود قديم ولا محدث وإنما هو موجود قديم ومحدث في آن واحد هو جمع بين النقيضين وهو مستحيل لذاته فما بني عليه فهو مستحيل لذاته.

هذا وأصل عقيدة الحلول والاتحاد أو وحدة الوجود هو الفناء في توحيد الربوبية وذلك بفناء السالك بشهوده عن مشهوده، وبذكره عن مذكوره الأمر الذي أدى بهم إلى القول بأن تصور الإنسان لوجوده في مقابل وجود الله هو إثبات لإثنينية في الوجود وهذا على حد قولهم شرك بالله حتى قال قائلهم:

ما وحد الواحد من واحد

إذ كل من وحده جاحد

لذا فإنهم عند الذكر إما يقولون يا هو أو يا أنا لأنه ما ثم إلا وجود واحد وهو وجود الحق جل جلاله.

وهذا أوصلهم في آخر المطاف للقول بمذهب ابن عربي والتلمساني والقونوي وغيرهم من القائلين بوحدة الوجود الذي كان نتيجة لعدم الفرق

ص: 168