الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقتصد المحافظ على الواجبات وترك المحظورات وإن قصر في المحافظة على المسنونات وترك المكروهات.
ومنهم العاصي المجترئ على بعض المعاصي فهو ظالم لنفسه.
وهذا لا ينفي حصول الخطأ من السابق والمقتصد إذ كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون فمنهم من يخطئ ويتوب ومنهم من ليس كذلك.
ثانيا: من أقسام الصوفية صوفية الأرزاق وهم الذين تركوا البحث عن الرزق والعمل لكسب المعاش واكتفوا بما يجود به الناس عليهم من الصدقات والأوقاف الخيرية وهؤلاء لا يشترط فيهم أن يكونوا من أصحاب الحقائق لعزة ذلك وقلته لأن أرباب الحقائق لا يتكففون الناس ولا يعيشون على صدقاتهم ويشترط فيمن كان من صوفية الأرزاق ثلاثة شروط:
الشرط الأول: العدالة الشرعية وذلك بفعل الفرائض واجتناب المحرمات والمحافظة على خلق المروءة فلا يفعل ما يستنكر عادة.
الشرط الثاني: التأدب بآداب الطريق الشرعية فيبتعد عن البدع في الدين.
الشرط الثالث: البعد عن فضول الدنيا من جمع الأموال وتكديسها في طلب التكاثر من متاعها.
فإن خالف شرطا لم يستحق شيئا من الوقف.
القسم الثالث: صوفية الرسم
وهم من اقتصر على نسبته إلى الصوفية وتزيا بزيهم من لبس الصوف والمرقعات لكنه لم يلتزم شيئا من طريقتهم ولم يتقيد بشيوخهم في الأعمال الظاهرة والباطنة فهو يتمتم بأقوالهم ولا يلتزم أعمالهم فمن شاهد حالهم ظنهم من الصوفية وهم في الحقيقة ليسوا منهم
فليس عندهم من التصوف إلا النسبة إليه ولبسته الظاهرة وإلا فإن حقيقتهم أنهم ليسوا منهم.
والظاهر مما تقدم من بيان أنواع الصوفية وأحكامهم عند ابن تيمية إنما جرى عليه رحمه الله بعد اشتهار هذا الاسم عليهم بحيث صار حقيقة عرفية فكان لا بد من التفصيل في أحكامهم وبيان ما صح منها مما لا يصح لأن اسم التصوف لم يرد الشرع بمدحه ولا ذمه ولا التسمية به وعلى هذا فهو لفظ تسمى به بمدح أو ذم بل لا بد من تمييز ما دخله من حق أو باطل هذا ويرى الفخر الرازي للصوفية تقسيما آخر فقد قسمهم على ستة أقسام وهي (1):
(1) انظر الصوفية معتقدا ومسلكا ص (39).
1 -
أصحاب العادات وهم مساوون لأهل الرسم عند ابن تيمية.
2 -
أصحاب العبادات وهم الزهاد في الدنيا والمنقطعون للعبادة فهم معتنون بالظواهر دون البواطن.
3 -
أصحاب الحقيقة وهم الذين جمعوا بين الاهتمام بالعبادات والباطن وهو تخلية النفس عن أدرانها الباطنة وتحريرها عن كل ما يشغلها عن ذكر الله والتفكر في الكون.
4 -
النورية وهم القائلون بأن ما يحجب عن الله حجابان:
الأول: منها نوري وهو الاشتغال بإصلاح النفس واكتسابها للأخلاق الفاضلة.
والثاني: ناري وهو الاشتغال بما يذم من صوارف النفس كالشهوة والغضب والحرص والأمل.
5 -
الحلولية: وهم مدعو الحلول والاتحاد بينهم وبين الباري جل وعلا تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
6 -
المباحية: وهم مدعو رفع التكاليف عنهم لبلوغهم المرتبة العظمى في المحبة.
ويرجع هذه التقسيم إلى أمرين:
أحدهما: عملي كأصحاب العبادات والحقيقية والنورية.
الثاني: عقدي وهم الحلولية والمباحية.
قال ابن القيم: (وقد قسم الصوفية بعضهم أربعة أقسام أصحاب السوابق وأصحاب العواقب وأصحاب الوقت وأصحاب الحق.
فأما أصحاب السوابق: فقلوبهم أبدا فيما سبق لهم من الله لعلمهم أن الحكم الأزلي لا يتغير باكتساب العبد. . فهم يجدون في القيام بالأوامر واجتناب النواهي والتقرب إلى الله بأنواع القرب غير واثقين بها ولا ملتفتين إليها. . .
وأما أصحاب العواقب: فهم متفكرون فيما يختم به أمرهم فإن الأمور بأواخرها والأعمال بخواتيمها والعاقبة مستورة. . .
وأما أصحاب الوقت: فلم يشتغلوا بالسوابق ولا بالعواقب بل اشتغلوا بمراعاة الوقت وما يلزمهم من أحكامه. .
وأما أصحاب الحق: (فهم مع صاحب الوقت والزمان ومالكهما ومدبرهما مأخوذون بشهوده عن مشاهدة الأوقات لا يتفرغون لمراعاة وقت ولا زمان)(1) وهذا التقسم باعتبار أحوال السالكين في العبادة.
(1) انظر مدارج السالكين (30/ 130، 131).
وأما من جهة الاعتقاد: فيرى ابن تيمية أن الصوفية على ثلاثة أقسام هي:
أولا: السلفية: وهم كبار شيوخ الصوفية كالجنيد بن محمد والفضيل بن عياض ونحوهما.
قال ابن تيمية: (والثابت الصحيح عن أكابر المشايخ يوافق ما كان عليه السلف)(1).
