الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا والواجب على المؤمن أن يجمع بين سلامة الظاهر وجمال الباطن، بين الحكم بأحكام الشرع والتقيد بها ظاهرا وبين أحوال القلب الإيمانية والتقييد بأحكام الشرع. يقول ابن القيم رحمه الله شارحا لعبارة صاحب المنازل (فالسالكون ضربان: سالكون على الحال ملتفتون إلى العلم، وهم إلى التمكن أقرب، وسالكون على العلم ملتفتون إلى الحال وهم إلى التلون أقرب) (1).
وقال: (وهذه الثلاثة هي المفرقة بين أهل العلم وأهل الحال حتى كأنهما غيران وحزبان، وكل فرقة منهما لا تأنس بالأخرى ولا تعاشرها إلا على إغماض ونوع استكراه) وهذا تقصير من الفريقين حيث ضعفت إحداهما عن السير في العلم وضعف الأخرى عن الحال في العلم، فلم يتمكن كل منهما من الجمع بين الحال والعلم فأخذ هؤلاء العلم وسعته ونوره ورجحوه وأخذ هؤلاء الحال وسلطانه وتمكينه ورجحوه وصار الصادق الضعيف من الفريقين يسير بأحدهما ملتفتا إلى الآخر، فهذا مطيع الحال، وهذا مطيع العلم لكن المطيع للحال ما عساه أن يكون والمطيع للعلم متى أعرض به عن الحال كان مضيعا منقوصا مشتغلا بالوسيلة عن الغاية وصاحب التمكين يتصرف علمه في حاله فلا يدعه أن يقف معه بل يدعوه إلى غاية العلم ويلبي دعوته، فهذا حال الكمل من هذه الأمة، ومن استقرأ أحوال الصحابة رضي الله عنهم وجدها كذلك) (2)
(1) انظر مدارج السالكين (3/ 134، 135)، انظر الفرقان لابن تيمية ص (51).
(2)
انظر مدارج السالكين (3/ 134، 135)، انظر الفرقان لابن تيمية ص (51).
الثاني عشر: الاحتجاج بالقدر على فعل المحظورات
يقول ابن تيمية: (وقوم آمنوا بالقضاء والقدر ووافقوا أهل السنة والجماعة على أنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وأن الله خالق كل شيء وربه ومليكه لكن عارضوا بهذا الأمر والنهي وسموا هذا حقيقة وجعلوا ذلك معارضا للشريعة.
وفيهم من يقول إن مشاهدة القدر تنفى الملام والعقاب وأن العارف يستوي عنده هذا وهذا، وهم في ذلك متناقضون مخالفون للشرع والعقل والذوق والوجد فإنهم لا يسوون بين من أحسن إليهم وبين من ظلمهم، ولا يسوون بين العالم والجاهل والقادر والعاجز، ولا بين الطيب والخبيث ولا بين العادل والظالم بل يفرقون بينهم ويفرقون أيضا بين موجب أهوائهم وأغراضهم لا بموجب الأمر والنهي فلا يقفون لا مع القدر ولا مع الأمر بل كما قال بعض العلماء: أنت عند الطاعة قدري وعند المعصية جبري أي مذهب وافق مذهبك تمذهبت به (1).
وهذا المذهب مردود بما يلي:
أولا: أنه يلزمه إذا احتج بالقدر على المحظور أن يجوز احتجاج غيره به إذا آذاه أو أساء إليه فلا يطالبه بعقوبة وهو ما لا يفعله.
ثانيا: أن هذا القول مستلزم لفساد العالم وتضارب المجتمع وانتشار الشر لأنه يتضمن رفع العقوبات عن المجرمين والظالمين وإباحة الأعراض والأموال والأنفس، وهذا لازم باطل فما بني عليه فهو باطل.
ثالثا: أن مما علم بالضرورة من دين الإسلام انقسام أفعال العباد إلى طاعة ومعصية، وإلى ما ينفع وما يضر، ومعروف ومنكر، وإلى طيبات وخبائث وإلى متابع للشرع ومخالف له، ولو صح قوله لصح أن يجعل كل ما جرى به القدر عذرا وهو باطل فما لزم منه ذلك فهو باطل.
رابعا: فإن ادعى أن يعذر بالقدر من شهده دون غيره قيل له إن الشهود والجحود من القدر هو متناول لهما فإن أوجبت فرقا بينهما فقد أبطلت قولك من أصله.
(1) انظر مجموعة الرسائل والمسائل (1/ 72 - 75).
خامسا: أن من احتج على الذنوب بالقدر فهو من جنس عمل الشرك حيث قال الله عنهم: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} (1).
سادسا: لو كان القدر حجة لما عذب الله المشركين المكذبين للرسل لكنه عذبهم فلا يكون القدر حجة على الذنوب (2).
سابعا: أن في الاحتجاج بالقدر تسوية بين أهل الإيمان وأهل الكفر والشرك بل بين الطاعة والمعصية ونحو ذلك قال تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} (3) وقال: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} (4) وقال: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} (5).
ثامنا: أن في ذلك نسبة الظلم وعدم الحكمة لرب العالمين كما قال سبحانه: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} (6) وقال: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} (7).
تاسعا: أن ذلك تعطيل للأمر والنهي وإضعاف لتعظيمهما في النفوس والله يقول: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (8).
عاشرا: إن لازمه التسوية بين جميع الأديان يهودية ونصرانية ووثنية
(1) سورة الأنعام الآية 148
(2)
انظر الفرقان ص (104، 105) انظر العبودية لابن تيمية ص (52، 56).
(3)
سورة القلم الآية 35
(4)
سورة ص الآية 28
(5)
سورة الجاثية الآية 21
(6)
سورة المؤمنون الآية 115
(7)
سورة القيامة الآية 36
(8)
سورة الحج الآية 32