الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا وقد اختلف المالكية في استبدال العقار الموقوف الخرب بعقار غير خرب، قال المواق نقلًا عن ابن الجهم: واختلف في المعارضة بالربع الخرب بربع غير خرب، ثم نقل عن ابن رشد قوله:"إن كانت هذه النقطة من الأرض المحبسة انقطعت منفعتها جملة وعجز عن عمارتها وكرائها فلا بأس بالمعارضة فيها بمكان يكون حبسًا مكانها، ويكون ذلك بحكم القاضي بعد ثبوت ذلك السبب والغبطة في ذلك للعوض عنه ويسجل ذلك ويشهد به"
(1)
.
الصورة الخامسة: في سكوت الواقف عن شرط الاستبدال والموقوف مسجد معطل النفع:
اختلف الفقهاء في حكم استبدال المسجد في هذه الحالة على أربعة أقوال:
القول الأول: يرى أنه إذا خرب المسجد أو خرب ما حوله واستغنى أهل محلته عن الصلاة فيه بأن كان قرية فخربت وحولت مزارع، فإنه يبقى مسجدًا ولا يعود ملكًا ولا يباع ولا يتصرف في عمارته.
وإليه ذهب الحنفية، عدا محمد بن الحسن
(2)
، والمالكية
(3)
، والشافعية
(4)
، والحنابلة في قوله
(5)
.
(1)
التاج والإكليل لمختصر خليل، أبو عبد الله محمد بن يوسف المواق الغرناطي المالكي، دار الكتب العلمية، 1416 هـ، 7/ 662.
(2)
انظر: فتح القدير، ابن الهمام، 6/ 236 - 237، وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، الكاساني، 6/ 221.
(3)
انظر: المنتقى شرح الموطأ، أبو الوليد الباجي، 6/ 130، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير، ابن عرفة الدسوقي، 4/ 91 - 92، ومنح الجليل، عليش، 8/ 154.
(4)
انظر: الوسيط، الغزالي، 4/ 261، ونهاية المحتاج، الرملي، 5/ 395.
(5)
انظر: الإنصاف، المرداوي، 7/ 100 - 101، وقد روي عن أحمد أن المسجد لا يباع ولكن تنقل آلته إلى مسجد آخر، واستدل على ذلك بما يلي: الدليل الأول: نقل أنقاض المسجد إلى مثله أولى من بيعه لبقاء الانتفاع من غير خلل فيه، النيل الثاني: القول بجواز نقل أنقاض المسجد إلى مسجد آخر أقرب إلى غرض الواقف، المبدع، ابن مفلح، 5/ 187، وكشاف القناع، البهوتي، 4/ 293.
واستدلوا على ما ذهبوا إليه بما يأتي:
1 -
قياس المسجد على الكعبة فإن الإجماع على عدم خروج موضعها عن المسجدية والقربة
(1)
، مع ما كان حولها من الأصنام التي كانت تعبد من دون الله في الجاهلية، فكذا سائر المساجد تبقى مكانًا للطاعة حتى ولو خرب ما حولها
(2)
.
2 -
لما جعل الواقف مكانًا ما مسجدًا، فقد حرره وجعله خالصا لله تعالى على الإطلاق وصح ذلك فلا يحتمل العود إلى ملكه كالإعتاق
(3)
، فإن من أعتق شخصًا لا يعود إلى ملك معتقه مرة ثانية فكذا هذا، حيث لا يعود المسجد إلى ملك بانيه بعد خرابه مرة ثانية.
3 -
في القول بعدم بقاء المسجد موضعا للطاعة والقرية ولو بعد خرابه، ربما يجعله الباني بعد عوده إليه اصطبلًا للحيوان بعد أن كان مسجدًا
(4)
.
4 -
بقاء أحباس السلف داثرة دليل على منع الاستبدال
(5)
.
5 -
ما لا ينقل الوقف عن مقتضاه إذا لم يخرب فإنه لا ينقله عن مقتضاه وإن خرب كالغصب
(6)
.
6 -
إمكانية الانتفاع به حالًا بالصلاة في أرضه
(7)
.
القول الثاني: يرى أنه لو خرب المسجد، أو خرب جواره واستغني عنه، فإن المسجد يعود إلى ملك الواقف إن كان حيًا، أو إلى ورثته إن كان ميتًا؛ حتى يجوز لهم أن يبيعوه أو يبنوه دارًا، وذلك بشرط ألا يكون للمسجد من الغلة ما يمكن به عمارته
(1)
انظر: فتح القدير، ابن الهمام، 6/ 237.
(2)
انظر: العناية شرح الهداية، أكمل الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمود البابرتي، دار الفكر، 6/ 236.
(3)
انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، الكاساني، 6/ 221.
(4)
انظر: العناية شرح الهداية، البابرتي، 6/ 236.
(5)
انظر: المنتقى شرح الموطأ، أبو الوليد الباجي، 6/ 130.
