المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أولا: حكم إجارة الوقف بأقل من أجرة المثل (الغبن الفاحش): - مدونة أحكام الوقف الفقهية - جـ ٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل التاسع إجارة الوقف

- ‌المبحث الأول تعريفات ومصطلحات

- ‌أولًا: الحكر أو الاستحكار:

- ‌ثانيًا: الإجارة الطويلة:

- ‌ثالثًا: عقد الإجارتين:

- ‌رابعًا: الكَدِك:

- ‌خامسًا: الكردار:

- ‌سادسًا: مشد المسكة:

- ‌سابعًا: المرصد:

- ‌ثامنًا: الخلو:

- ‌المبحث الثاني من يملك حق تأجير الوقف

- ‌أولًا: ولاية تأجير الوقف:

- ‌ثانيًا: ولاية القاضي في تأجير الوقف:

- ‌ثالثا: عزل القاضي للناظر:

- ‌رابعًا: تأجير الموقوف عليه للوقف:

- ‌أ) إذا أجر الموقوف عليه ما لم يصح له إجارته:

- ‌ب) إذا لم يكن هناك نص من الواقف:

- ‌ج) في حالة ما إذا كان هناك شرط من الواقف بعدم تأجير الناظر للوقف أو جزء منه:

- ‌المبحث الثالث الطرف المستأجر في عقد إجارة الوقف

- ‌المبحث الرابع المدة في إجارة الوقف

- ‌المسألة الأولى: إذا تم تقييد إجارة الوقف بمدة زمنية

- ‌المسألة الثانية: إذا لم يحدد الواقف مدة معينة لتأجير الوقف إهمالًا

- ‌أولًا: المذهب الحنفي:

- ‌ثانيًا: المذهب المالكي:

- ‌ثالثًا: المذهب الشافعي:

- ‌رابعًا: المذهب الحنبلي:

- ‌خامسًا: المذهب الزيدي:

- ‌سادسًا: المذهب الإمامي:

- ‌سابعًا: المذهب الإباضي:

- ‌المسألة الثالثة: الإجارة الطويلة

- ‌أولًا: المذهب الحنفي:

- ‌ثانيًا: المذهب المالكي:

- ‌ثالثًا: المذهب الشافعي:

- ‌رابعًا: المذهب الحنبلي:

- ‌خامسًا: المذهب الزيدي:

- ‌سادسًا: المذهب الإمامي:

- ‌سابعًا: المذهب الإباضي:

- ‌المسألة الرابعة: الإجارة بأجرتين

- ‌المسألة الخامسة: الإجارة المنتهية بالتمليك

- ‌المبحث الخامس أجرة الوقف

- ‌أولًا: حكم إجارة الوقف بأقل من أجرة المثل (الغبن الفاحش):

- ‌ثانيًا: مسألة تغيير الأسعار بعد إبرام عقد الإجارة:

- ‌أ) إذا كان التغيير بنقصان الأجرة:

- ‌ب) إذا كان التغيير بزيادة الأجرة:

- ‌المبحث السادس انتهاء عقد إجارة الوقف

- ‌المسألة الأولى: أسباب انتهاء عقد إجارة الوقف

- ‌السبب الأول: السبب الطبيعي:

- ‌السبب الثاني: السبب التعاقدي:

- ‌المسألة الثانية: الأثر المترتب على انتهاء عقد إجارة الوقف

- ‌1 - مذهب الحنفية:

- ‌2).2 -مذهب المالكية:

- ‌3 - مذهب بعض الشافعية:

- ‌4 - مذهب الحنابلة:

- ‌5 - مذهب الظاهرية:

- ‌6 - مذهب الزيدية:

- ‌7 - مذهب الإمامية:

- ‌8 - مذهب الإباضية:

- ‌مصادر ومراجع الفصل التاسع

- ‌الفصل العاشر الإبدال والاستبدال في الأوقاف

- ‌تمهيد:

- ‌أولا: تعريف الإبدال والاستبدال في اللغة:

- ‌ثانيا: تعريف الإبدال والاستبدال في الوقف عند الفقهاء:

- ‌المبحث الأول الاستبدال وصوره المشروعة

- ‌الصورة الأولى: اشتراط الواقف الاستبدال:

