الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول تعريف توثيق الوقف ومشروعيته
أولًا: تعريف توثيق الوقف:
التوثيق لغة: من وثُق الشيء، بالضم، وثاقة: قوي وثبت فهو وثيق ثابت محكم
(1)
، فيدور المعنى اللغوي للتوثيق حول: التقوية والتثبيت والإحكام والربط.
والتوثيق في اصطلاح الفقهاء: إثبات العقود والتصرفات والالتزامات على وجه يحتج به
(2)
أمام القضاء، وهو لا يخرج في هذا الاستعمال عن المعنى اللغوي.
وأما علم التوثيق: فهو علم يبحث عن كيفية إثبات العقود والتصرفات على وجه يصح الاحتجاج والتمسك به. ومحل علم التوثيق العقود نفسها والالتزامات وسائر التصرفات التي يراد إثباتها في محرر أو صك، والأثر الذي يثبت في محل علم التوثيق حفظ الحقوق وصيانتها، واكتساب هذه العقود والالتزامات والتصرفات التي حررت بها وثيقة؛ صفة الإلزام والصلاحية للاحتجاج بها والإثبات أمام القضاء
(3)
.
(1)
انظر: المعجم الوسيط، مجموعة مؤلفين، نشر دار الدعوة، تحقيق: مجمع اللغة العربية، 2/ 1011، ومعجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس بن زكرياء الرازي، تحقيق عبد السلام محمد هارون، نشر دار الفكر، عام 1399 هـ، 6/ 85، ومختار الصحاح، زين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الحنفي الرازي، يوسف الشيخ محمد، نشر المكتبة العصرية، بيروت، طـ 5، 1420 هـ/1999 م، 166.
(2)
انظر: مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم، أحمد بن مصطفى الشهير بطاش كبرى زاده، نشر دار الكتب العلمية، طـ 1، 1405 هـ، 1/ 249، وكشف الظنون، حاجي خليفة 1/ 1045، وطلبة الطلبة، عمر بن محمد بن أحمد بن إسماعيل، أبو حفص، نجم الدين النسفي نشر المطبعة العامرة، مكتبة المثني، بغداد، 1311 هـ، 140، ودرر الحكام شرح غرر الأحكام، محمد بن فرامرز بن علي الشهير بملا أو منلا خسرو، نشر دار إحياء الكتب العربية، 2/ 52، وأحكام القرآن، أحمد بن علي الرازي الجصاص، نشر المطبعة البهية، مصر، 1347 هـ، 1/ 620، والمبسوط، محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي، نشر مطبعة السعادة، 3/ 168.
(3)
انظر: التوثيق والتشريعات المتعلقة به، المستشار أحمد الفاضل، محاضرات على دبلوم الأحوال الشخصية بكلية الشريعة والقانون، جامعة الأزهر، 1966 م، 1، والموجز في التوثيق، السيد كمال الشوري، مكتبة الهلال، الفجالة، مصر، 7، ووسائل الإثبات، د محمد الزحيلي، نشر دار البيان، دمشق، طـ 1، 1402 هـ، 2/ 479. وعرّفه محمد أحمد العمر في كتابه التطبيقات الشرعية والصكوك، 7، بقوله: "علم يبحث فيه عن كيفية إثبات العقود والتصرفات والالتزامات .. ونحوها في المستندات والسجلات على وجه يصح الاحتجاج به"، نقلًا عن التوثيق بالكتابة في الشريعة الإسلامية، نظار عبد القادر محمود إسماعيل، رسالة ماجستير مخطوطة بكلية الدراسات العليا بالجامعة الأردنية، إشراف د. محمد نعيم ياسين، 1993 م، 41.
وأما أهمية التوثيق عمومًا فيكون في النقاط الآتية:
1 -
حفظ الأموال والدماء والأعراض والأنساب في المواريث من الضياع، وإصلاح العقود المتعلقة بها، مما يشيع الأمن في المجتمع، والتحرز من العقود الفاسدة، بسبب جهل طرفي العقد لفقه المعاملات، أو تحيّلهما، أو تواطئهما معًا على وجه من التعاقد لا تجيزه الشريعة لمصلحة في نفسهما، وقد قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}
(1)
، وقد باشر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه عقود بيع وشراء وصلح وعهود عديدة مع المسلمين والمشركين، ويكفي في الالتزام به أنه أعدل طريق لضمان الحقوق وما وصفه الله تعالى بالعدل، فليس للمرء بدّ أن يعدل إلى غيره، حيث قال تعالى:{ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا}
(2)
.
