الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني من يملك حق تأجير الوقف
أولًا: ولاية تأجير الوقف:
اختلف الفقهاء في صاحب الولاية في تأجير الوقف إلى أربعة أقوال:
القول الأول: يرى ثبوت ولاية تأجير الوقف للناظر دون الموقوف عليه، وهو ما ثبت عليه جمهور فقهاء الحنفية، فقد روي عن الفقيه هلال صاحب القاضي أبي يوسف وزفر أن الإجارة إلى الوصي دون الموقوفة عليهم
(1)
، وعند سائر فقهاء الحنفية أنه مع وجود الناظر ليس للقاضي ولاية تأجير الوقف، فـ" لا يملك القاضي التصرف في الوقف مع وجود ناظر ولو من قبله"
(2)
، بل هو عندهم مقدم على الموقوف عليه؛ إذ إنه (أي الموقوف عليه)"يملك المنافع بلا بدل، فلم يملك تمليكها ببدل؛ وهو الإجارة، وإلا لملك أكثر مما يملك"، فالولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة، ولا يحق لصاحب الولاية العامة أن يتصرف بالوقف مع وجود صاحب الولاية الخاصة
(3)
، وعند المالكية أنه لا يصح إعارة شخص مالك انتفاع بنفسه فقط؛ كم حبس عليه لسكناه، ولا تصح إجارته أيضًا
(4)
.
القول الثاني: يرى ثبوت ولاية تأجير الوقف للواقف: ويبرز في رأي فقهاء الشافعية القائل أن: "وظيفة المتولي العمارة والإجارة"
(5)
، و "أن للواقف ولمن ولَّاه الواقف إجارة الوقف"
(6)
، و "أن منافع الموقوف ملك للموقوف عليه، يستوفيها بنفسه وبغيره؛ بإعارة
(1)
انظر: أحكام الوقف، هلال بن يحيى بن سلمة، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن - الهند، ط 1، 1355 هـ. 211.
(2)
الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان، ابن نجيم المصري، 160.
(3)
انظر: حاشية رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 3/ 399، ودرر الحكام في شرح مجلة الأحكام، علي حيدر خواجه أمين أفندي، تعريب: فهمي الحسيني، دار الجيل، ط 1، 1411 هـ./ 1991 م، 1/ 52.
(4)
انظر: جواهر الإكليل - شرح مختصر العلامة الشيخ خليل في مذهب الإمام مالك إمام دار التنزيل، المكتبة الثقافية، بيروت، بدون تاريخ، 2/ 145.
(5)
روضة الطالبين وعمدة المفتين، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، تحقيق: زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت - دمشق - عمان، ط 3، 1412 هـ./ 1991 م، 4/ 411.
(6)
روضة الطالبين وعمدة المفتين، النووي، 4/ 414.
وإجارة، كسائر الأملاك، لكن لا يؤجر إلا إذا كان ناظرًا أو أذن له الناظر في ذلك، هذا إذا كان الوقف مطلقًا، فإن كان مقيدًا بشيء؛ كما لو وقف دارًا على أن يسكنها معلم الصبيان في القرية مثلًا .. ليس له أن يسكنها غيره بأجرة ولا بغيرها"
(1)
.
وقال فقهاء الشافعية: إنه إن لم يشترط الواقف ناظرًا؛ ففيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن النظر إلى الواقف، لأنه كان ينظر إليه، فإذا لم يشرطه بقي على نظره، والثاني: أنه للموقوف عليه؛ لأن الغلة له، فكان النظر إليه، والثالث: أن النظر للحاكم؛ لأنه يتعلق به حق الموقوف عليه وحق من ينتقل إليه، فكان الحاكم أولى، وهو المذهب
(2)
.
وعند الحنابلة أن الإجارة تصح من مستحق الوقف لأن منافعه له فله إجارتها كالمستأجر وإن لم يكن ناظرًا فما بالك به لو كان ناظرًا فإنه جائز
(3)
.