- ‌الصورة الثانية: في سكوت الواقف عن شرط الاستبدال، والموقوف ينتفع به:

- ‌الصورة الثالثة: في سكوت الواقف عن شرط الاستبدال، والموقوف منقول معطل النفع

- ‌الصورة الرابعة: في سكوت الواقف عن شرط الاستبدال، والموقوف معطل النفع وهو عقار غير مسجد

- ‌الصورة الخامسة: في سكوت الواقف عن شرط الاستبدال والموقوف مسجد معطل النفع:

- ‌الصورة السادسة: في اشتراط الواقف عدم الاستبدال:

- ‌المبحث الثاني أحوال جواز الإبدال والاستبدال

- ‌المبحث الثالث استثمار أموال البدل

- ‌أولًا: تعريف استثمار أموال بدل الوقف:

- ‌ثانيًا: أنواع الموقوف بالنسبة للاستثمار:

- ‌ثالثًا: وسائل استثمار أموال بدل الوقف:

- ‌الوسيلة الأولى: الإجارة:

- ‌1 - مدة إجارة الوقف:

- ‌2).2 -أجرة المثل في إجارة الوقف:

- ‌3 - الزيادة على أجر المثل:

- ‌الوسيلة الثانية: المزارعة والمساقاة:

- ‌الوسيلة الثالثة: الاستصناع:

- ‌الوسيلة الرابعة: صكوك المقارضة:

- ‌الوسيلة الخامسة: المشاركة المنتهية بالتمليك (المشاركة المتناقصة):

- ‌رابعًا: ضوابط استثمار أموال بدل الوقف:

- ‌المبحث الرابع شروط الإبدال والاستبدال

- ‌المبحث الخامس الجهة المخولة بالتصرف في الوقف بالاستبدال

- ‌أولًا: مذهب الحنفية:

- ‌ثانيًا: مذهب الحنابلة:

- ‌مصادر ومراجع الفصل العاشر

- ‌الفصل الحادى عشر توثيق الوقف

- ‌المبحث الأول تعريف توثيق الوقف ومشروعيته

- ‌أولًا: تعريف توثيق الوقف:

- ‌ثانيًا: مشروعية توثيق الوقف:

- ‌ثالثًا: فوائد توثيق الوقف:

- ‌رابعًا: حكم توثيق الوقف

- ‌المبحث الثاني ثبوت الوقف

- ‌أولا: ثبوت الوقف بالحجة الوقفية (الصك الوقفي)

- ‌أ) تعريف الحجة الوقفية:

- ‌ب) حكم الاعتماد على الحجج الوقفية:

- ‌ج) حكم العمل بالحجة الوقفية بخط القاضي الذي ينظر النزاع:

- ‌د) ثبوت الحجة الوقفية التي هي في أيدي القضاة ولها رسوم في دواوينهم:

- ‌ثانيًا: ثبوت الوقف بشهادة الشهود:

- ‌أ) تعريف الشهادة:

- ‌ب) حكم توثيق الوقف بالشهادة:

- ‌ج) صور الشهادة على الوقف:

- ‌1 - الشهادة على الوقف لغير المعين:

- ‌2 - الشهادة على الوقف للمعين:

- ‌ثالثًا: ثبوت الوقف بالتسامع:

- ‌أ) تعريف التسامع لغة وفقها:

- ‌ب) مشروعية الإثبات بشهادة التسامع:

- ‌ج) إثبات الوقف بالتسامع:

- ‌رابعا: ثبوت الوقف بوضع اليد:

- ‌أ) تعريف وضع اليد:

- ‌ب) مشروعية العمل بوضع اليد:

- ‌ج) حالات وضع اليد:

- ‌خامًسا: ثبوت الوقف بالكتب العرفية:

- ‌أ) حكم ثبوت الوقف بالكتب العرفية:

- ‌ب) حكم ثبوت الوقف بالكتابة على أبواب المدارس والربط والحيوان ونحوها:

- ‌سادسًا: ثبوت الوقف بالإقرار

- ‌أ) تعريف الإقرار ومشروعيته وأهميته:

- ‌ب) الإقرار بالوقف من الواقف:

- ‌الحالة الأولى: إقرار الواقف حال صحته:

- ‌الحالة الثانية: إقرار الواقف حال مرضه مرض الموت:

