الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث اشتراط حكم القاضي لإنهاء الوقف
إذا تقرر إنهاء الوقف أخذًا بأحد الآراء الفقهية السابقة في المسائل المتقدمة، وتوزيع أعيان الأوقاف المنتهية على المستحقين لها؛ فهل يشترط حكم القاضي لإنهاء الوقف؟
المأخوذ من حاصل كلام الفقهاء في حال الحاجة لبيع الموقوف أو استبداله، أو أي نوع تصرف في الموقوف يخالف مقتضى التأبيد في الوقف، فلا بد له من حكم القاضي؛ لضمان سلامة التطبيق والتنفيذ، وبخاصة في حالة إنهاء الوقف، وإنهاء ملكيته.
فقد صرح فقهاء الحنفية، والمالكية، والشافعية والحنابلة، والإمامية، والزيدية
(1)
بأنه إذا تعطل الموقوف وصار بحالة لا ينتفع بها بالكلية؛ أي أصبح عديم المنفعة .. يجوز استبداله وبيعه إذا كان غير مسجد، ولكن بشرط إصدار حكم من القاضي بإنهاء الوقف؛ لقولهم: لا يتم البيع إلا بإذن الحاكم، وينبغي للحاكم إذا رُفع إليه، ولا منفعة في الوقف، أن يأذن في البيع، إذا رآه أنظر (أصلح) لأهل الوقف.
وقد صرح فقهاء الحنفية في شروط الاستبدال بأن الاستبدال لا يملكه إلا القاضي، إذا رأى مصلحة في ذلك، وأن يكون المستبدل قاضي الجهة، وهو ذو العلم والعمل؛ لئلا يؤدي الاستبدال إلى إبطال أوقاف المسلمين، كما هو الغالب في الزمن الأخير
(2)
.
(1)
انظر: حاشية ابن عابدين، ابن عابدين، 4/ 387.
(2)
انظر: الشرح الصغير، الدردير، 4/ 99، والمهذب، الشيرازي، 1/ 452، وكشاف القناع، البهوتي، 4/ 295، والبحر الزخار، ابن المرتضى، 5/ 165، والنهاية في مجرد الفقه والفتاوى، الطوسي، 599، وفتاوي قاضيخان (على هامش فتاوى الهندية على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان)، محمود الأوزجندي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط 4، 3/ 306.
وعند المالكية: فللقاضي أن يبيعه ويشتري بثمنه غيره، وليس ذلك إلا للقاضي
(1)
، قال ابن رشد:"إن كانت القطعة من الأرض المحبسة انقطعت منفعتها جملة، وعجز عن عمارتها وكرائها، فلا بأس بالمعارضة فيها بمكان يكون حبسًا مكانها، ويكون ذلك بحكم من القاضي بعد ثبوت ذلك السبب والغبطة في ذلك"
(2)
، وعند الحنابلة: يبيع الوقف حاكم، إن كان الوقف على سبل الخيرات: كالمساكين والمساجد والقناطر ونحوها؛ لأنه فسخ العقد لازم مختلف فيه اختلافًا قويًا، فتوقف على الحاكم كما قيل في الفسوخ المختلف فيها، وإن كان الوقف على شخص معين، أو جماعة معينين، أو من يؤم أو يؤذن في هذا المسجد ونحوه، فيبيعه ناظره الخاص إن كان والأحوط إذن حاكم؛ لعموم ولايته"
(3)
.
وعند الإباضية: فإن الوقف للمساجد والمساكين وابن السبيل، فيكون أمر ذلك إلى الحاكم دون الأوصياء، إلا أن يكون الموصي جعل ذلك في أيدي الأوصياء
(4)
.
فالاستبدال لا يصح إلا بإذن من القاضي عند جمهور الفقهاء؛ لأن القاضي هو الذي يقدر الحاجة؛ إلا إذا كان قد شرط الواقف للناظر حق الاستبدال؛ فإنه يجوز بمقتضى المذهب الحنفي، ولكن للقاضي الرقابة على عملية الاستبدال
(5)
.
وحتى في إيجار الوقف وغيره، فالأمر يرجع للقاضي، وإن خالف إرادة الواقف فيما يعود على الوقف بالنفع؛ لأن: "نظر القاضي أعلى، والواقف إنما يختار ما فيه المصلحة للوقف، ولا يظن به أنه يكرهها، والوقف قد خرج عن ملكه، وللحاكم الولاية
(1)
انظر: حاشية ابن عابدين، ابن عابدين، 4/ 376.
(2)
انظر: التاج والإكليل (مع مواهب الجليل، الحطاب)، المواق، 6/ 42.
(3)
كشاف القناع، البهوتي، 4/ 295.
(4)
انظر: منهج الطالبين وبلاغ الراغبين، خميس بن سعيد بن على بن مسعود الرستاقي، نشر وزارة التراث القومي والثقافة، عُمان، مطبعة عيسى الحلبي، القاهرة، 7/ 67.
(5)
انظر: محاضرات في الوقف، محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، القاهرة، 165.
العامة، فإذا رأى الحاكم المصلحة الجهة الوقف في الاستبدال؛ فعله، ولا يضره قول الواقف: لا يستبدل به"
(1)
.
وإذا كان قرار استبدال الوقف يتوقف على نظر القاضي وحكمه؛ فإن قرار إنهاء الوقف بحاجة إلى نظر القاضي وحكمه من باب أولى؛ لأن الاستبدال هو مجرد تعديل للوقف القائم والباقي، ونقله من صورة إلى صورة أخرى.
أما انتهاء الوقف فهو إزالة للوقف بالكلية، وعودته ملكًا إلى الواقف أو إلى ورثته أو إلى المستحقين وتوزيعه عليهم، وهذا أمر تقديري تختلف فيه الأنظار حسب اختلاف الأحوال، والظروف والبيئات والأشخاص؛ لأن إمكان الانتفاع بالمتخرب انتقاعًا مفيدًا يختلف باختلاف طرق الانتفاع وحال الموقوف عليهم، وكذلك ضآلة نصيب المستحق من الغلة تختلف باختلاف المستحق وبيئاتهم ومعيشتهم وماليتهم، فقد يكون مبلغ العشرة دنانير شهريًا ضئيلًا بالنسبة إلى مستحق، وليس ضئيلًا بالنسبة إلى آخر، وقد يكون الانتظار بعد تعمير المتخرب مضرًا بمستحق، ولا ضرر فيه من آخر
(2)
.
وقد جاء في المعيار المعرب أن الوقف إذا أبطل لا يكون إلا بحكم حاكم، حيث جاء في جواب استفتاء حول فسخ الوقف وإرجاعه إلى الوقف:"الواجب في أن يحكم بفسخه وترجع الأملاك المحبسة إلى بيت مال المسلمين إذا ثبت أن الذي أخذت منه مستغرق الذمة، وإن لم يثبت أنه مستغرق الذمة رجعت الأملاك إلى ورثته إن كان له ورثته، فإن لم يكن له وارث رجعت إلى بيت المال أيضًا"
(3)
.
(1)
الفتاوى الطرسوسية (أو أنفع الوسائل إلى تحرير المسائل)، نجم الدين إبراهيم بن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد المنعم بن عبد الصمد الطرسوسي، صححه وراجع نقوله للمرة الأولى: مصطفى محمد خفاجي، مطبعة الشرق، 1344 هـ/ 1926 م، 116.
(2)
انظر: أحكام الوقف، عبد الوهاب خلاف، 107 - 108.
(3)
المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب، أبو العباس أحمد بن يحيى الونشريسي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1981 م، 7/ 211.