الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مما تقدم يمكن تعريف توثيق الوقف بأنه: "إثبات عقد الوقف، وإحكامه بواسطة جملة من الإجراءات بطرائق مخصوصة على وجه يحتج به أمام القضاء يمنع من ديمومته أو التصرف في عينه ومنفعته في غير الوجه الشرعي له، أو الاعتداء عليه".
ثانيًا: مشروعية توثيق الوقف:
ثبتت مشروعية توثيق الوقف بالكتاب والسنة والمعقول، وذلك على النحو الآتي:
أ - قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}
(1)
، وقال تعالى:{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ}
(2)
، وقال عز وجل:{وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ}
(3)
.
وجه الدلالة: قال ابن الجوزي في تفسير الآية الكريمة: "والمعنى إذا كان لبعضكم على بعض دين إلى أجل مسمى فاكتبوه، فأمر الله تعالى بكتابة الدين، وبالإشهاد حفظًا منه للأموال وللناس من الظلم لأن من كانت عليه بينة قلت تحديثه لنفسه بالطمع في إذهابه
(4)
.
ويقاس على توثيق الدين بالكتابة، توثيق الوقف بالكتابة أيضًا بجامع حفظ الحق في كل، ولما كان توثيق الوقف بالكتابة نوع من أنواع التوثيق ثبتت مشروعية التوثيق للوقف عمومًا.
ب - قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}
(5)
.
وجه الدلالة: يأمر الحق تبارك وتعالى بتوثيق الدين في السفر بالرهان حفاظًا عليه، ويقاس على توثيق الدين في السفر بالرهن المقبوض توثيق الوقف بالرهن أيضًا، بجامع الحفاظ على الحق في كل، ولما كان التوثيق الرهن المقبوض نوعًا من أنواع التوثيق كان ذلك دالا على مشروعية توثيق الوقف عمومًا.
(1)
سورة البقرة، جزء من آية 282.
(2)
سورة البقرة، جزء من آية 282.
(3)
سورة البقرة، جزء من آية 282.
(4)
زاد المسير في علم التفسير، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي تحقيق عبد الرزاق المهدي، نشر دار الكتاب العربي، بيروت، ط 1، 1422 هـ، 1/ 250.
(5)
سورة البقرة، آية 283.
ج - قوله تعالى: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ}
(1)
(2)
.
وجه الدلالة في الآيتين الكريمتين: يندب الحق تبارك وتعالى إلى توثيق دفع المال إلى اليتامى بالشهادة، وكذلك في توثيق الطلاق، ويقاس عليهما توثيق الوقف الشهادة بجامع حفظ الحق في كل، وإذا كانت الشهادة أحد أنواع التوثيق للوقف، فيقاس عليها سائر أنواع التوثيق للوقف، فتكون مشروعة أيضًا.
د - ومن السنة قول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده".
نقل النووي عن الشافعي أنه قال: "معنى الحديث ما الحزم والاحتياط للمسلم إلا أن تكون وصيته مكتوبة عنده"، ثم قال:"ويستحب تعجيلها، وأن يكتبها في صحته، ويشهد عليه فيها: ويكتب فيها ما يحتاج إليه"
(3)
.
ويقاس على مشروعية توثيق الوصية، مشروعية توثيق الوقف بجامع حفظ حق العبد وحق الله في كل.
هـ - ومن السنة أيضًا ما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن سعد بن عبادة رضي الله عنه توفيت أمه وهو غائب، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن أمي توفيت وأنا غائب عنها، فهل ينفعها شيء إن تصدقت به عنها؟ قال: نعم، قال: فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عليها
(4)
.
(1)
سورة النساء، آية 6.
(2)
سورة الطلاق، آية 2.
(3)
شرح على صحيح مسلم، يحيى بن شرف النووي، طبعة المطبعة المصرية، القاهرة، ط 1، 1349 هـ. 11/ 75.
(4)
هذا الحديث أخرجه البخاري 3/ 1013، رقم 2605، وأمه: عمرة بنت مسعود، وحائطي: هو البستان من النخل إذا كان له جدار، والمخراف: اسم لحائطه، والمخراف: الشجرة، وقيل ثمرها، ويسمى مخرافا لأنَّهُ يخترف منه؛ أي يجتني.
وجه الدلالة: قول سعد بن عبادة: "أشهدك" نص في توثيق الوقف بالإشهاد عليه، ولذلك وضع البخاري بابًا لذلك وعنونه بقوله:"باب الإشهاد في الوقف والصدقة"
(1)
؛ فدل ذلك على مشروعية توثيق الوقف بالشهادة، مع الإقرار به، ويقاس عليهما سائر طرق التوثيق.
و - ومن السنة أيضًا ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أصاب عمر بخيبر أرضا، فأتى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: أصبت أرضًا لم أصب مالًا قط أنفس منه، فكيف تأمرني به؟ قال:"إن شئت حبّست أصلها، وتصدقت بها"، فتصدق عمر: أنه لا يباع أصلها، ولا يوهب، ولا يورث، في الفقراء، والقربى، والرقاب، وفي سبيل الله، والضيف، وابن السبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقًا غير متمول فيه
(2)
.
وقد يدل البخاري لهذا الحديث بعنوان "الوقف كيف يكتب؟ "
(3)
ويتأكد ذلك من رواية أبي داود رحمه الله تعالى للحديث، عن يحيى بن سعيد عن صدقة عمر بن الخطاب، قال: نسخها لي عبد الحميد بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به عبد الله أمير المؤمنين إن حدث به حدث
…
(4)
، فدل على مشروعية كتابة الوقف والإشهاد عليه.
ز - المعقول: أن الله تعالى أمر بحفظ الأموال وعدم إضاعتها، وهذا يوجب كتابتها لتبقى مصونة لأصحابها، مع احتمال النسيان، والاختلاف، والجحود، والنكران
(5)
.
(1)
صحيح البخاري، كتاب الوصايا، باب الإشهاد في الوقف والصدقة، 3/ 1015 وكرر الحديث السابق برقم 2611.
(2)
هذا الحديث أخرجه البخاري (3620) وصحيح مسلم (1622).
(3)
صحيح البخاري (2620) كتاب الوصايا، باب الوقف كيف يكتب؟
(4)
سنن أبي داود 2/ 105 كتاب الوصايا، باب ما جاء في الرجل يوقف الوقف.
(5)
انظر لسان الحكام في معرفة الأحكام إبراهيم بن محمد المعروف بابن الشحنة الحلبي، مطبعة جريدة البرهان، الإسكندرية 1299 هـ، 26.