الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعند الزيدية: إذا أجر المُصرِف وقفًا يرجع بعد موته إلى من بعده بالوقف؛ فإنه يبطل تأجير الأول بموته، أما إذا كان المؤجر المتولي للوقف؛ فلا تنفسخ الإجارة بموته
(1)
.
السبب الثاني: السبب التعاقدي:
ويتحقق بانقضاء مدة عقد الإجارة: فعقد إجارة الوقف من العقود التي لابد أن تكون لمدة معلومة، وأن العقد عندما يضرب له أجل فإنه ينتهي بانتهاء أجله، ويتساوى في ذلك إجارة الملك وإجارة الأوقاف، وبناء على ذلك فإذا انتهت مدة الإجارة وجب على المستأجر تسليم الموقوف المؤجَّر إلى ناظر الوقف، ولكن عند انتهاء مدة الإجارة فإن الأمر لا يخلو من الآتي:
أولًا: أن يكون المستأجَر كما هو على حالته الأولى دون نقصان أو زيادة.
ثانيًا: أن يطرأ على المستأجر نقصان.
ثالثًا: أن يطرأ على المستأجر زيادة.
أما أولًا: فإن المستأجر يلتزم بتسليم العين المستأجرة إلى الناظر ولا يرجع أحدهما على الآخر بشيء؛ لأن ملك المنفعة قد انتهى بانتهاء مدته فلا يحق للمستأجر إبقاؤه تحت يده إلا بعقد جديد، ولا مقتضى لتغريم أحدهما شيئًا للآخر
(2)
.
أما ثانيًا: فإنه إذا نقص المستأجر عن حالته التي كان عليها وقت عقد الإجارة كما في حالة تعدي المستأجر على الوقف وهدمه فإنه يضمن، وهناك اتفاق على الضمان أو الإصلاح بالإعادة كما يتجلى من النظر في الآراء الفقهية المتعددة.
(1)
انظر: التاج المذهب لأحكام المذهب، أحمد بن قاسم العنسي اليماني الزيدي، 3/ 119.
(2)
انظر: المهذب في فقه الإمام الشافعي، أَبُو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت، 1/ 203 و 404، والفتاوي الهندية، لجنة علماء برئاسة نظام الدِّين البلخي، 4/ 416، والاختيار لتعليل المختار، مجد الدِّين أَبُو الفضل عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي البلدحي الحنفي، تعليق: الشيخ محمود أَبُو دقيقة (من علماء الحنفية ومدرس بكلية أصول الدِّين سابقًا)، مطبعة الحلبي - القاهرة (وصورتها دار الكتب العلمية، بيروت، وغيرها)، 1356 هـ/ 1937 م، 2/ 58.
فعند الحنفية أنه إذا كان النقصان قد تسبب في عدم إمكانية إعادة المستأجَر، كما إذا كانت العين المستأجرة شجرة وقد تم قلعها ولا يمكن إعادة غرسها؛ فإن الناظر ضامن لقيمة ما نقص ويصرف الضمان في عمارة الموقوف، لا بإعطاء القيمة إلى الموقوف عليهم؛ إذ إن القيمة المذكورة بدل عما نقص من الوقف، أما إذا كانت إعادته ممكنة فإن المستأجر يؤمر بإعادته إلى حالته الأولى كما كان سابقًا، محافظًا بذلك على الصفة التي كان عليها قبل النقصان، ولا يغير في هذه الصفة إلا إذا غيَّر لما هو أكثر نفعًا للوقف، ويكون الناظر في هذه الحالة متبرعًا بالزائد، فيبقى ما بناه على حالته لجهة الوقف ولا يُعطى له شيء مقابل ما أنفقه على عمارة الوقف، أما إذا لم يكن التغيير أنفع للوقف فإنه يؤمر بهدمه وإعادة العين إلى ما كانت عليه
(1)
.
والمالكية: يرون أن القيمة تلزم الناظر في هذه المسألة، وهو الرأي المعتبر في المذهب عندهم، فالواجب في الهدم القيمة؛ ملكًا كان المهدوم أم وقفًا عقارًا أو غيره، فيقوَّم الموقوف قائمًا ومهدومًا، ويؤخذ ما بين القيمتين، كما إذا قوَّم قائمًا بعشرة ومهدومًا بستة فما بينهما أربعة فيعطاها، والنقض باقٍ على الوقفية، وإن فوت النقص يلزمه قيمته بتمامه، وتجعل تلك القيمة في عقار مثله يُجعل وقفًا عوضًا عن المهدوم
(2)
.
