الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - المنازعة بين المتولي والقاضي:
للقاضي محاسبة الناظر سواء اتهمه أم لم يتهمه؛ لأنه ناظر عام يرعى شؤون الأوقاف، ويشرف عليها ويرقب أعمال النظار والمتولين
(1)
.
ولقد اختلف الفقهاء في كيفية محاسبة القاضي للناظر وقبول قوله على ثلاثة أقوال:
القول الأول: للحنفية
(2)
والمالكية
(3)
، حيث فرقوا بين كون الناظر أمينًا وبين كونه غير أمين.
فقال الحنفية: لو كان أمينًا معروفا بذلك اكتفى القاضي منه بالإجمال في بيان تصرفاته في الوقف وكيفية صرف الغلة، ومصارف الوقف المختلفة، من غير أن يجبره على التفصيل، ويقبل قوله بلا بينة في صرف غلة الوقف فيما لا يكذبه الظاهر
(4)
، ثم
(1)
انظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق، ابن نجيم، 5/ 262 - 263، وتحفة المحتاج بشرح المنهاج، أحمد بن حجر الهيتمي، 6/ 292، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، المرداوي، 7/ 68. ولقد وضع المشرع في القانون المدني قواعد عامة لحماية جميع التصرفات القانونية التي يكون الوقف طرفًا فيها، كما في صورة إمكانية طلب إبطال أي تصرف قانوني إذا تضمن غبنًا، ومنع التصرف الموجب لنقل ملكية الوقف كالبيع والرهن والهبة والتصالح
…
فلو فعل الناظر شيئا من هذا القبيل كان تصرفه باطلًا، انظر: محاضرات في الوقف، الشيخ محمد أبو زهرة، دار الثقافة العربية للطباعة، الناشر دار الفكر العربي، ط 2، 1971 م، 72، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد عرفة الدسوقي، 4/ 99 - 70، وشرائع الإسلام، المحقق الحلي، 2/ 212 والغبن، جبر جاسم اليعقوب، جامعة الكويت، الكويت، 1987 م، 208، ومنع كذلك من تأجير المتولي الوقف لنفسه أو لزوجه أو لأحد أصوله أو فروعه وهو مذهب أبي حنيفة، وذهب الصاحبان إلى جواز تأجيره للزوجة أو الأصول أو الفروع بأجر المثل، وهو ما ذهب إليه القانون المدني المصري، المادة 630، وإليه ذهب القانون الكويتي في المادة 641 منه، ومن هذا القبيل حيازة الوقف فلا يعتد بها، يلاحظ المادة 906 من القانون المدني الكويتي.
(2)
انظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق، ابن نجيم، 5/ 292 - 263.
(3)
انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد عرفة الدسوقي، 4/ 89، ومواهب الجليل شرح مختصر خليل، أبو عبد الله محمد الحطاب، 6/ 40.
(4)
انظر: رد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين)، ابن عابدين، 3/ 425، والعقود الدرية في تنقيح الفتاوي الحامدية، ابن عابدين، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي، 1/ 201 و 227.
فصّلوا في قبول قول الناظر في حالة الإنكار بين إنكار المستحقين الصرف لهم وبين إنكار أرباب الوظائف الصرف لهم. فلو ادعى الصرف على المستحقين قبل قوله بلا بينة، وهل يحتاج إلى يمين، ذهب بعض الحنفية إلى ذلك، والأكثر على عدم تحليفه
(1)
.
ولو ادعى الصرف على أرباب الوظائف، فلقد اختلف في قبول دعواه على قولين؛ القول الأول: قبول دعواه لأنه أمين
(2)
، وهو قول أغلب الحنفية. القول الثاني: وهو أنه لا يقبل قوله لأن ما يأخذه أرباب الوظائف من قبيل الأجرة. وهو قول أبو السعود
(3)
.
ولقد ذكر الحنفية حالة يحلف فيها الناظر الأمين، وهي ما فيما لو اتهمة القاضي، وهو يحلفه على كل حال سواء ادعى عليه شيئا معلومًا أو غير معلوم
(4)
.
وإذا كان الناظر غير أمين فإن القاضي لا يكتفي منه بالإجمال ويجبره على تقديم حساب بالتفاصيل، فإن امتنع أو ماطل هدده وخوفه، فإن قدم الحساب وإلا اكتفى القاضي منه باليمين
(5)
، ولقد ذكر الحنفية حالات يطالب فيها الناظر بالبنية ولا يكتفي فيها بمجرد قوله أو يمينه؛ وهي:
(1)
انظر: رد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين)، ابن عابدين، 3/ 625، والعقود الدرية في تنقيح الفتاوي الحامدية، ابن عابدين، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي، 1/ 201.
(2)
انظر: الأشباه والنظائر، زين الدين بن نجيم، 275، ورد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين)، ابن عابدين، 3/ 425.
(3)
انظر: الأشباه والنظائر، زين الدين بن نجيم، 275، ورد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين)، ابن عابدين، 3/ 425، والعقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية، ابن عابدين، محمد آمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي، 1/ 202 - 203.
