الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويلتزم المستأجر بدفع الأجرة المتفق عليها في العقد؛ دفعًا للضرر الذي قد يلحق الوقف بسبب ذلك؛ ولأن الناظر لا يملك الفسخ والإقالة إلا إذا كان فيها خيرٌ للوقف وللموقوف علي لهم، وهو غير متحقق هنا فلا يصح الفسخ، كما أن الأجرة ينظر إلى كونها مثلية حين إبرام العقد، فلا يضرها أن تتغير بعد ذلك
(1)
.
ب) إذا كان التغيير بزيادة الأجرة:
فقد اختلف الفقهاء إلى الأقوال الآتية:
القول الأول: أنه إذا كان عقد الإجارة صحيحًا وكان بأجرة المثل فإنه يستمر كما هو ولا يفسخ بزيادة الأجرة، بناء على أن أجر المثل يعتبر وقت العقد فلا يضر التغيير بعد ذلك، ولأنه قد جرى بالغبطة في وقته، فأشبه ما إذا باع الولي مال الطفل أو اليتيم ثم ارتفعت القيم بالأسواق أو ظهر طالب بالزيادة بعد ذلك، وإلى هذا ذهب الحنابلة، والمالكية على المعتمد، والشافعية في الأصح، ورواية عند الحنفية، والإمامية:
قال الحنابلة: إذا طلب أحدهم العين الموقوفة بزيادة عن الأجرة الأولى فإن الإجارة لا تنفسخ ما دامت قد انعقدت صحيحة، حتى وإن لم يكن في تلك الزيادة ضرر؛ لأن الإجارة عقدها لازم من الطرفين
(2)
، وقالوا: الإجارة الصحيحة ليس للمؤجر ولا غيره فسخها لزيادة حصلت، ولو كانت العين وقفًا
(3)
، هذا ولقد خص بعض الفقهاء الحكم المذكور آنفًا بما لو كان الموقوف عليه هو من أجر الوقف، أما إذا كان الناظر قد أجَّر ما هو على سبيل الخيرات ثم طلب الزيادة؛ فلا فسخ، على الصحيح من المذهب، وإن كان هناك قول باحتمال فسخه
(4)
.
(1)
انظر: الفتاوى الهندية، لجنة علماء برئاسة نظام الدين البلخي، 2/ 419، وحاشية رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 6/ 608 - 609، والبحر الرائق، ابن نجيم، 7/ 299، والإسعاف في أحكام الأوقاف، إبراهيم بن موسى بن أبي بكر ابن الشيخ علي الطرابلسي، 65، وغمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر، أبو العباس شهاب الدين أحمد بن محمد مكي الحسيني الحموي الحنفي، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ط 1، 1405 هـ/ 1985 م، 30/ 318.
(2)
انظر: كشاف القناع عن متن الإقناع، البهوتي الحنبلي، 4/ 269، ومجموع الفتاوي، ابن تيمية، 30/ 318.
(3)
انظر: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، السيوطي، 3/ 663.
(4)
انظر: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، المرداوي، 7/ 73، ومطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، السيوطي، 3/ 621.
وقال المالكية: إذا طرأ ما يزيد في أجرة الوقف بعد العقد، فإنه إذا ما اشترط في العقد على قبول الزيادة من مكتر آخر؛ فإن هذا العقد يبطل؛ لأنه من الغدر، ويكون ذريعة إلى بيع وسلف، أو إلى سلف جرَّ منفعة
(1)
، ولكن إذا لم يشترط في الكراء ذلك فإنه ينظر إلى الأمر على النحو الآتي؛ إذا وقع العقد بأجرة المثل وحصلت زيادة فيها؛ فقد افترق فقهاء المالكية على رأيين؛ الأول: يرى أنه إذا وقع الكراء على وجه الغبطة في الحال بأن أجَّر بأجرة المثل وجاء من يطلبه بأزيد مما أكتري به؛ فإن هذه الزيادة لا تجوز ولا يلتفت إليها، ولا يفسخ العقد، بل يستمر كما هو
(2)
، أما الرأي الثاني فيرى أنه إذا كان الزيادة في حدود الثلث فإنها تقبل؛ فيخيَّر الأول في الزيادة أو الترك
(3)
، أما إذا وقع بأقل من أجرة المثل فإن الزيادة تقبل حينئذ؛ لأن العقد قد حصل فيه غبن، ويثبت ذلك بالبينة أن بالكراء الأول غبنًا على الحبس
(4)
، وتفسخ إجارة المستأجر الأول للمستأجر الثاني الذي زاد سواء كان حاضرا وقت إجارة الأول أو غائبًا، ولو التزم الأول تلك الزيادة التي زيد عليه لم يكن له ذلك، إلا أن يزيد على من زاد حيث لم تبلغ زيادة من زاد أجرة المثل، فإن بلغتها فلا يلتفت لزيادة من زاد
(5)
.
