الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني ثبوت الوقف
ينشأ الوقف بالألفاظ الدالة علية الصادرة من الواقف أو ما يقوم مقامها من كتابة أو إشارة أو غيرها، ولإثبات الوقف طرق وأساليب متعددة سيأتي بيانها:
أولا: ثبوت الوقف بالحجة الوقفية (الصك الوقفي)
(1)
:
أ) تعريف الحجة الوقفية:
وهي: "وثيقة إنشاء الوقف عليها علامة القاضي أعلاها وخط الشاهدين أسفلها".
والصك الوقفي: "ما كتب فيه إنشاء الوقف والحجة تتناول الصك والسجل
(2)
والمحضر، وشروطه"
(3)
.
ثم أطلقت في العرف على كل سند عليه علامة القاضي أعلاه وخط الشاهدين أسفله
(4)
.
ب) حكم الاعتماد على الحجج الوقفية:
اختلف الفقهاء في حكم الاعتماد على الحجج الوقفية في ثبوت الوقف في حال كانت الحجة ليست بخط القاضي الذي ينظر النزاع إلى قولين:
(1)
وقد يطلق عليه: الصك الوقفي، وهو عند الفقهاء:"ما كتب فيه البيع والرهن والإقرار وغيرها"، رد المحتار على الدر المختار، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز بن عابدين الدمشقي الحنفي، طبع مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، 1386 هـ، 4/ 308.
(2)
وذكر ابن تميم أن السجل في عرف أهل زمانه هو ما كتب في الواقعة وبقي عند القاضي وليس عليه خطه، ومن الفقهاء من أطلق السجل على المحضر وعرف المحضر بأنه ما كتب فيه ما جرى بين الخصمين من إقرار أو إنكار والحكم ببينة أو تكون على وجه يرفع الاشتباه وقال ابن عابدين: وكذا السجل، وفرق الماوردي بين المحضر والسجل، وقال: فأما المحضر فهو حكاية المال وما جرى بين المتنازعين من دعوى وإقرار وإنكار وبينة ويمين، وأما السجل فهو تنفيذ ما ثبت عند القاضي وإمضاء ما حكم به، فهذا فرق بين المحضر والسجل.
(3)
يطلق السجل على كتاب القاضي الذي فيه حكمه، ويشمل في عرف بعض الفقهاء ما كان موجها إلى قاض آخر.
(4)
انظر: حاشية ابن عابدين، ابن عابدين، 4/ 308.
القول الأول: أن الحجج الوقفية التي لم تكن في أيدي القضاة وليست لها رسوم في دواوينهم لا يعتمد عليها ولا يعمل بها، وإليه ذهب الحنفية
(1)
، والمالكية في المذهب
(2)
، والشافعية"
(3)
، والحنابلة في المذهب
(4)
، والإمامية
(5)
، والزيدية
(6)
، والإباضية في قول
(7)
.
استدل أصحاب هذا القول بما يأتي:
1 -
أن عدم اعتماد القاضي على هذا النوع من الحجج عند المنازعة؛ لأن الخط مما يزور ويفتعل، ولأن الخطوط قابلة للتشابه والمحاكاة، فسدا لذريعة التزوير وتغيير الحقيقة تمنع مثل هذه الحجج
(8)
.
2 -
أن سبب مقتل عثمان رضي الله عنه بسبب الخط؛ فإنهم صنعوا مثل خاتمه وكتبوا مثل كتابه حتَّى جرى ما جرى، ولذلك قال الشعبي: لا تشهد أبدا إلا على شيء تذكره، فإنه من شاء انتقش خاتمًا ومن شاء كتب كتابًا
(9)
.
(1)
انظر: شرح أدب القاضي، المضاف، 3/ 107، والفتاوى الهندية، الشيخ نظام ومجموعة من علماء الهند، نشر دار الفكر، الطبعة الثانية 1310 هـ، 3/ 341، وغمز عيون البصائر، الحموي، 2/ 306 وحاشية ابن سلرتي، 4/ 160.