(4)
قال البعض: إنه يحلفه إذا ادعى عليه ما هو معلوم فقط. انظر: رد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين)، ابن عابدين، 3/ 425، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق، ابن نجيم، 5/ 292، ويلاحظ الحالات التي يحلفه فيها القاضي على مجهول في: رد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين)، ابن عابدين، 3/ 25 و 4/ 448.
(5)
انظر: رد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين)، ابن عابدين، 3/ 425 و 4/ 448، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق، ابن نجيم، 5/ 292، والعقود الدرية في تنقيح الفتاوي الحامدية، ابن عابدين، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي، 1/ 227.
1 -
إذا ظهرت خيانته فإنه لا يصدق قوله ولو بيمينه
(1)
.
2 -
إذا ادعى الناظر أمرًا يكذبه الظاهر، فلا يصدق قوله ولو بيمينه
(2)
.
3 -
إذا اتصف بما يخالف الشرع من الصفات كما لو ظهر فسقه فلا يقبل قوله إلا ببينة
(3)
.
4 -
إذا كان الناظر مفسدًا مبذرًا، وبه أفتى أبو السعود
(4)
.
وذهب المالكية إلى أن اشتراط الواقف في أصل الوقف أن لا يصرف الناظر شيئًا إلا بمعرفته، فإن الناظر لا يصدق فيما ادعاه من صرف الغلة وإن كان أمينًا إلا ببينة عملًا بشرط الواقف، فإن لم يشترط الواقف ذلك، فإن الناظر يصدق بلا يمين فيما ادعاه من صرف الغلة إن كان أمينًا، فإن لم يكن أمينًا أو اتهمه القاضي فإنه لا يصدق إلا بيمين
(5)
.
القول الثاني: للشافعية الذين فرقوا بين كون الموقوف عليهم معينين، وبين كونهم غير معينين فلو ادعى الناظر صرف الغلة لهم وكانوا معينين فلا يصدق، والقول قولهم في عدم الصرف، ولهم مطالبته بالحساب قولًا واحدًا.
وإن كانوا غير معينين، فإنه يصدق في دعوى الصرف، وللقاضي مطالبته في أوجه الوجهين وإن اتهمه حلفه
(6)
.
(1)
انظر: رد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين)، ابن عابدين، 3/ 425.
(2)
انظر: المرجع السابق، 3/ 425.
(3)
انظر: المرجع السابق، 3/ 526، والعقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي، 1/ 201.
(4)
انظر: رد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين)، ابن عابدين، 3/ 425.
(5)
انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد عرفة الدسوقي، 4/ 89، ومواهب الجليل شرح مختصر خليل، أبو عبد الله محمد الحطاب،6/ 40.
(6)
انظر: مغني المحتاج شرح المنهاج، محمد الشربيني، 2/ 396، وتحفة المحتاج بشرح المنهاج، أحمد بن حجر الهيتمي، 6/ 292.
القول الثالث: للحنابلة حيث ذهبوا إلى أنه إذا اختلف الناظر مع المستحقين في الصرف لهم، كأن يدعي أنه دفع لهم ما يستحقونه من غلة الوقف وهم ينكرون ذلك، فالحكم أنه يفرق في محاسبة الناظر بين كونه متبرعًا وبين كونه غير متبرع، وعلى الأول فالقول قوله مع يمينه، وعلى الثاني لا يُقبل قوله إلا ببينة.
وعلّلوا للأول بأنه قبض المال لنفع مالكه فقط فيُقبل قوله؛ كالوصي والمودع المتبرع، وعللوا للثاني بأنه قبض العين لحظة، فلا تقبل دعواه إلا ببينة
(1)
.
أما عن محاسبتهم له فيما يتم قبضه وصرفه من غلات الوقف، وكذا محاسبة الدولة له في ذلك، فمذهب الحنابلة هو أن لأهل الوقف مساءلته عما يحتاجون إلى علمه من أمر وقفهم، وإن كانت بعض كتب الحنابلة قيدت هذه المساءلة بكونها في حالة اتهام الناظر.
أما عن محاسبة الدولة للناظر، فمذهبهم أن لولي الأمر ذلك إذا رأى فيه مصلحة وقد يكون واجبا عليه
(2)
.
ولقد قرر قانون الوقف المصري مسؤولية الناظر جنائيًا إذا اختلس مالًا من أموال الوقف أو بدده أو أساء استعماله؛ لأن يده يد وكالة عن المستحقين فتسري عليه أحكام الوكيل ويُسأل جنائيًا عن فعله
(3)
، ولا يُقبل قوله في الصرف وفي تسليم الغلة للمستحقين إلا بسند كتابي، ولو مات مجهلا مالًا ضمن من تركته، وكان ورثته مسئولين عنه، ولو قصر في المحافظة على أعيان الوقف أو غلته ضمن، ولم يستثن القانون من ذلك إلا حالتين:
(1)
انظر: كشاف القناع عن متن الإقناع، البهوتي، 3/ 485 و 4/ 269.
(2)
انظر: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، المرداوي، 7/ 68، وكشاف القناع عن متن الإقناع، البهوتي، 4/ 277، والفتاوى الكبرى، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، دار الكتب العلمية، ط 1، 1408 هـ / 1987 م، 4/ 283 - 284، والفروع، ابن مفلح، 4/ 599.
(3)
طبقًا للمادة 261 من قانون العقوبات.