وقال الشافعية: إذا أجَّر الموقوف عليه بحكم الملك العين الموقوفة وزادت الأجرة في المدة، أو ظهر طالب بالزيادة؛ فإن العقد يسري كما هو ولا يتغير بذلك
(6)
، وهذا
(1)
انظر: المعيار المعرب والجامع المغرب، الونشريسي، 7/ 47.
(2)
انظر: النوازل، الشيخ عيسى بن علي الحسيني العلمي، تحقيق المجلس العلمي بفاس، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية، 1406 هـ./ 1986 م، 2/ 264.
(3)
انظر: النوازل، العلمي، 2/ 263.
(4)
انظر: التاج والإكليل لمختصر خليل، أبو عبد الله محمد بن يوسف بن أبي القاسم بن يوسف العبدري الغرناطي المواق المالكي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1416 هـ/ 1994 م، 6/ 46.
(5)
انظر: شرح الخرشي، 7/ 99، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي، 4/ 95، وشرح الزُّرقاني على مختصر خليل ومعه: الفتح الرباني فيما نهل عنه الزرقاني، عبد الباقي بن يوسف بن أحمد الزرقاني، ضبطه وصححه وخرج آياته: عبد السلام محمد أمين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1422 هـ./ 2002، 7/ 91 - 92.
(6)
انظر: الوسيط في المنهب، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي، 4/ 262، وروضة الطالبين وعمدة المفتين، النووي، 4/ 415.
الحكم معتبر حتى في حالة ما إذا أجر الموقوف بأقل من أجرة المثل وكان الناظر من الموقوف عليهم؛ لأن المؤجر إذا كان من المستحقين جاز له الإيجار بأقل من أجرة المثل عند الشافعية
(1)
، أما إذا أجَّر الناظر باعتباره متوليا ثم طرأت هذه الزيادة أو ظهر من يطالب بها؛ فإن العقد لا يتأثر بذلك على أصح الأقوال عندهم، ويعللون ذلك بأن العقد قد جرى بالغبطة في وقته
(2)
، وبه أفتى الإمام النووي، وعنده أن العقد لا ينفسخ ولا يجوز للناظر ولا لغيره فسخه؛ سواء زيد فيه الثلث أو أكثر
(3)
.
ومقابل أصح الأقوال هناك قولان: القول الأول منهما مفاده أن العقد ينفسخ الوقوعه مخالفًا للمصلحة والغبطة في وقته؛ لا سيما إذا كان طالب الزيادة ثقة وكانت الزيادة معتدًا بها، وهو رأي ابن الصلاح
(4)
، والقول الثاني أنه إذا كانت الإجارة السنة فما دونها فإن العقد لا يتأثر، وإذا كانت أكثر فالزيادة مردودة
(5)
.
ويرى فقهاء الإمامية أنه لو أجر الناظر مدة فزادت الأجرة فيها أو ظهر طالب بالزيادة لم ينفسخ العقد؛ لأنه جرى بالغبطة في وقته، إلا أن يكون في زمن خياره؛ فيتعيَّن الفسخ حينئذ
(6)
.
(1)
انظر: تحفة المحتاج في شرح المنهاج، أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي، 6/ 294، والتكملة الثانية - المجموع - شرح المهذب، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، المكتبة السلفية، المدينة المنورة، د. ط، د. ت، 15/ 366.