- ‌الحالة الثالثة: إقرار الواقف حال مرضه أنه وقف في صحته:

- ‌ج) إقرار الورثة بالوقف:

- ‌الحالة الأولى: أن يقع الإقرار من جميع الورثة:

- ‌الحالة الثانية: أن يقع الإقرار من بعض الورثة:

- ‌د) إقرار الأجنبي واضعًا يده على أرض وأقر بأنها وقف حال صحته:

- ‌الحالة الأولى: إقرار الأجنبي مطلقًا من غير تعيين الواقف:

- ‌الحالة الثانية: إقرار الأجنبي ذي اليد في إقراره بالوقف مقيدًا معينًا:

- ‌الصورة الأولى: تعيين الواقف:

- ‌الصورة الثانية: تعيين الموقوف عليه:

- ‌المبحث الثالث محتويات حجة الوقف

- ‌المبحث الرابع المتطلبات القانونية لإثبات الوقف وتوثيقه

- ‌أولًا: تنظيم التوثيق في العصر الحاضر:

- ‌ثانيًا: تسجيل الوقف في العصر الحاضر عن طريق قوانين خاصة صادرة لهذا الغرض:

- ‌ توثيق الوقف في المملكة العربية السعودية:

- ‌ توثيق الوقف في مصر:

- ‌ توثيق الوقف في سورية:

- ‌ توثيق الوقف في دولة الإمارات العربية المتحدة:

- ‌ثالثًا: تحديد الاختصاص في توثيق الوقف في القوانين المعاصرة:

- ‌رابعًا: إجراءات توثيق الوقف في القوانين المعاصرة:

- ‌خامسًا: بطلان توثيق الوقف:

- ‌مصادر ومراجع الفصل الحادي عشر

- ‌الفصل الثاني عشر المنازعات والدعاوى في الوقف

- ‌أولًا: مشروعية وخصوصية دعوى الوقف:

- ‌ثانيًا: طبيعة المنازعات الوقفية ومناشئها:

- ‌ثالثًا: الجهة المختصة في النظر في دعوى الوقف:

- ‌رابعًا: الخصم في دعوى الوقف:

- ‌الحالة الأولى: موطن الدعوى حالة التمييز بين المدعي والمدعى عليه:

- ‌الحالة الثانية: موطن الدعوى حالة عدم التمييز بين كل من المدعي والمدعى عليه:

- ‌خامسًا: التقادم في دعوى الوقف:

- ‌أ) مدة التقادم:

- ‌ب) وقف التقادم وانقطاعه:

- ‌سادسًا: وسائل الإثبات في دعوى الوقف:

- ‌أ) الإقرار: معناه، حجيته، وأنواعه:

- ‌ب) الشهادة: معناها، حجيتها، أركانها وشروطها:

- ‌1).1 -الشهادة بالتسامع:

- ‌2 - الشهادة على الشهادة:

- ‌ج) اليمين والنكول عنها:

- ‌1 - اليمين:

- ‌2 - معنى النكول:

- ‌سابعًا: صور المنازعة في الوقف:

- ‌أ) المنازعة بين المتولي من جهة، والمستحقين والقاضي من جهة أخرى:

- ‌1 - المنازعة بين المتولي والمستحقين:

- ‌2 - المنازعة بين المتولي والقاضي:

- ‌ب) المنازعة في الاستحقاق في الوقف وتفسير شرط الواقف:

- ‌ج) المنازعة بين الموقوف عليهم من جهة، وبينهم وبين الورثة من جهة أخرى:

- ‌مصادر ومراجع الفصل الثاني عشر

- ‌الفصل الثالث عشر انتهاء الوقف

- ‌مقدمة: معنى انتهاء الوقف فقهًا

- ‌المبحث الأول حالات انتهاء الوقف

- ‌أولًا: انتهاء الوقف المؤقت بانتهاء مدته:

- ‌ثانيًا: انتهاء الوقف بالرجوع فيه:

- ‌ويلزم الوقف عندهم بأحد الأمور الآتية

- ‌ثالثًا: انتهاء الوقف بتخرب الأعيان الموقوفة:

- ‌رابعًا: انتهاء الوقف بقلة غلته:

- ‌خامسًا: انتهاء الوقف بانقراض الموقوف عليهم:

