الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعًا: مصيره إلى الخيرات:
يؤول الوقف المنتهي إلى سبل الخيرات من الفقراء والمساجد في الحالات الآتية:
الحالة الأولى: إذا كان الوقف منتهيًا بسبب انقطاع آخر الموقوف عليهم؛ صُرف الوقف إلى الخيرات عند أحمد في رواية اختارها القاضي والشريف أبو جعفر، والإمامية، قال الشيخ محمد النجفي من الإمامية:"ولو وقف على ولده وانقرض أولادهم فعلى المساكين"
(1)
، وفي رأي: أن الوقف تصرف منافعه في جهة خير تقربًا إلى الله تعالى، ويستدل لذلك بأن هذا المصرف هو مصرف الصدقات وحقوق الله تعالى من الكفارات ونحوها، فإذا وجدت صدقة غير معينة المصرف انصرفت إليهم، كما لو نذر صدقة مطلقة؛ ولأنه أزال ملكه لله تعالى، فلم يجز أن يرجع إليه، كما لو أعتق عبدًا
(2)
.
ورأي الإباضية أنه يصرف إلى أوجه الخير الأقرب إلى الوجه المنقطع، فقد أجاب الخليلي عن سؤال صرف قيمة تمر وقف لعمار مسجد قديم متهدم، لم يبق منه إلا أطلال؛ فقال:"يُصرف هذا المبلغ إلى أقرب مسجد إلى المسجد الموقوف له من أجل تفطير الصائمين به، وإن تعذر ذلك صُرف إلى الفقراء من الصائمين ليفطروا به ولو في بيوتهم"
(3)
.
الحالة الثانية: في حالة ما إذا صار فيها الوقف المنتهي ملكًا لأقارب الواقف إذا لم يوجد الأقارب، يُصرف الواقف إلى الخيرات، لأن القصد من الوقف هو الثواب، والصرف إلى جهات الخير، يحقق مقصود الواقف، جاء في بعض كتب الإمامية
(4)
: لو وقف على مصلحة فبطلت؛ قيل: يصرف إلى البر؛ أي وجوه الخير.
(1)
جواهر الكلام، محمد حسن النجفي، 10/ 46، والحدائق الناضرة، البحراني، 22/ 128.
(2)
انظر: المغني، ابن قدامة، 6/ 28 - 29.
(3)
الفتاوي، الخليلي، 4/ 134.
(4)
انظر: المختصر النافع في فقه الإمامية، أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلي، مكتبة وزارة الأوقاف، القاهرة، 1958 م، 182.
الحالة الثالثة: وردت لدى المؤيد بالله من الزيدية وأبي يوسف من الحنفية
(1)
؛ يصير فيها الوقف المنتهي ملكًا للواقف إن كان حيًا، وإلى ورثته إن كان ميتًا، فإن عدم الورثة؛ فيصرف إلى الخيرات؛ لأن القصد من الوقف هو الثواب، وصرف الوقف إلى جهات الخير؛ كالفقراء وطلاب العلم والمساجد والقناطر .. يحقق مقصود الواقف لمستحقه وقت الحكم بانتهائه.
والأصل عند المالكية أنه لا يجوز بيع الحبس، ولو صار خربًا، لكنهم يستثنون من حاجة المسجد الذي بجوار الحبس إلى التوسعة، فيجوز ذلك، ومثله توسعة طريق المسلمين ومقبرتهم.
واستدلوا بأنه قد أُدخلت دور محبوسة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، واختلفوا: هل ذلك في كل مسجد؟ قال ابن رشد: ظاهر سماع ابن القاسم أن ذلك جائز في كل مسجد كقول سحنون، وفي النوادر عن مالك والأخوين وأصبغ وابن عبد الحكم أن ذلك إنَّما يجوز في مساجد الجوامع إن احتيج إلى ذلك، لا في مساجد الجماعات؛ إذ ليست الضرورة فيها كالجوامع، قال خليل:"وإن خرب ونقض ولو بغير خرب، إلا لتوسيع؛ كمسجد، ولو جبرًا، وأمروا بجعل ثمنه لغيره"
(2)
.
وعند الشافعية: لو انهدم مسجد وتعذرت إعادته لم يبع بحال؛ لإمكان الانتفاع به حالًا بالصلاة في أرضه، نعم .. لو خيف على نقضه نُقض وحُفظ؛ ليعمَّر به مسجدًا آخر إن رآه الحاكم، والمسجد الأقرب أولى، وإن توقع عوده حفظ له، وإلا فإن أمكن صرفه إلى مسجد آخر صُرف إليه، وإلا فمنقطع الآخر فيُصرف لأقرب الناس إلى الواقف، فإن لم يكونوا صُرف إلى الفقراء والمساكين أو مصالح المسلمين
(3)
.
(1)
انظر: البحر الزخار، ابن المرتضى، 5/ 158، لسان الحكام في معرفة الأحكام، لسان الدين أبو الوليد أحمد بن محمد بن محمد بن الشِّحنَة الثقفي، 296.
(2)
أسهل المدارك شرح إرشاد السالك في مذهب إمام الأئمة مالك، أبو بكر بن حسن بن عبد الله الكشناوي، دار الفكر، بيروت - لبنان، طـ 2، 3/ 105، والتاج والإكليل لمختصر خليل، أبو عبد الله محمد بن يوسف بن أبي القاسم بن يوسف العبدري الغرناطي المواق المالكي، دار الفكر، بيروت، ط 2، 1987 م، 7/ 663، ومنح الجليل على مختصر خليل، محمد بن أحمد بن محمد عليش، مكتبة النجاح، ليبيا، 8/ 155.
(3)
انظر: المجموع شرح المهذب، النووي، 15/ 361، ونهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، شمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة شهاب الدين الرملي، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، 5/ 396.