الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثامنا: اشتمال كثير من أدعيتهم وأقوالهم على ما مؤداه تعطيل الأمر والنهي
كقول أبي الحسن الشاذلي: (يكون الجمع في قلبك والفرق على لسانك موجودا) ومفهوم هذا أنه لا فرق بين الأشياء إلا نطقا باللسان وأما حقيقتها فكل شيء هو كل شيء، وعليه فلا يبقى أمر إلا هو الآخر، الذكر هو الأنثى والعكس، والأمر هو النهي والعكس، والعدم هو الوجود والإله هو المألوه وعكس ذلك صحيح.
وقد كان أبو الحسن الشاذلي يدعو فيطلب: (أن يعطيه الله إذا عصاه أعظم ما يعطيه إذا أطاعه) ومدلول هذا أنه لا فرق بين الطاعة والمعصية فالكل مثاب عليه، وأن المعصية عليها ثواب أكثر من ثواب الطاعة، وفيه نسبة الظلم إلى الله وإنكار حكمته في شرعه مما يدل على أنه يجوز على الله ما نفاه عن نفسه بأن يجعل الذين اجترحوا السيئات كالذين آمنوا وعملوا الصالحات، بل هم أفضل منهم (1)
(1) انظر شذرات البلاتين (1/ 248).
تاسعا: القول بالفناء في الذات الإلهية:
ومعناه عندهم (اسم الاضمحلال ما دون الحق علما وجحدا وحقا) وهو عندهم على ثلاث درجات: والأولى على ثلاث مراتب:
أولا: فناء المعرفة في المعروف وهو (غيبة العارف بمعروفه عن شعوره وبمعرفته ومعانيها في ربه سبحانه عن وصفه هنا وقام به فإن المعرفة فعله ووصفه فإذا استغرق في شهود المعروف فني عن صفة نفسه وفعلها).
ثانيا: فناء العيان في المعاين وهو الفناء جحدا فهو يعني عن كل ما يراه ويشاهده من وجوده ونفسه.
ثالثا: فناء الطلب في الوجود فيصير واجدا بعد أن كان طالبا وعندئذ لا يبقى لصاحب هذا الفناء طلب؛ لأنه ظفر بالمطلوب المشاهد، وقد مثل ابن القيم لهذه الأنواع في جانب الحب ما خلاصته:
أنه يفنى أولا بمحبوبه وصفات محبوبه عن نفسه فإذا رأى محبوبه كان الأمر في حقه أشد وعندئذ يغيب عن صفات المحبوب بمشاهدته إياه فإذا ظفر به غاب عن هذه المشاهدة إلى حال المقام معه وأصدق مثل على ذلك ما كان من حال النسوة عندما شاهدوا يوسف ولم يكونوا رأوه من قبل قطعن أيديهن عندما سلبتهن النظرة إليه شعورهن وهو مقام الفناء وأما امرأة العزيز فلم يؤثر ذلك فيها لألفها لمشاهدته ورؤيته فمقامها البقاء لا الفناء ويظهر فناء النسوة من جهتين:
الأولى: ذهولهن عن تقطيع الأيدي.
الثاني: ذهولهن عن إحساسهن بألم القطع.
ومن هنا يظهر لنا سر احتجاب الله عن عباده في الدنيا حيث إنهم لا يحتملون ذلك.
الدرجة الثانية: فناء شهود الطلب لإسقاطه فاشتغلوا بربهم عما يعملونه وعما يجري لهم من الأحوال.
الدرجة الثالثة: الفناء عن شهود الفناء والفرق بين هذه والتي قبلها أنه في الدرجتين الأولى والثانية شاعر بفنائه وفي هذه الدرجة فهو يفنى عن فنائه فلا يشعر به، وإذا وصل إلى هذه الدرجة فإن السالك يرجي له بقاء الحال واستمرارها. وقد انتقد ابن القيم وابن تيمية هذا المسلك من مسالك الصوفية بعدة وجوه:(1).
(1) انظر مدارج السالكين (3/ 368، 383) شذرات البلاتين (1/ 246 وما بعدها).
أولا: أنه لم يرد في الكتاب والسنة مدح الفناء وذمه، ولا ثبت ذلك عن السلف الصالح، ولا استعملوا لفظه ولا أشاروا إليه مما يدل على أنه بدعة في الدين، وكل بدعة ضلالة.
ثانيا: لو كان هذا المقام محمودا لكان السلف رحمهم الله أولى الناس بالعناية به؛ فلما لم يثبت ذلك دل على أنه ليس من سبيلهم- في الدين.
ثالثا: أن مجرد كونه اصطلاحا فلا مشاحة فيه لا يصح؛ لأنه ترتب عليه فساد ففيه مشاحة فهو الأساس الذي بنى عليه أهل وحدة الوجود مذهبهم فما لزم منه الباطل ليكون باطلا.
رابعا: أن هذا المسلك لا يخرج عن معنى الربوبية وهو لا يكفي في دخول الإسلام فضلا عن أن يكون أفضل الأحوال.
خامسا: وقد أشار ابن تيمية إلى المفاسد المترتبة على القول بالفناء وهي:
أولا: تساوي الحوادث عند القائل به فلا فرق بين طاعة ومعصية، ولا بين مؤمن ولا كافر، وهو باطل؛ إذ لا بد لكل حي أن يفرق بين ما ينفعه ويضره وبين ما يؤلمه وما لا يؤلمه وبين الخبز والتراب وبين الماء والشراب ونحو ذلك.
ثانيا: أنهم لم يفرقوا بين الشرع والقدر؛ إذ الشرع يقتضي الفرق بين ما يأمر الله به وبين ما ينهى عنه وبين أعداء الله وأحبائه، وأما القدر فكل الموجودات نسبتهم إليه سواء.