- ‌المبحث الثاني ما يترتب على انتهاء الوقف

- ‌أولًا: مصيره إلى قرابة الواقف:

- ‌ثانيًا: مصيره ملكًا للموقوف عليهم:

- ‌ثالثًا: رجوعه إلى ملك الواقف:

- ‌رابعًا: مصيره إلى الخيرات:

- ‌خامسًا: مصيره إلى بيت مال المصالح العامة:

- ‌المبحث الثالث اشتراط حكم القاضي لإنهاء الوقف

- ‌مصادر ومراجع الفصل الثالث عشر

- ‌فهرس الأعلام والألقاب والمذاهب والفرق والأماكن والبلدان

- ‌مصادر ومراجع فهرس الأعلام

- ‌العلماء والباحثون الذين أسهموا في إنجاز مدونة أحكام الوقف الفقهية (حسب الترتيب الألفبائي)

- ‌أعضاء اللجنة العلمية (الحالية) لمنتدى قضايا الوقف الفقهية (المشرفة على مدونة أحكام الوقف)

- ‌أعضاء سابقون في اللجنة العلمية لمنتدى قضايا الوقف الفقهية

الفصل: ‌أولا: حكم إجارة الوقف بأقل من أجرة المثل (الغبن الفاحش):

‌المبحث الخامس أجرة الوقف

من المتفق عليه أن ولاية الناظر على الوقف مقيدة بأن تكون أفعاله وتصرفاته في مصلحة الوقف، ولما كانت الأجرة أحد أركان عقد الإجارة فلا ريب عندئذ أن نشهد اهتمامًا فقهيًا بالبحث حول الأجرة ومقدارها على التفصيل، فهل يصح أن تكون الإجارة بأقل، والإجارة إذا انشغلت على غبن فاحش وآثارها، وأثر تغيير أجرة الوقف بعد العقد بزيادة أو نقصان، وبعبارة أخرى: أثر الظروف الطارئة على الأجرة

(1)

وغيرها من مسائل، إلا أنه من الضرورة التأكيد على أن الأصل العام في تقدير أجرة الوقف هو أن تكون بمقدار أجرة المثل ولا تجوز بأقل منها، حيث إن الالتزام بأقل من أجرة المثل التزام يسبب ضررًا للمستحقين إلا إذا كان النقصان يسيرًا لا يسبب ضررًا معتمدًا به فالإجارة عندئذ صحيحة، والأصل أن تسمى الأجرة وهي تملك، إلا إذا كانت الإجارة باطلة أو فاسدة فإنه عندئذ تلزم أجرة المثل؛ إذ إن الإجارة الفاسدة والباطلة متساويتان في استحقاق بدل المثل.

ورغم تعدد الأقوال الفقهية في أحكام الفروع الكثيرة لهذا البحث، إلا أن الفقهاء يتفقون على أن الضابط العام في بدل الإجارة (أي الأجرة) أن يكون مالًا معلومًا مملوكًا طلقًا مقدورًا على تسليمه، وهذا كما يصلح أن يكون ثمنًا في البيع فإنه يصلح أن يكون عوضًا في الإجارة سواء بسواء

(2)

.

وسنتناول تفصيل ما ذكرنا إجماله في أول البحث وذلك على النحو الآتي:

‌أولًا: حكم إجارة الوقف بأقل من أجرة المثل (الغبن الفاحش):

إذا أجر الناظر العين الموقوفة بأقل من أجرة المثل وكان النقصان يسيرًا يتغابن الناس في مثله، والذي إن وجد فإن الناس تتسامح فيه في معاملاتهم وتتقبله من بعضها البعض عادةً؛ فإن الإجارة تكون نافذة سواء كان المستأجر من المستحقين أو

(1)

انظر لمزيد من التفاصيل عن نظرية الظروف الطارئة وأثرها على الأجرة: النظريات الفقهية د. فتحي الدريني، منشورات جامعة دمشق، سوريا، ط 2، 1417 هـ/ 1997 م، 139 - 193.

(2)

انظر: تحرير المجلة، محمد حسين كاشف الغطاء، 2/ 65.