2 -
إثبات الحقوق والتسهيل على الناس: يعدّ التوثيق من الوسائل القوية في إثبات الحقوق عند التقاضي، إذا ما كانت الوثيقة المستند إليها حال التقاضي مستوفية للشروط التي تمكّن من الاحتجاج على الخصم، فإنّ أي دعوى لا تقوم على أمر موثق ليس بإمكانها إثبات حق لا دليل عليه، وبناء عليه يعدّ توثيق الحقوق بمنزلة الضامن لثباتها عند ادعاء الغير على صاحبها.
3 -
قطع المنازعات والارتياب بين المتعاملين حال الحياة والوفاة، ونفي الخصومة بسبب الإنكارات للحقوق أو عدم القدرة على استيفاء شروط الالتزام أو عدم القدرة على أداء الحق، وذلك عند الرجوع إلى الوثائق التي كتبت حسب الشروط الشرعية، وبكتابة عدل، وبإظهار الحق بشهوده لا تحدثه نفسه بالإنكار والجحود خوفًا أو حياء.
(1)
سورة البقرة، جزء من آية 282.
(2)
سورة البقرة، جزء من آية 282.
4 -
حصول الطمأنينة لصاحب الحق في استيفاء حقه، وثبوته عند المنازعة بمعرفة الأجل وحلوله، ومقدار الحق، وخاصة إذا بعد الزمن؛ لأن الإنسان معرض للنسيان والموت
(1)
.
ونظرًا لأهمية التوثيق فقد أولته الدول في العصر الحاضر رعاية فائقة، فصدرت أنظمة كتّاب العدل، والسجل العقاري لتوثيق الأراضي والمساكن، والسجلات والدواوين لتسجيل جميع المعاملات، وتسجيل المركبات عامة، والسيارات والسفن والطائرات خاصة، وتسجيل الشركات وأنظمة الوزارات والجامعات وجميع المرافق العامة والخاصة
(2)
.
وأما طرق التوثيق: فإنها تكون بالشهادة، والإقرار، والكتابة، والتسجيل في السجلات الرسمية في الدولة، أو في الديوان قديمًا، والتسجيل في المحكمة أو عند كاتب العدل، أو في السجل العقاري حديثًا .. ونحو ذلك.
كما يكون التوثيق عامة بالكفالة والضمان والرهن، والحوالة، والحجر، وبالاحتباس كاحتباس المبيع بالثمن إلى حين الأداء، واحتباس الدائن بعض مال المدين إلى حين الوفاء، والمنع من السفر، ونحو ذلك
(3)
.
وأهم طرق التوثيق في العصر الحاضر التوثيق بالكتابة، والتسجيل في السجلات الرسمية عند موظف مختص، أو كاتب العدل
(4)
.
(1)
انظر: رسوم القضاة، أحمد بن محمد علاء الدين أبو نصر السمرقندي، تحقيق: محمد جاسم الحديثي، نشر وزارة الثقافة والإعلام، بغداد، 1985 م، 21 - 2 والتوثيق العقاري في الشريعة الإسلامية، د. جمعة الزريقي، نشر المنشأة العامة للنشر والتوزيع والإعلان طرابلس، الجماهيرية الليبية، ط 1، 1394 هـ/ 1985 م، 20 - 21.
(2)
انظر: لائحة توثيقات تنفيذ قانون الأحوال الشخصية رقم 28 سنة 2005 م، صحيفة الخليج، العدد 10275، السبت 22/ 6/ 1428 هـ الموافق 7/ 7/ 2007 م، وفيها إثبات الوقف (المواد 71 - 80)، وانظر في بيان الطرائق المعاصرة للتوثيق عموما وللتوثيق بالكتابة خصوصًا: التوثيق بالكتابة في الشريعة الإسلامية، نظار عبد القادر محمود إسماعيل، 3 - 16.
(3)
انظر: تفصيلات هذه الطرق: التوثيق بالكتابة في الشريعة الإسلامية، نظار عبد القادر محمود إسماعيل، 3 - 16.
(4)
يقول السيوطي نقلا عن الإمام الجويني: "الوثائق المتعلقة بالأعيان ثلاثة: الرهن، والكفيل، والشهادة"، الأشباه والنظائر، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي، نشر مصطفى البابي الحلبي، مصر، 1378 هـ، 283.