الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول الثاني: عدم اعتبار اليمين طريقًا من طرق القضاء، بمعنى أنه لو حلف المدعى عليه فإن ذلك لا يبطل حق المدعي في إقامة دعوى جديدة عند ظهور البينة، وبهذا قال فقهاء الحنفية، والشافعية، ووافقهم الحنابلة على ذلك بشرط أن تكون هذه البينة وقت الحلف بعيدة عن المدعي، أو كان لا يمكنه إحضارها، أو لا يريد إقامتها، أو كانت حاضرة ولم يرد إقامتها، حيث إن هذه البينة تسمع في هذه الأحوال، ويجب على القاضي الحكم بمقتضاها.
أما لو كان للمدعي بينة حاضرة، وطلب يمين المدعي عليه، ثم إقامة البينة بعد ذلك، فإنه لا يملك استحلاف المدعي عليه في هذه الحالة عند الحنابلة في وجه
(1)
.
2 - معنى النكول:
هو في الاصطلاح الامتناع عن اليمين إذا وجهت من القاضي إلى المدعى عليه المنكر بناء على طلب المدعي
(2)
.
ولقد اختلف العلماء في حجية النكول؛ كاختلافهم في حجية اليمين، وتنازعوا في اعتباره طريقًا للإثبات أو لا وذلك على أربعة أقوال:
القول الأول: النكول إن كان في دعوى المال، أو ما يقصد منه المال فهو طريق من طرق الإثبات
(3)
، فيحكم على المدعى عليه إذا نكل عن اليمين الموجهة إليه إذا طلبها
(1)
انظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، فخر الدين الزيلعي، 4/ 296، ومغني المحتاج شرح المنهاج، محمد الشربيني، 4/ 577، وشرح منتهى الإرادات، البهوتي، 2/ 679، والمغني، ابن قدامة، 10/ 201 - 202.
(2)
انظر: الفقه المقارن، حسن أحمد الخطيب، مطبعة دار التأليف، مصر، 1957 م، 352.
(3)
أما دعوى غير المال؛ كالقصاص والسرقة، فمذهب الحنفية فيه تفصيل؛ لأن القصاص إما أن يكون في النفس أو ما دونها، فإن كان في النفس، فمذهب أبي حنيفة أن المدعي عليه إذا نكل عن اليمين، فإن القاضي لا يقضي فيه بالنكول فلا يحكم عليه بالقصاص ولا بالمال، ولكن يحبسه حتى يقر أو يحلف أبدًا، وإن كان فيما دون النفس، فإن القاضي يحكم بالقصاص في العمد وبالدية في الخطأ، وعند الصاحبين: إن كان في النفس أو فيما دونها، لا يقضي القاضي بالقصاص فيهما، ولكن يقضي بالأرش والدية، وفي دعوى السرقة، إن نكل السارق ضمن المال ولم يقطع. أما مذهب الحنابلة في دعوى غير المال، =
المدعي في مجلس القضاء، وهذا مذهب الحنفية، وإحدى روايتين عن أحمد في الصحيح عنه وهو الذي اختاره أتباعه
(1)
، وهو الراجح من مذهب الإمامية
(2)
.
واستدلوا له بجملة أخبار؛ منها الخبر السابق عن النبي صلى الله عليه وسلم: "البينة على المدعي، واليمين على المنكر"، بتقريب أنه صلى الله عليه وسلم قسم الحجة، فجعل البينة في جانب المدعي واليمين في جانب المنكر، والقسمة تنافي الشركة
(3)
، مضافًا إلى ما ورد منه عن الصحابة في أقضيتهم، وهو كثير.