ص: 57

من غيرهم

(1)

، وهذا يخرج عما نحن بصدده في هذه المسألة، إذ إننا نتناول هنا حالة النقصان الفاحش، وقد اختلف الفقهاء على قولين:

القول الأول: يرى الفسخ والضمان: وذهب إليه الحنفية، والمالكية، والشافعية، والظاهرية، والزيدية:

فالحنفية يرون أن الإجارة تفسد عندهم، ويجب على القاضي إذا رُفع ذلك إليه أن يبطل الإجارة، إلا إذا اقتضت الضرورة إجارته بهذا الغبن الفاحش

(2)

، وعندهم أيضًا أن الواقف إذا آجر بالأقل مما لا يتغابن الناس فيه لم تجز، ويبطلها القاضي، فإن كان الواقف مأمونًا وفعل ذلك عن طريق السهو لا بقصد فإنه لا يعزل، بل يقره القاضي في يده، ولكن يأمره بالإجارة بالأصلح، وإلا أخرجها من يده وجعلها في يد من يثق بدينه، وتجوز عندهم أيضًا الإجارة بالأقل إذا كانت للضرورة، ومن صور الضرورة هنا إذا كانت العين غير مرغوب في إجارتها إلا بالأقل، أو إذا أصيب الوقف بنائية، أو كان عليه دين، أو كان الدار عليها مرصد، والمرصد هو دين على الوقف ينفقه المستأجر لعمارة الدار لعدم مال حاصل في الوقف؛ ففي مثل حالات الضرورة هذه ومثيلاتها تجوز الإجارة بالأقل، أما في حال لا توجد فيه ضرورة معتبرة شرعًا فإن المستأجر يلزمه تمام أجرة المثل

(3)

.

وفقهاء المالكية ذهبوا إلى أنه إذا أجَّر الناظر العين الموقوفة بدون أجرة المثل فإنه يضمن تمام أجرة المثل إن كان مليًا، وإلا رجع على المستأجر لأنه مباشر، وكل من رجع عليه لا يرجع على الآخر، هذا إذا كان المستأجر لا يعلم بأن الأجرة المسماة أقل من أجرة المثل، فإن كلا منهما ضامن فيبدأ به، وبناء على ذلك فلو وقعت الإجارة بما هو أقل من أجرة المثل، ثم زاد شخص آخر ما يبلغ أجرة المثل؛ فإن إجارة الأول

(1)

انظر: حاشية رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 6/ 608، وحاشية العدوي على شرح الخريشي على مختصر سيدي خليل، الإمام أبي الضياء سيدي خليل، الطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية، ط 2، 1317 هـ، 7/ 99. وكشاف القناع عن متن الإقناع، البهوتي الحنبلي، 4/ 269.

(2)

انظر: أحكام الأوقاف، الخصاف، 205، والبحر الرائق، ابن نجيم، 5/ 256.

(3)

انظر: حاشية رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 6/ 608.

ص: 58

تفسخ وتؤجر للشخص الثاني الذي زاد، ولو التزم الشخص الأول بتلك الزيادة لم يكن له ذلك، إلا أن يزيد على الشخص الثاني الذي زاد حيث لم تبلغ زيادة من زاد أجرة المثل، فإن بلغتها فلا يلتفت إلى زيادة من زاد

(1)

.

أما فقهاء الشافعية فإنهم وإن رأوا فساد الإجارة إذا وقفت بغبن فاحش؛ إلا أنهم يفرقون بين أن يؤجر الناظر العين الموقوفة على غيره وبين أن يؤجر العين الموقوفة على نفسه؛ فإنه لا يجوز للناظر أن يؤجرها على غيره بأقل من أجرة المثل، فلو أجرها بالأقل فإن العقد يكون غير صحيح

(2)

، ولم يتعرضوا لذكر الفسخ والضمان في كتبهم.