وقال في موضع آخر: (قلت هذا كلام صحيح فإن كلام أئمة المشايخ الذين لهم في الأمة قدم صدق كانوا على ما عليه السلف وأهل السنة من توحيد ليس فيه تمثيل ولا تعطيل)(2).
تعليقا على قول القشيري: (اعلموا أن شيوخ هذه الطائفة بنوا قواعد أمرهم على أصول صحيحة في التوحيد وصانوا بها عقائدهم من البدع ودانوا بما وجدوا عليه السلف وأهل السنة في التوحيد ليس فيه تمثيل ولا تعطيل)(3).
وقد نقل عنهم بالأسانيد المتصلة ما يدل على حقيقة ما قرره من ذلك.
قال سهل بن عبد الله التستري رحمه الله: (العمل بلا اقتداء عيش النفس والعلم بالاقتداء عذاب على النفس)(4) وقال: (كل وجد لا يشهد له الكتاب والسنة فهو باطل)(5).
وقال الجنيد بن محمد: (من لم يقرأ القرآن ويكتب الحديث لا يقتدى به في هذا الشأن لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة)(6) وقال أحمد بن أبي الحواري: (من عمل عملا بلا اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فباطل عمله)(7).
(1) الاستقامة لابن تيمية (1/ 82).
(2)
الاستقامة لابن تيمية (1/ 90، 91)
(3)
الاستقامة لابن تيمية (2/ 141).
(4)
الاستقامة لابن تيمية (2/ 141).
(5)
الاستقامة لابن تيمية (1/ 90، 97).
(6)
الاستقامة لابن تيمية (2/ 141).
(7)
الاستقامة لابن تيمية (2/ 141).
قال أبو سليمان الداراني: (ربما يقع في قلبي النكتة من نكت القوم أياما فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين الكتاب والسنة)(1).
وقال أبو حفص النيسابوري: (من لم يزن أفعاله وأقواله كل وقت بالكتاب والسنة ولم يتهم خواطره فلا يعتد في ديوان الرجال)(2).
وقال أبو عثمان: (من أمر السنة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة، ومن أمر الهوى على نفسه قولا وفعلا نطق بالبدعة (3) قال الله تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} (4).
وقال أبو بكر صاحب الفضيل: سمعت الفضيل بن عياض يقول: ليس لنا أن نتوهم في الله كيف لأن الله تعالى وصف نفسه فأبلغ فقال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (5) فلا صفة أبلغ مما وصف نفسه وكل هذا النزول والضحك وهذه المباهاة وهذا الاطلاع: كما يشاء أن ينزل وكما يشاء أن يباهي وكما يشاء أن يضحك وكما يشاء أن يطلع فليس لنا أن نتوهم كيف وكيف فإذا قال الجهمي: أنا أكفر برب يزول من مكانه فقل بل أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء).
وقال عمرو بن عثمان المكي: (من أعظم ما يوسوس به الشيطان في التوحيد بالتشكيك أو في صفات الرب بالتمثيل أو التشبيه أو بالجحد لها والتعطيل) ثم قال: (واعلم رحمك الله أن كل ما توهمه قلبك أو سنح في مجاري فكرك أو خطر في معارضات قلبك من حسن أو بهاء أو ضياء أو إشراق أو جمال أو شبح ماثل أو شخص متمثل فالله بغير ذلك بل هو الله
(1) الاستقامة لابن تيمية (1/ 90، 97).
(2)
الاستقامة (1/ 95 - 97).
(3)
الاستقامة (1/ 95 - 97).
(4)
سورة النور الآية 54
(5)
سورة الإخلاص الآية 1
تعالى أعظم وأجل وأكبر ألا تسمع قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (1) وقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (2) فإن اعتصمت بها وامتنعت منه أتاك من قبل التعطيل لصفات الرب تعالى وتقدس في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فقال لك إذا كان موصوفا بكذا وصفته بكذا أوجب له التشبيه فأكذبه لأن اللعين إنما يريد أن يستزلك ويغويك ويدخلك في صفوف الملحدين الزائغين الجاحدين لصفة رب العالمين) (3).
وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن خفيف في كتابه الذي سماه اعتقاد التوحيد بإثبات الأسماء والصفات: (فاتفقت أقوال المهاجرين والأنصار في توحيد الله عز وجل ومعرفة أسمائه وصفاته وقضائه قولا واحدا وشرعا ظاهرا وهم الذين نقلوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك حتى قال: (فكانت كلمة الصحابة على الاتفاق من غير اختلاف وهم الذين أمرنا بالأخذ عنهم ولم يختلفوا بحمد الله تعالى في أحكام التوحيد وأصول الدين من الأسماء والصفات كما اختلفوا في الفروع ولو كان منهم في ذلك اختلاف لنقل إلينا كما نقل سائر الاختلاف فاستقر صحة ذلك عند خاصتهم وعامتهم حتى أدوا ذلك إلى التابعين لهم بإحسان فاستقر صحة ذلك عند العلماء المعروفين حتى نقلوا ذلك قرنا بعد قرن لأن الاختلاف كان عندهم في الأصل كفر ولله المنة)(4).
وقد سأل أبا محمد عبد القادر بن عبد الله الجيلي، الشيخ علي بن إدريس فقال يا سيدي: هل كان لله ولي على غير اعتقاد أحمد بن حنبل فقال: ما كان ولا يكون).
(1) سورة الشورى الآية 11
(2)
سورة الإخلاص الآية 4
(3)
الرسالة الحموية لابن تيمية من النفائس ص (137/ 138).
(4)
الرسالة الحموية لابن تيمية - ص (133، 134).