(2)
انظر: تبصرة الحكام، إبراهيم بن علي بن فرحون المالكي، 1/ 85.
(3)
انظر: تحفة المحتاج في شرح المنهاج (مطبوع على هامش حاشيتي الشرواني والعبادي)، أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيثمي، مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، 1371 هـ، 10/ 149 و 150، والحاوي الكبير، علي بن محمد بن حبيب الماوردي، نشر دار الفكر، بيروت، 1414 هـ، 16/ 206 - 207.
(4)
انظر: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، مصطفى بن سعد السيوطي الرحيباني الحنبلي، نشر المكتب الإسلامي، 1415 هـ، 6/ 532.
(5)
انظر: شرائع الإسلام في الفقه الجعفري، جعفر بن الحسن، الملقب بالمحقق الحلي، مطبعة دار الحياة، بيروت، 2/ 217.
(6)
انظر: شرح النيل، محمد بن يوسف أطفيش، طبعة المطبعة السلفية، القاهرة، 1343 هـ، 6/ 575.
(7)
انظر: البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار، أحمد بن يحيى بن المرتضي، طبعة دار الحكمة اليمانية، ط 1، عام 1409 هـ، مصورة عن الطبعة القديمة عام 1396 هـ، 6/ 127.
(8)
انظر: رد المحتار على الدر المختار، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز بن عابدين الدمشقي الحنفي، 5/ 435.
(9)
انظر: الطرق الحكمية، محمد بن أبي بكر، المعروف بابن قيم الجوزية، طبعة مكتبة دار البيان، دمشق، ط 4، 1426 هـ، 210.
القول الثاني: أنه يعتمد على هذا النوع من الحجج الوقفية إذا ثبتت عند القاضي ثبوتًا لا يشك فيه ذهب إليه بعض المالكية، ومنهم سحنون وأشهب
(1)
، وبعض الحنابلة
(2)
، والإباضية في قول
(3)
، والظاهرية
(4)
.
واستدل أصحاب هذا القول بالأدلة الآتية:
1 -
أن التزام الحكام، والناس، في زمانهم إجازة كتب القضاة بمعرفة الخط، والعمل به في عامة الجهات للاضطرار إلى ذلك.
2 -
ولأن المطلوب إنما هو قيام الدليل وثبوته، على أن ذلك الكتاب كتاب القاضي، فإذا ثبت عند المكتوب إليه أنه كتاب القاضي بمعرفة خطه ثبوتًا لا يشك فيه، أشبه الشهادة عليه وقام مقامها.
3 -
أن العمل بالخط في الحجج الوقفية مشروط؛ فإذا كان القاضي المكتوب إليه يعرف خط القاضي الكاتب أو لا يتحقق ذلك، فإن كان القاضي يعرفه ويتحققه فجائز، وهو ليس من باب قضاء القاضي بعلمه، ويترتب عليه: أنه لا بد من الشهادة عنده على صحة الخط، كما تكون الشهادة على قول القاضي لقاضٍ غيره بالمشافهة منه له.
4 -
أن القاضي إن لم يتحقق من خط الكاتب فلا بد من شاهدين عدلين يعرفان خط القاضي الكاتب، فيشهدان أن ذلك خط القاضي كما يكون ذلك في خط الشاهد الغائب
(5)
.
(1)
انظر: تبصرة الحكام، إبراهيم بن علي بن فرحون المالكي، 2/ 28.
(2)
انظر: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهي، مصطفى بن سعد السيوطي الرحيباني الحنبلي، 6/ 532.
(3)
انظر: شرح النيل، محمد بن يوسف أطفيش، 6/ 573.
(4)
انظر: مراتب الإجماع في العبادات والمعاملات والاعتقادات، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، 52.
(5)
انظر: الأدلة السابقة كلها، وتبصرة الحكام، إبراهيم بن علي بن فرحون المالكي، 2/ 28.