الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بينة، فبطل بهذا أن يعطى شيئًا بنكول خصمه أو بيمينه إذا نكل خصمه، وصح أن اليمين على المدعى عليه، فوجب أن لا يعطى المدعي يمينًا أصلًا
…
"
(1)
.
ولليمين شروط لا مجال هنا لذكرها، هذا في اليمين بشكل عام، أما في خصوص الوقف، فإنه لما كان المتولي على الوقف هو الخصم في الدعوى المقامة من الوقف أو عليه، فإن له صورتين: أن يكون مدعيًا، وأن يكون مدعى عليه، وفي كلتا الصورتين تطبق القواعد الكلية الخاصة بالمسائل التي توجه فيها اليمين على المدعى عليه والتي لا تتوجه اليمين؛ وهي
(2)
:
- كل موضع إذا أقر المدعى عليه يكون ملزمًا، فإذا أنكر تلزمه اليمين.
- كل شخص يقر بشيء لا يجور إقراره به، فلا تلزمه اليمين في حالة الإنكار.
وسوف نرى هاتين الصورتين للمتولي من خلال تطبيق القاعدتين السابقتين في استعراضنا لصور النزاع فيما يأتي.
سابعًا: صور المنازعة في الوقف:
أ) المنازعة بين المتولي من جهة، والمستحقين والقاضي من جهة أخرى:
1 - المنازعة بين المتولي والمستحقين:
لما كان الناظر أمينًا على ما في يده من أموال الوقف، فهو مسؤول عما يقوم به من تصرفات. وإذا كان للقاضي أن يشرف على أعمال الناظر وتصرفاته وأن يراقبه ويحاسبه على إخلاله بوظيفته فلقد جعل فقهاء الشافعية والحنابلة كذلك للمستحقين حق محاسبته، ومخاصمته إذا كانوا معينين، ولهم حق مطالبته أمام القضاء ببيان ما استفادة الوقف من غلة، ووجوه التصرف التي اتبعها
(3)
.
(1)
انظر: المحلى، ابن حزم، 9/ 383.
(2)
انظر: مغني المحتاج شرح المنهاج، محمد الشربيني، 4/ 476، والبحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار، أحمد بن المرتضى، 4/ 404، والمحلى، ابن حزم، 9/ 366، والأشباه والنظائر، جلال الدين السيوطي، 1/ 509، وتبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، ابن فرحون، 1/ 237.
(3)
انظر: تحفة المحتاج بشرح المنهاج، أحمد بن حجر الهيتمي، 6/ 292، ومغني المحتاج شرح المنهاج، محمد الشربيني، 2/ 394، وكشاف القناع عن متن الإقناع، البهوتي، 4/ 77.
واستدلوا لذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحاسب عامله على الصدقة، مع أن له ولاية صرفها، والمستحق غير معين، فبالأولى إذا كان معينًا
(1)
؛ ولأن المستحقين المعينين يملكون منافع الوقف وغلاته، والناظر إنما يتصرف فيما يملكون، فلهم محاسبته ومساءلته
(2)
.
فللمستحق حق المخاصمة حينئذٍ في الوقف ومنازعة المتولي مع أنه ليس خصمًا في الدعوى، وأن الخصم هو المتولي، ويقرر فقهاء الحنفية صورتين لذلك:
الصورة الأولى: أن يخاصم المستحق المتولي في دعوى يرفعها لإثبات أحقيته في التولية أو أنه من المستحقين في الوقف، أو أن المتولي لم يدفع له كل ما يستحقه من الغلة، أو يطالب من قبل المتولي برد ما أخذه من الغلة زيادة على استحقاقه
(3)
.
الصورة الثانية: أن يأذن القاضي لأحد المستحقين في الوقف بمخاصمة المتولي إذا كان المتولي منصوبًا من قبل الواقف، وذلك: بأن ينصبه متوليًا مؤقتًا، توكل إليه مهمة مقاضاة المتولي الأصلي، كمحاسبته على خيانة أو طلب عزل، لعجز أو تقصير في إدارة الوقف
(4)
.
والمتولي في كل الأحوال إما أن يكون مدعيًا أو مدعى عليه، فإن كان مدعيًا، فإن أمكنه إثبات دعواه بالبينة فذاك، وإلَّا فله تحليف المدعى عليه، ولا يملك المدعى عليه
(1)
انظر: صحيح البخاري، البخاري، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د. ت، 2/ 230، وصحيح مسلم، مسلم، البابي الحلبي، القاهرة، 1955 م، 3/ 1463 - 1464، والفروع، ابن مفلح، 4/ 599.
(2)
انظر رأي الحنابلة في: كشاف القناع عن متن الإقناع، البهوتي، 4/ 277، وحول رأي الحنفية راجع: العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية، ابن عابدين، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي، 1/ 204.
(3)
انظر: رد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين)، ابن عابدين، 3/ 553.