أما بالنسبة للزيدية فقد ذكر الإمام أحمد المرتضى في كتابه شرح الأزهار، في معرض بيان ما يجوز للمتولي فعله وما لا يجوز؛ أنه لا يجوز للمتولي أن يبيع شيئًا مما تعلق بما تولَّاه بثمن الممثل مع وقوع الطلب من غير المشتري بالزيادة على ثمن المثل، فإن باع كان البيع فاسدًا؛ لأنه قد خان فبطلت ولايته في ذلك، فأما لو لم تقع المطالبة من الغير لكن غلب في ظن المتولي أنه لو أشهر بيع هذا الشيء حصل فيه مع الثمن أكثر فإنه يصح البيع، وإن كان مكروها على أجود الأقوال

(3)

، وقد يُقال: إن المناط في الإجارة هو نفسه في البيع، إلا أن البيع تمليك العين أو الرقبة، والإجارة تمليك المنفعة، ومن الواضح أن الملاك فيها واحد؛ إذ إن البيع والإجارة تقعان كلتيهما على العين، إلا أن البيع يقع على العين من حيث رقبتها وذاتها، والإجارة تقع على العين من حيث منافعها وغلتها، وبذلك يقترب رأيهم مع أصحاب القول الأول.

وقول ابن حزم الظاهري يتفق مع أصحاب القول الأول؛ إذ إنه يرى أنه لا تجوز إجارة الأرض أصلًا، لا للحرث فيها ولا للغرس فيها ولا للبناء فيها، ولا لشيء من الأشياء أصلًا لا لمدة مسماة قصيرة ولا طويلة، ولا لغير مدة مسماة لا بدنانير ولا

(1)

انظر: حاشية العدوي على شرح الخرشي على مختصر سيدي خليل، الإمام أبي الضياء سيدي خليل، 7/ 99، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي، 4/ 95.

(2)

انظر: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، الشربيني الشافعي، 2/ 395.

(3)

انظر: شرح الأزهار (المنتزع المختار من الغيث المدرار)، ابن مفتاح، 3/ 498.

ص: 59

بدراهم ولا بشيء أصلًا، فمتى وقع فُسخ أبدًا، ولا يجوز في الأرض إلا المزارعة بجزء مسمى مما يخرج منها، أو المغارسة كذلك فقط، فإن كان فيها بناء قل أو كثر جاز استئجار ذلك البناء، وتكون الأرض تبعا لذلك البناء غير داخلة في الإجارة أصلًا.

ولا يجوز عند الظاهرية استئجار دار ولا عبد ولا دابة ولا شيء أصلًا ليوم غير معين، ولا لشهر غير معيَّن، ولا لعام غير معيَّن؛ لأن الكراء لم يصح على شيء لم يعرف فيه المستأجر حقه؛ فهو أكل مال بالباطل وعقد فاسد

(1)

.

القول الثاني: لا يرى فسخ وضمان العقد: وإليه ذهب الحنابلة، والإمامية، والإباضية:

1) فالحنابلة يرون أن العقد يكون صحيحًا إلا أن الناظر يضمن قيمة النقص الفاحش، لأنه يتصرف في مال غيره على وجه الحظ، فيضمن ما نقصه بعقده، وهو في ذلك كالوكيل إذا باع بدون ثمن المثل، أو أجَّر بدون أجرة المثل

(2)

، ويجب أن يلاحظ هنا أنه إذا كانت العين موقوفة على الناظر فإنه يجوز أن يؤجرها بأقل من أجرة المثل؛ قياسًا على جواز الإجارة، هذا عند الشافعية.

2) أما فقهاء الحنابلة فإن لهم في هذه الصور رأيان؛ أولهما: يجيز الإجارة كما الشافعية، وثانيهما: لا يجيزه، كما أن بعض فقهاء الحنابلة يرتبون أثرًا على ذلك يتعلق ببطلان ولاية الناظر؛ إذ يرونه مفرطا، فتزول ولايته بانتفاء شرطها؛ وهو الأمانة، وهناك من يرى أن نظارته لا تبطل، ويكتفي بتضمينه وحسب

(3)

.

(1)

انظر: المحلى بالآثار، ابن حزم، (مسألة، 1297، 1298)، 7/ 13 - 14.

(2)

انظر: دقائق أولي النهي لشرح المنتهي المعروف بشرح منتهى الإرادات، البهوتي الحنبلي، 2/ 506، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، المرداوي، 7/ 73 وكشاف القناع عن متن الإقناع، البهوتي الحنبلي، 4/ 269.

(3)

انظر: تقرير القواعد وتحرير الفوائد المشهور بـ "قواعد ابن رجب"، زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، تحقيق: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن عفان للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، ط 1، 1419 هـ، 2/ 65.

ص: 60