(6)
انظر: المرجع السابق، 6/ 130.
(7)
انظر: نهاية المحتاج، الرملي، 5/ 395.
حال خرابه، وإن لم يعرف باني المسجد ولا ورثته كان لأهل محلته بيعه والاستعانة بثمنه في بناء مسجد آخر
(1)
، وإلى هذا القول، ذهب محمد بن الحسن الشيباني، وهو رواية عن أبي حنيفة
(2)
.
واستدل محمد بن الحسن الشيباني على ما ذهب إليه من عود المسجد إلى ملك الواقف بما يأتي:
1 -
الواقف أزال ملكه بوجه مخصوص وهو التقرب إلى الله تعالى بمكان يصلي فيه الناس، فإذا استغني عنه فقد فات غرض الواقف من المسجد فيعود إلى ملكه
(3)
.
2 -
عود المسجد إلى بانيه حال خرابه أو خراب ما حوله، قياسًا على عود حصير المسجد وحشيشه إذا استغني عنه (كان الحشيش فرش بدل الحصير قديمًا في بعض البلاد)، وقنديله إذا خرب المسجد، إلى ملك متخذه
(4)
.
3 -
بالقياس على عود الكفن إلى ملك مالكه، حالة ما لو كفن ميتًا فافترسه سبع
(5)
.
4 -
بالقياس على رجوع هدي الإحصار إلى صاحبه ليصنع فيه ما شاء حالة زوال الإحصار وإدراك الحج
(6)
.
5 -
في القول بعدم رجوع المسجد إلى ملك بانيه حالة خرابه ربما يصير مكانًا لإلقاء المهملات عند تطاول المدة
(7)
.
(1)
انظر: الفتاوي الهندية، مجموعة من علماء الهند، 2/ 58، وفتح القدير، ابن الهمام، 6/ 237.
(2)
انظر: رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 4/ 358.
(3)
انظر: فتح القدير، ابن الهمام، 6/ 236 - 237، وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، الكاساني، 6/ 221.
(4)
انظر: فتح القدير، ابن الهمام، 6/ 236، والعناية شرح الهداية، البابرتي، 6/ 236، 237، ورد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 4/ 359.
(5)
انظر: فتح القدير، ابن الهمام، 6/ 237.
(6)
انظر: المرجع السابق، 6/ 237.
(7)
انظر: العناية شرح الهداية، البابرتي، 6/ 236.
القول الثالث: يرى أن المسجد إذا خرب ما حوله وتفرق الناس عنه، فإنه لا يعود إلى ملك الواقف ولكن يباع نقضه بإذن القاضي ويصرف ثمنه إلى مسجد آخر، وهذا ما روي عن أبي يوسف
(1)
.
ويستدل على ذلك بأنه لو لم تنقل أنقاضه إلى مسجد آخر، أو لو لم تبع أنقاضه ويصرف ثمنها إلى مسجد آخر لاستولى عليه اللصوص والمتغلبون، وكذلك أوقافه يأكلها النظار أو غيرهم، ويلزم من عدم نقل أنقاضه، خراب المسجد الآخر المحتاج إلى النقل إليه
(2)
.
وعلى ذلك فليس لأهل الناحية بيع المسجد القديم وإن خرب لصرفه في مسجد جديد على كلا القولين (قول أبي يوسف وقول محمد)، أما على قول أبي يوسف فلأنه لا يعود إلى ملك الباني، وأما على قول محمد فلأنه بعد الاستغناء يعود إلى ملك الباني أو ورثته
(3)
.
أما بالنسبة لآلات المسجد من حصير وقناديل ونحوها، إن خرب المسجد ووقع الاستغناء عنه وعنها، فإنها تكون لواقفها أو لورثته عند محمد.
وعند أبي يوسف، تباع ويصرف ثمنها على حوائج المسجد، وإن استغني عنه تحول على مسجد آخر.
والفتوى على قول محمد في آلات المسجد وعلى قول أبي يوسف في تأبيد المسجد
(4)
.
القول الرابع: يرى أنه إذا أصبح المسجد لا ينتفع به بأن انتقل أهل القرية عنه وصار في موضع لا يصلي فيه، أو ضاق بأهله ولم يمكن توسيعه في موضعه، أو تشعب جميعه فلم تمكن عمارته، فإنه يباع ويشترى بثمنه مكانًا يجعل مسجدًا، والحكم للمسجد الثاني ويبطل حكم الأول وإليه ذهب الحنابلة في المذهب
(5)
، وبعض مشايخ الحنفية
(6)
.
(1)
انظر: رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 4/ 359.
(2)
انظر: المرجع السابق، 4/ 360.
(3)
انظر: الفتاوى الهندية، مجموعة من علماء الهند، 2/ 458.
(4)
انظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق، ابن نجيم، 5/ 273.
(5)
انظر: المغني، ابن قدامة، 6/ 28، والإنصاف، المرداوي، 7/ 100 - 111.
(6)
انظر: رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 4/ 359.