القول الثالث: يرى أن ولاية تأجير الوقف مرتبة حسب الأحقية، ويتمثل في رأي فقهاء الزيدية: فإنهم قد ذكروا "أن من وقف شيئًا كانت ولاية ذلك الوقف إلى الواقف، وليس لأحد أن يعترضه، ثم إلى منصوبه وصيًا أو وليا، فإذا نصب الواقف واليًا على الوقف أو أوصى به إلى أحد من المسلمين؛ كان أولى بالتصرف، ثم إذا كان الواقف غير باقٍ أو بطلت ولايته بوجه من الوجوه، ولم يكن له وصي ولا متولي من جهته؛ انتقلت الولاية إلى الموقوف عليه إذا كان آدميًا معيَّنًا يصح تصرفه، ثم إذا لم يكن ثمَّ واقف ولا منصوب من جهته، ولا موقوف عليه معيَّن يصح تصرفه .. كانت الولاية إلى الإمام والحاكم، ولا يجوز للإمام والحاكم أن يعترضا ممن له ولاية الوقف من واقف أو منصوبه أو موقوف عليه معين، إلا لخيانة تظهر منهم، وخيانة الواقف
(1)
مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، شمس الدين، محمد بن أحمد الخطيب الشربيني الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ط 1، 1415 هـ./ 1994 م، 2/ 389 - 393، وانظر: روضة الطالبين وعمدة المفتين، النووي، 5/ 344.
(2)
انظر: المهذب في فقه الإمام الشافعي، أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، 2/ 331 - 332.
(3)
انظر: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهي، مصطفى بن سعد بن عبده المشهور بالسيوطي، المكتب الإسلامي، ط 2، 1415 هـ/ 1994 م، 3/ 618.
والمنصوب واضحة، وأما خيانة الموقوف عليه فإنما تكون بأن يحاول بيع الوقف أو نحو ذلك؛ كأن يطأ الأمة الموقوفة عليه، أو يكون المتولي غير خائن إلا أنه ربما عجز عن القيام بما يتوجه، فإن الإمام والحاكم يعترضان له بإعاناته؛ أي بإقامة من يعينه، ولا يعزلانه، وتعتبر العدالة في متولي الوقف، فلو كان فاسقًا أو غير عادل لم تصح ولايته على الأصح من القولين، وهذا إذا كان متوليًا من غيره؛ نحو أن يوليه الإمام أو الحاكم أو الواقف، فإنه لا يصح إذا كان فاسقًا"
(1)
.
كما يذكر فقهاء الزيدية أيضًا أنه لمتولي الوقف تأجيره مدة معلومة، لكن لا يكون إلا دون ثلاث سنين؛ لأن خلاف ذلك يؤدي إلى اشتباه الوقف بالملك، قال الإمام الهادي: تجوز إجارة الوقف مدة قريبة نحو سنة أو سنتين، دون المدة الطويلة، فإن ذلك مكروه، قيل: وتزول الكراهة بأن يكون وقفه مستفيضًا؛ أي مشهورًا، وقال بعضهم وإن كان رأيهم مرجوجًا في المذهب: إنه يجدد الإشهاد على الإجارة في كل ثلاث سنين، وقالوا: أن أجر مدةً طويلة صحَّ مع الكراهة
(2)
.
القول الرابع: أن التولية على الأوقاف العامة والخاصة مطلقًا للحاكم، إلا أن يعين الواقف متوليًا خاصًّا، وهو رأي فقهاء الإمامية
(3)
، وإذا عيَّن الواقف وظيفة المتولي فهو المتعين، وإلا انصرف إطلاقه إلى ما هو المتعارف من التعمير والإجارة، واستيفاء العوض وجمع الحاصل وقسمته على الموقوف عليهم .. ونحو تلكم، ولا يجوز لغيره التصدي لذلك
(4)
، أما فقهاء الأباضية فيرون أن القائم بشأن الأوقاف لا يملكها، بل هو أمين فيها، وأن الأوقاف ملكها خاص بما وقفت له
(5)
، وأنه يجوز للواقف أن يشترط لنفسه بأن يشرف
(1)
شرح الأزهار (المنتزع المختار من الغيث المدرار)، أبو الحسن عبد الله بن أبي القاسم المعروف بـ "ابن مفتاح"، مكتبة غمضان، صنعاء، ط 1، 1980 م، 3/ 497 - 498.
(2)
انظر: شرح الأزهار (المنتزع المختار من الغيث المدرار)، ابن مفتاح، 3/ 497 - 498.
(3)
انظر: فقه الصادق، سيد محمد صادق روحاني، منشورات الاجتهاد، قم - إيران، د. ط، د. ت، 20/ 341.
(4)
انظر: فقه الصادق، سيد محمد صادق روحاني، 20/ 344.
(5)
انظر: الفتاوى الشيخ الخليلي، 4/ 139.