(2)
انظر: روضة الطالبين وعمدة المفتين، النووي، 4/ 415، ونهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، الرملي، 5/ 400، وتحفة المحتاج في شرح المنهاج، أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي، 6/ 294، ومغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، شمس الدين، محمد بن أحمد الخطيب الشربيني الشافعي، 2/ 395.
(3)
انظر: فتاوى الإمام النووي المسماة بـ "المسائل المنثورة"، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، ترتيب: تلميذه الشيخ عَلَاء الدِّين بن العَطّار، تحقيق وتعليق: محمَّد الحجَّار، دَارُ البشائر الإسلاميَّة، بيروت، ط 2، 1417 هـ./ 1996 م، 82.
(4)
انظر: الوسيط في المذهب، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي، 4/ 262، وفتاوى ابن الصلاح، أبو عمرو تقي الدين عثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن الصلاح، تحقيق: د. موفق عبد الله عبد القادر، مكتبة العلوم والحكم، عالم الكتب، بيروت، ط 1، 1407 هـ، 1/ 380.
(5)
انظر: روضة الطالبين وعمدة المفتين، النووي، 40/ 415.
(6)
انظر: رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدلائل، الطباطبائي، 10/ 130.
القول الثاني: إن هذا العقد يفسخ ويعقد ثانية بالأجرة الزائدة للمستأجر الأول إذا رغب في ذلك؛ لأنه أحق من غيره أو لغيره إذا لم يقبل الزيادة، وإلى هذا ذهب القول الأصح عند الحنفية؛ لأن عقد الإجارة عندهم ينعقد وقتًا فوقتًا؛ إذ إن المعقود عليه فيه هو المنفعة وهي توجد وقتًا فوقتًا، ولأن من مصلحة الوقف فسخ الإجارة، ولا ضرر على المستأجر؛ لأنه لم يلزم بأكثر من أجرة المثل، وقال الحنفية: إذا زادت أجرة المثل فإذا كانت الزيادة قد حصلت بقصد الإضرار بالمستأجر؛ فلا يعتد بهذه الزيادة ما دامت المدة باقية؛ لأنها زيادة غير مشروعة، وتبقى الأجرة كما هي وقت إبرام العقد
(1)
، أما إذا كانت قد حصلت لكثرة الرغبة في المستأجر وزيادته في ذاته؛ فإن المسألة تختلف عما إذا كان منشأ الرغبة البناء أو الغرس أو الأعمال التي استحدثها المستأجر لنفسه في الوقف، بحيث لو أُزيلت المستحدثات فإنها لن تؤجر إلا بالأجرة الأولى، فإنه هنا لا يعتد بالزيادة؛ لأن منشأها ملك للمستأجر لا للوقف
(2)
.
ولكن إذا كان منشأ الرغبة يرجع إلى الوقف ذاته مثل كثرة الحاجة إلى هذا الوقف؛ فإن فقهاء الحنفية قد افترقوا في هذه المسألة إلى فريقين
(3)
:
1 -
الفريق الأول: يرى أن هذه الزيادة لا يُعتد بها؛ فما دام عقد الإجارة قد انعقد صحيحًا فالمعتبر أجرة المثل وقت إبرام العقد، وتكون الإجارة بانعقادها صحيحة لازمة طول مدتها، فلا يضرها تغيُّر الأجرة بزيادة أو نقصان؛ ولأن المستأجر ملك المنفعة في مدة الإجارة بالأجر المسمى، فلا وجه بطلب الزيادة منه.
(1)
انظر: حاشية رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 6/ 610، والفتاوي الخيرية لنفع البرية خير الدين الرملي، 1/ 212، مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، عبد الرحمن بن محمد بن سليمان المدعو بشيخي زاده، يعرف بداماد أفندي، دار إحياء التراث العربي، د. ت، 1/ 750.
(2)
انظر: حاشية رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 6/ 610، والفتاوي الخيرية لنفع لبرية، خير الدين الرملي، 1/ 188.
(3)
انظر: حاشية رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 6/ 610، والعقود الدرية في نقيح الفتاوي الحامدية، ابن عابدين، 1/ 211.
