الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما أن الأول حال للعابد وهذا حال للمريد فلا يشغله عن ربه ذكرا له وعبادة له أي شيء كائن من كان والمريدون يتفاوتون في قوة الأنس بربهم بحسب قربهم منه وبعدهم عنه ومن كان منهم أقرب كانت خشيته أشد.
النوع الثالث: ذوق المنقطع المحجوب عن ربه طعم الاتصال وهو أنس القلب بالرب والأولى في التعبير عن ذلك أن يستعمل لفظ القرب بدل الاتصال ولفظ أنس القلب بغير الله بدلا من الانقطاع أو البعد عنه تعالى لأن التعبير بالاتصال قد يوهم مذهب أهل الحلول والاتحاد لأن بعضهم يقول: (المنقطع ليس في الحقيقة منقطعا، بل لم يزل متصلا لكنه غائب عن المشاهدة فلما شاهد وجد نفسه لم يكن منقطعا بل لم يزل متصلا).
موقف الشرع من الذوق:
.
الذوق شرعا ينقسم إلى قسمين:
الأول: ذوق شرعي فهو ما دل عليه الدليل من الكتاب والسنة فإن الذوق لا يستقل بالدلالة على شيء.
الثاني: ذوق غير شرعي: وهو ما دل الدليل الشرعي من الكتاب والسنة على بطلانه أو لم يدل الدليل على بطلانه أو صحته لأنه والحالة هذه لا يعرف هل هو وسواس شيطاني أو ذوق إيماني ولأن لكل إنسان ذوقا فالوجودي يدعي أن ذوقه يدل على اعتقاده وهكذا الأمر بالنسبة لليهودي والنصراني.
ثم بما عرف مدعي الذوق أن ذوقه ذلك صحيح حتى يعتمد عليه ويترك دلالة الكتاب والسنة ووجود الذوق ليس دليل صحته بل لا يدل على أنه نافع فقد يكون ذوقا ضارا بصاحبه.
هذا ونصوص القرآن والسنة تدل على وجوب اتباع الكتاب والسنة معقولهما لا غير مما يدل على رد ما سواهما. كقوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} (1) وقوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} (2) وقال سبحانه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (3) وقوله صلى الله عليه وسلم: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي (4)» . وقوله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ (5)» وقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه (6)» . وقوله صلى الله عليه وسلم: «أوتيت القرآن ومثله معه (7)» أي السنة النبوية والأدلة في هذا كثيرة ولا حصر لها فتحصل بها أن الذوق لا بد وأن يعرض على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن وافقهما أقر وإن خالفهما رد لأن الله ورسوله لم يجعلا الأذواق هي الحكم بل الحكم هو ما أنزله جل شأنه على رسوله كما قال سبحانه: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} (8) وقال: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} (9) وقال لمن حكم بغير ما أنزل: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (10) وقال: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (11) وقال: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (12) ولأن تحكيم الذوق يفضي لأن يحكم كل مبطل على إثبات باطله بذوقه وهو كثير في أهل الباطل والإلحاد (13)
(1) سورة المائدة الآية 92
(2)
سورة النساء الآية 65
(3)
سورة الأحزاب الآية 36
(4)
موطأ مالك الجامع (1661).
(5)
سنن الترمذي العلم (2676)، سنن ابن ماجه المقدمة (44)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 126)، سنن الدارمي المقدمة (95).
(6)
صحيح البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة (7288)، صحيح مسلم الحج (1337)، سنن الترمذي العلم (2679)، سنن النسائي مناسك الحج (2619)، سنن ابن ماجه المقدمة (2)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 508).
(7)
سنن الترمذي العلم (2664)، سنن أبو داود السنة (4604)، سنن ابن ماجه المقدمة (12)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 131)، سنن الدارمي المقدمة (586).
(8)
سورة المائدة الآية 49
(9)
سورة الأنعام الآية 57
(10)
سورة الشورى الآية 21
(11)
سورة المائدة الآية 44
(12)
سورة المائدة الآية 50
(13)
مدارج السالكين (3/ 442) وكتاب هذه هي الصوفية ص (40).