القول الثاني: ذهب المالكية إلى أن القضاء بالنكول على المدعي عليه، فيه تفصيل بيانه فيما يأتي:
= كالقصاص في النفس وما دونها، فالمذهب عندهم أنه لا يقضي على المدعي عليه بالنكول، وفي رواية عن أحمد، يقضي عليه بالنكول فيما دون النفس، ويترتب على القول بالمذهب أنه يخلي سبيله في وجه، وفي وجه آخر: يحبس حتى يقر أو يحلف. انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، علاء الدين الكاساني، 6/ 230، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، فخر الدين الزيلعي، 4/ 294 - 296 و 299، والعناية شرح الهداية، أكمل الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمود بن الشيخ شمس الدين بن الشيخ جمال الدين الرومي البابرتي، 8/ 176 وما بعدها، والمغني، ابن قدامة، 10/ 211 - 212، ومطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، مصطفى بن سعد بن عبده الدمشقي الحنبلي، 6/ 650 - 651، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، المرداوي، 12/ 84، وكشاف القناع عن متن الإقناع، البهوتي، 6/ 338.
(1)
انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، علاء الدين الكاساني، 6/ 230، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، فخر الدين الزيلعي، 4/ 294 - 296 و 299، والعناية شرح الهداية، أكمل الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمود بن الشيخ شمس الدين بن الشيخ جمال الدين الرومي البابرتي، 8/ 176 وما بعدها، والمغني، ابن قدامة، 10/ 211 - 212، ومطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهي، مصطفى بن سعد بن عبده الدمشقي الحنبلي، 6/ 650 - 651، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، المرداوي، 12/ 84، وكشاف القناع عن متن الإقناع، البهوتي، 6/ 338.
(2)
انظر: شرائع الإسلام، المحقق الحلي، 2/ 212.
(3)
انظر: البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار، أحمد بن المرتضي، 4/ 411، وسبل السلام، الصنعاني، 4/ 136.
• أن نكول المدعي عليه عن اليمين، إما أن يكون في دعوى المال أو فيما يئول إليه المال أو لا
(1)
: فإن كان النكول في دعوى المال أو ما يئول إليه، فلا تخلو الدعوى من أن تكون دعوى تحقيق أو دعوى اتهام
(2)
.
• فإن كانت دعوي تحقيق، فإن القاضي لا يحكم للمدعي بما ادعاه على المدعي عليه بنكوله حتى يحلف المدعي، فإن لم يحلف سقط حقه، وإن كانت الدعوى دعوى اتهام، فإن القاضي يحكم عليه بمجرد نكوله في المشهور، ولا ترد اليمين على المدعي (الطالب).
• أما إن كان نكول المدعي عليه في الدعاوي التي ليست بمال ولا فيما يؤول إليه المال، فإنه يحبس حتى يقر أو يحلف، ولا ترد اليمين على المدعي، ولم يحكم عليه بما يدعيه
(3)
.
(1)
دعوى المال وما يئول إليه هي: كل دعوى تثبت بشاهد وامرأتين، أو أحدهما مع اليمين كأجل وخيار، وشفعة، وإجارة وغير ذلك، وهذه الدعوى تتوجه فيها اليمين إلى المدعي عليه بمجردها، أما دعوي ما ليس بمال ولا آيل له؛ فهي: كل دعوى لا تثبت إلَّا بعدلين؛ كالعتق والرجعة، والكتابة والطلاق، والعفو عن القصاص والرجعة والاستلحاق، والإسلام والردة .. ونحو ذلك، وهذه الدعوى لا توجه فيها اليمين إلى المدعي عليه بمجرد رفعها، بل حتى يقيم عليها شاهدًا واحدًا، فيحلف المدعي عليه لرد شهادته، فإن حلف ترك، وإن نكل حبس، وإن طال حبسه دين، أي خلي بينه وبين والمدعي، ولا ترد اليمين على المدعي. انظر: شرح الخرشي على مختصر خليل، محمد الخرشي، 7/ 161 و 199 - 202 و 217 و 241، وحاشية العدوي على شرح الخرشي، العدوي، مطبوعة على هامش الخرشي، 7/ 161 - 162 و 199 و 217، والفواكه الدواني، النفراوي، 3/ 220 - 221، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد عرفة الدسوقي، 4/ 151 - 152.