2 -
الفريق الثاني: يرى أن للناظر حق لفسخ، حيث إن الإجارة تعقد وقتًا فوقتًا؛ إذ إن المعقود عليه فيها هو المنفعة وهي توجد وقتًا فوقتًا، ولذا فإن من مصلحة لوقف فسخ الإجارة ولا ضرر على المستأجر؛ لأنه لم يلزم بأكثر من أجرة المثل؛ ولذلك فإنه إن لم تفسخ الإجارة فإنه يكون لى المستأجر المسمى فقط، فإن امتنع الناظر من الفسخ فسخه القاضي، ويعلم القاضي بالزيادة بقول عدلين من أهل البصر الأمانة عند محمد بن الحسن، أما القاضي وأبي حنيفة فإنه يكتفي عندهما بقول العدل الواحد فقط.
ولذلك فإنه قبل الفسخ يُخيّر الناظر المستأجر بين قبول الزيادة وبين الفسخ فإن قبلها فلا فسخ ما دامت المدة باقية، ولقد زال العارض الذي سوَّغ الفسخ قبول المستأجر للزيادة؛ ولذلك يسقط حق الفسخ
(1)
.
أما إذا امتنع عن قبول الزيادة فإنه ينظر إلى المستأجَر؛ فإن كان غير مشغول بالمؤجر يفسخ العقد ويؤجر لغيره، وإن كان مشغولًا به وكان لعمله الذي يشغله فيه نهاية معلومة؛ فلا يفسخ العقد بل ننتظر نتهاء العمل هذا، مثل إذا كان يزرع الأرض المؤجرة فإننا ننتظر وقت الحصاد؛ فيحصد زرعه وتضاف إليه الزيادة في الأجرة من وقت حصولها إلى وقت الحصاد، ثم يفسخ عقد الإجارة وتؤجر الأرض لمن يدفع أجر المثل، أما إذا لم يكن للعمل نهاية معلومة لا يفسخ العقد، بل يترك المستأجَر في يده إلى نهاية مدة الإجارة، ولكن تضاف إليه الزيادة من وقت حصولها إلى انتهاء المدة
(2)
.
والقاضي لا يبتدئ بالفسخ إلا إذا امتنع الناظر عن ذلك؛ إذ إن الناظر هو من له حق الفسخ وهو الذي يرفع الأمر إلى القاضي، يفسخ العقد بحضور المستأجِر أمام القاضي، ودور القاضي ليس سوى إمضاء ذلك الفسخ، ويحكم به مع العلم بالخلاف، أما ذا امتنع الناظر فإن القاضي عندئذ يبتدئ بالفسخ ويحكم به
(3)
.
(1)
انظر: العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية، ابن عابدين، 1/ 174 و 2/ 101، وحاشية رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 6/ 611.
(2)
انظر: حاشية رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 6/ 593 و 610.
(3)
انظر: الفتاوى الطرسوسية (أو أنفع الوسائل إلى تحرير المسائل)، الطرسوسي، 177.
ولا يوجد في المحلَّى للإمام ابن حزم الظاهري نص واضح في هذه المسألة، إلا ما ورد كأصل عام في المسألة (1326)، عندما نصَّ على أنه "لا تجوز الإجارة إلا بمضمون مسمى محدود في الذمَّة، أو بعينٍ معيَّنة متميزة معروفة الحد والمقدار، وأن العقود المقتضى بها لا تكون إلا بمعلوم"
(1)
.
وعند الزيدية: فإن شرط صحة عقد الإجارة وجود مصلحة تتحقق به، ومثلَّوا لذلك بالمدة القصيرة وغيرها، فإن لم تكن هناك مصلحة محققة للوقف من الشرط فإن الإجارة تكون فاسدة من أصلها، كما ورد في شرح الأزهار، وهو من الكتب المعتبرة في فقه الزيدية
(2)
، وهذا أصل عام في المسألة.
(1)
انظر: المحلى بالآثار، ابن حزم الظاهري، 7/ 32.
(2)
انظر: شرح الأزهار (المنتزع المختار من الغيث المدرار)، ابن مفتاح، 3/ 497 - 498.