ويرى الشافعية بأن النقص الذي لحق بالموقوف يضمنه المستأجر إذا كان متعديًا، أما إذا لم يكن متعديًا، بل جاء النقص بسبب الاستعمال العادي أو لآفة سماوية؛ فلا ضمان على المستأجر؛ لأن الإجارة من عقود الأمان
(3)
.
والحنابلة صرَّحوا بأن ما نقصه المستأجر من الوقف فإن عليه ضمانه مطلقًا
(4)
.
(1)
انظر: حاشية رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 6/ 667 - 668.
(2)
انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، مُحَمَّد بن أحمد بن عرفة الدسوقي، 4/ 92.
(3)
انظر: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، شمس الدِّين، مُحَمَّد بن أحمد الخطيب الشربيني الشافعي، 2/ 351.
(4)
انظر: مجموع الفتاوي، ابن تيمية، 30/ 246.
ولقد ذكر الظاهرية أن الإجارة جائزة في كل شيء له منفعة فيؤاجر لينتفع به ولا يستهلك عينه، ومن الإجارات ما لابد فيه من ذكر العمل دون المدة، ومنه ما لابد فيه من الأمرين معًا، وإلا كانت الإجارة مجهولة، وإذا كانت مجهولة فهي أكل مال بالباطل
(1)
، ولا ضمان على أجير مشترك أو غير مشترك، ولا على صانع أصلًا إلا ما ثبت أنه تعدى فيه أو أضاعه، والقول في كل ذلك ما لم تقم عليه بينةٌ قوله مع يمينه، فإن قامت عليه بينة بالتعدي أو الإضافة ضمن، وله في كل ذلك الأجر فيما أثبت أنه كان عمله، فإن لم تقم بينة حُلّفَ صاحب المتاع أنه ما يعلم أنه عمل ما يدعي أنه عمله، ولا شيء عليه حينئذٍ
(2)
.
وعند الزيدية: تنتهي إجارة الوقف بانتهاء مدة الإجارة، فشرط كل مؤجر ولايته وتعيينه ومدته أو ما في حكمها
(3)
، فإن أجر المتولي ثلاث سنين فأزيد كان ذلك محظورًا، وتبطل ولايته، ولا تصح الإجارة سواء كان المؤجر صاحب المنافع أم المتولي
(4)
.
أما فقهاء الإمامية فقد ذكروا مسائل عديدة في حال نقصان المستأجَر وعدم بقائه على حاله؛ منها مسألة ما إذا استأجر عينًا فآجرها لغيره وسلمها له؛ فإن صحت الإجارة الثانية، فتلفت عند الثاني أو تعيبَّت بتقصير من الثاني؛ كان الثاني ضامنًا، وأما الأول فلا يضمن إلا إذا كان الثاني الذي سلمها له غير مأمون عنده، وكذا الحال إذا استؤجر على عمل في عين يأخذها عنده فاستأجر آخر على العمل فيها وسلمها له
(5)
.
أما الإباضية: فيرون أن المكتري لا يكلف إصلاح ما اكتراه عندما تعرض له عوارض خارجة عن ممارسته، قد تؤدي إلى تحوُّل العين المكتراة عن طبعها وعدم صلاحها للغرض الذي اكتريت من أجله، كما أن للمكتري أن يرجع إلى المكري فيما
(1)
انظر: المحلى بالآثار، ابن حزم، 7/ 4.
(2)
انظر: المرجع السابق، 7/ 28.
(3)
انظر: مسند البزار المنشور باسم البحر الزخار، البزار، 5/ 30.
(4)
انظر: المرجع السابق، 5/ 159، والتاج المذهب لأحكام المذهب، أحمد بن قاسم العنسي اليماني الزيدي، 3/ 324.
(5)
انظر: منهاج الصالحين، السيد مُحَمَّد سعيد الحكيم، مسألة (20)، 2/ 155.