الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المتأخرين من انحراف فكري جعل التصوف يجمع عددا من العقائد والأفكار الهدامة التي تعتبر معول هدم لأصول الإسلام وقواعده مما يوجب علينا أن نتابع الصوفية في جميع منعطفاتها محذرين منها ومظهرين ما في عقائدها من مخالفة صريحة لأصول العقائد الإسلامية، الأمر الذي يتطلب جهدا كبيرا من البحث والمتابعة يقول ابن تيمية رحمه الله:(واعلم أن هذه المقالات لا أعرفها لأحد من الأمة قبل هؤلاء على هذا الوجه، ولكن رأيت في بعض كتب الفلسفة المنقولة عن أرسطو أنه حكى عن بعض الفلاسفة قوله: إن الوجود واحد ورد ذلك وحسبك بمذهب لا يرضاه متكلمة الصابئة)(1)
(1) مجموع الرسائل والمسائل (4/ 24).
الصوفية والبدع
البدع هي شرع ما لم يشرعه الله قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (1) وأصل الدين الحلال ما أحله الله ورسوله والحرام ما حرمه الله ورسوله، والدين ما شرعه الله ورسوله، وليس لأحد أن يخرج عن الصراط المستقيم الذي بعث الله به رسوله قال تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (2).
هذا والمشروع التقرب إلى الله بما شرعه من الصلاة والصدقة والقراءة فهذه أصول العبادات المشروعة فمن تقرب إلى الله بما يخرج عن هذه الأصول فهو مبتدع شارع ما لم يأذن به الله (3) والواجب أن يكون المتقرب
(1) سورة الشورى الآية 21
(2)
سورة الأنعام الآية 153
(3)
انظر الاعتصام للشاطبي (1/ 286).
به جامعا للموافقة للشرع في أصله بأن يرجع إلى أصول العبادة المتقدمة، وفي وصفه بأن يثبت بالنقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم فعله أو أمره أو إقراره لهيئة العبادة وشكلها كيفا وعددا وهيئة وإلا كانت من البدع المنهي عنها شرعا. قال الرسول صلى الله عليه وسلم:«كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار (1)» فليس لأحد أن يشرع ما استحسنه هواه أو وافق طبعه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به (2)» وبناء على ذلك فإن الصوفية قد ظهرت عليهم أفعال وأقوال واعتقادات لم يأذن الله بها ولا رسوله ولا كان سلف الأمة عليها مما جعل التصوف بريدا للبدعة وإليك جملا مما ابتدعوه: (3).
أولا: صلاة ركعتين بعد لبس المرقعة والتوبة.
ثانيا: تركهم للجمع والجماعات والمساجد وسكناهم للأربطة.
ثالثا: الهيمان في البراري والقفار مما يعرضهم للهلكة وترك الصلوات مع المسلمين.
رابعا: تركهم للمطاعم والمشارب الطيبة بدعوى الزهادة.
خامسا: الاعتماد على الصدقات وترك العمل والسعي في سبيل الرزق الحلال بدعوى الثقة بالله والتوكل عليه وإنما هو التواكل.
سادسا: لبسهم المرقعات من الملابس مع إمكانهم لبس الطيب منها ظنا منهم أن ذلك هو الزهد المشروع.
سابعا: تعبدهم بلبس الصوف والتزامه دون غيره من اللباس.
ثامنا: إظهار الملامية منهم ما يلامون عليه عند الناس طلبا للإخلاص.
(1) صحيح مسلم الجمعة (867)، سنن النسائي صلاة العيدين (1578)، سنن ابن ماجه المقدمة (45)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 311)، سنن الدارمي المقدمة (206).
(2)
أخرجه الخطيب في تاريخه (4/ 491)، والبغوي في شرح السنة (ح/104)، والحسن بن سفيان كما في فتح الباري، وقال ابن حجر: رجاله ثقات، وقد صححه النووي في آخر الأربعين. انظر: فتح الباري (13/ 289).