(2)
دعوى التحقيق هي: كل دعوي يدعي فيها الطالب بمعلوم محقق كأن يقول: أتحقق أن لي عندك دينارًا، أو ثوبًا صفته كذا .... أما دعوى الاتهام، فهي كل دعوى بمعلوم غير محقق، كأن يتهم شخصًا بسرقة مال مثلًا. شرح الخرشي على مختصر خليل، محمد الخرشي، 7/ 241، وحاشية العدوي على شرح الخرشي، العدوي، مطبوعة على هامش الخرشي، 7/ 241، والفواكه الدواني، النفراوي، 2/ 221 - 222.
(3)
انظر: شرح الخرشي على مختصر خليل، محمد الخرشي، 7/ 161 و 214 و 241، وحاشية العدوي على شرح الخرشي، العدوي، مطبوعة على هامش الخرشي، 7/ 161 - 162 و 214 و 241، والفواكه الدواني، النفراوي، 2/ 220 - 223، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد عرفة الدسوقي، 4/ 151 - 152 و 231 - 232.
القول الثالث أن النكول وحده لا يعتبر طريقًا، بل لا بد من يمين المدعي، فإن حلف، قضي له، وإن نكل لا يقضي له بشيء وردت دعواه لأن نكول المدعى عليه يحتمل أن يكون لأجل اشتباه عنده، أو لأجل التورع عن اليمين الكاذبة أو الترفع عن اليمين الصادقة، وهو مذهب الشافعي
(1)
ومالك
(2)
، وصوبه أحمد
(3)
، وهو أحد الرأيين عند الإمامية
(4)
، وعمدة ما استدل به هؤلاء هو ما روي من أن النبي صلى الله عليه وسلم رد اليمين على طالب الحق
(5)
.
وهو رأي الإباضية، فقد جاء في المصنف: في المدعى عليه الجراحة، إذا ردّ اليمين على المدّعي، فحلف؛ فلا أرى على المدّعى عليه قصاصًا، وإنما يلزمه الأرش، ولا أرى عليه تعزيرًا؛ ما لم تقم عليه بذلك الجرح، بيّنة عدل، أو يقرَّ له: أنَّه جرحه
(6)
.
القول الرابع: أنه لا يقضى للمدعي بنكول المدعى عليه، ولا ترد اليمين على المدعي، بل يجبر المدعى عليه على اليمين، وهو مذهب الظاهرية
(7)
، ورأي الزيدية
(8)
.
قال في المحلى: "فإن لم يكن للطالب بينة وأبى المطلوب من اليمين أجبر عليها، أحب أم كره، ولا يقضى عليه بنكوله في شيء من الأشياء أصلًا، ولا ترد اليمين على طالب البينة"، واستدل له: بعدم وجود دليل من القرآن ولا من السنة ولا من الإجماع على القضاء بالنكول ولا باليمين المردودة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال:"بينتك أو يمينك، ليس لك إلَّا ذلك"، قال في المحلى: "فصح يقينًا أنه لا يجوز أن يعطى المدعي بدعواه دون
(1)
انظر: مغني المحتاج شرح المنهاج، محمد الشربيني، 4/ 477.
(2)
انظر: تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، ابن فرحون، 2/ 88.
(3)
انظر: الطرق الحكمية في السياسات الشرعية، ابن قيم الجوزية، 87.
(4)
انظر: شرائع الإسلام، المحقق الحلي، 2/ 212.
(5)
انظر: سبل السلام، الصنعاني، 4/ 146.
(6)
انظر: المصنف، أبو بكر أحمد بن عبد الله بن موسى الكندي، وزارة التراث القومي والثقافة سلطنة عمان، 16/ 509.
(7)
انظر: المحلى، ابن حزم، 9/ 37.
(8)
انظر: سبل السلام، الصنعاني، 4/ 136.