(3)
انظر تلبيس إبليس (174 - 330).
تاسعا: تعبدهم باستماع الغناء والرقص والخلوة بالمردان من الصبية وتقبيلهم.
عاشرا: إباحتهم النظر إلى الأمرد والخلوة به، بل والنوم معه على فراش واحد بدعوى أنه من التفكر في خلق الله.
الحادي عشر: تركهم للنكاح بدعوى أنه يشغل عن العبادة وابتلوا بصحبة المردان.
الثاني عشر: ترك التداوي بدعوى أنه ينافي التوكل على الله.
الثالث عشر: الدعاوى العريضة في محبة الله الذي يدخل في مسمى تزكية النفس فضلا عن الرياء والسمعة وطلب الشهرة.
الرابع عشر: تركهم للعلم والتعلم بدعوى أن العبرة بالباطن والعلم علاقته بالظاهر، وقد تقدم ما يدل على ما فيه من الخطأ والخلط.
الخامس عشر: الغلو في الصالحين إلى درجة الاستغاثة بهم والاستجارة بهم والذبح لهم وهو من الشرك الأكبر.
السادس عشر: إقامة الأعياد والموالد لشيوخهم وأكابر من يدعون ولايته.
السابع عشر: دعواهم أن الذكر المفرد أفضل من الذكر المركب وأنه ذكر الخواص.
ويحتج بعضهم بقوله سبحانه: {قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ} (1) ظنا منه أنه أمر نبيه بالذكر المفرد وهو مردود؛ لأن معنى الآية قل الله هو الذي أنزل الكتاب الذي جاء به موسى ويدل عليه أول الآية وهي قوله سبحانه: {قُلْ مَنْ
(1) سورة الأنعام الآية 91
أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ} (1) أي الذي أنزل الكتاب الذي جاء به موسى.
ولو كان الذكر المفرد أفضل لكان الرسول صلى الله عليه وسلم أولى الناس به، وهو الذي عبد ربه حتى تفطرت قدماه، ولأمر أمته به وكما قال لهم «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة (2)» وكما قال:«من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر (3)» فهو صلى الله عليه وسلم لم يأمر بالذكر المفرد ولا في حديث واحد.
وأما قوله: «لا تقوم الساعة حتى لا يوجد من يقول الله الله (4)» المراد به يقول لا إله إلا الله أو حتى لا يبقى لله ذكر بينهم؛ لانتشار الشرك في شرار الخلق الذين تقوم عليهم الساعة، ثم الذكر المفرد لا يدل على إيمان أو كفر فما معنى أن يقول: الله أو حي، ونحو ذلك ما الذي أثبته لله أو نفاه عنه حتى يكون ذكرا فضلا عن أن يكون من ذكر الخواص وقد غلا بعضهم فقال: إن ذكر خواص الخواص هو لفظ هو، أنا، وألف كتابا سماه كتاب (الهو) وهو شرع ما لم يأذن به الله وهو قول ابن عربي وأهل الاتحاد (5).
قال ابن تيمية: (والمقصود هنا أن المشروع في ذكر الله سبحانه هو ذكره بجملة تامة وهو المسمى بالكلام والواحد منه بالكلمة هو الذي ينفع القلوب ويحصل به الثواب والأجر ويجذب القلوب إلى الله ومعرفته ومحبته وخشيته وغير ذلك من المطالب العالية والمقاصد السامية، وأما الاقتصار على الاسم المفرد مظهرا أو مضمرا فلا أصل له فضلا عن أن يكون من ذكر
(1) سورة الأنعام الآية 91
(2)
سنن أبو داود الجنائز (3116)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 233).
(3)
صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2691)، سنن الترمذي الدعوات (3466)، سنن ابن ماجه الأدب (3812)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 375).
(4)
صحيح مسلم الإيمان (148)، سنن الترمذي الفتن (2207)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 162).
(5)
انظر العبودية لابن تيمية ص (157)، مجموع الفتاوى (10/ 396).