(4)
انظر: العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية، ابن عابدين، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي، 1/ 14، ورد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين)، ابن عابدين، 3/ 553 - 554.
رد اليمين، ويقضى عليه بنكوله
(1)
، ولو ادعى الناظر الأمين الصرف على المستحقين، وأنكروا فإنه يقبل قوله فيما يدعيه بلا بينة، لأنه من جملة عمله في الوقف
(2)
؛ ولأنه أمين، والأمين يُقبل قوله إذا ادعى إيصال الأمانة إلى مستحقيها وهل يحلف، اختلف الحنفية والأغلب عندهم إنه يحلف
(3)
، وذهب آخرون إلى أن لا يحلف.
فإن كان مدعى عليه، فعلى المدعي إثبات دعواه على المتولي بالبينة، فإن عجز فهنا حالتان:
الحالة الأولى: إذا كانت الدعوى متعلقة بأجر ولم يدع بوقوعه من قبل المتولي نفسه، فلا توجه اليمين إلى المتولي، كما أن نكوله لا يعتبر سببًا للحكم؛ وذلك لأن النكول عن اليمين إما أن يكون بذلًا أو إقرارًا، وكلا الأمرين لا يملكهما المتولي في حق ما سلط عليه شرعًا
(4)
.
الحالة الثانية: إذا كانت الدعوى ناشئة عن تصرف واقع من قبل المتولي نفسه، فإن الفقهاء يرون توجيه اليمين إليه، وإذا نكل حكم عليه بنكوله؛ لأن اليمين متعلقة بفعل نفسه سواء كان الحق المدعي إنما هو من قبل المستحقين كما هو موردنا، أو كان من قبل أجنبي، كما لو ادعى شخص على المتولي طالبًا تسليمه دار الوقف التي استأجرها منه، وأنكر المتولي ذلك
(5)
.
(1)
الأشباه والنظائر، جلال الدين السيوطي، 1/ 505.
(2)
انظر: رد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين)، ابن عابدين، 3/ 425، والعقود الدرية في تنقيح الفتاوي الحامدية، ابن عابدين، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي، 1/ 201، والأشباه والنظائر، زين الدين بن نجيم، 275.
(3)
انظر: ورد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين)، ابن عابدين، 3/ 423، والعقود الدرية في تنقيح الفتاوي الحامدية، ابن عابدين، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي، 1/ 201.
(4)
انظر: أحكام الأوقاف، حسن رضا، 142، وأحكام الأوقاف، محمد شفيق العاني، 120.
(5)
انظر: أحكام الأوقاف، حسن رضا، 142، وأحكام الأوقاف، محمد شفيق العاني، 120، وأصول المرافعات في القضاء الشرعي، محمد شفيق العاني، 146.
ولا يملك المتولي في كل حالات الادعاء حق الإقرار أو تصديق المدعي؛ سواء كان الإقرار متصلًا بأصل الوقف أو بغلته ومنافعه؛ لأنه ليس خصمًا أصيلًا في الدعوى بل وكيل عن غيره
(1)
.
فلو ادعى شخص الاستحقاق في الوقف أو أن له زيادة في الغلة هي من حقه فليس له أن يقر له، ولا يعتد بإقراره.
ولقد استثنى فقهاء الحنفية من ذلك حالتين: الحالة الأولى: إذا ادعى عليه بفعل فعله بنفسه، كما لو أجر دارًا للوقف ثم حدث نزاع بينه وبين المستأجرين فإنه يملك الإقرار بالعقد، والحالة الثانية: أن يكون إقراره موافقًا لشرط الواقف، فإن إقراره صحيح، كما لو أقر متولي الوقف في دعوى مقامة ضده من قبل شخص يدعي استحقاقًا له في الغلة باعتباره من ذرية الواقف الموقوف عليهم، وأن شرط الواقف يقتضي إعطاءه حصة المتوفي إلى ذريته واعتراف المتولي بالدعوى، وكانت الوقفية تحتوي على هذا الشرط فإقراره معتبر ولا يلتفت إلى إنكاره بعد ذلك
(2)
.
ومن أمثلة التنازع عند الزيدية ما إذا تنازع ذو الولاية للوقف والمتولي للمسجد أيهما يحرث الوقف ويبقى تحت يده، فمن طلب ذلك بغير أجرة أو بأقل فهو أولى، وإن طلبا معًا بغير أجرة أو بأجرة متساوية فمتولي الوقف أقدم بذلك كالحضانة
(3)
.
(1)
انظر: رد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين)، ابن عابدين، 3/ 589، والفتاوى المهدية في الوقائع المصرية، الشيخ محمد العباسي المهدي، المطبعة الزهرية، ط 1، 1301 هـ، 2/ 451، والفتاوى الكاملية في الحوادث الطرابلسية، محمود الطرابلسي، 151.
(2)
انظر: أحكام الأوقاف، حسن رضا، 136، شرح مجلة الأحكام العدلية، سليم رستم باز، المادة (1634).
(3)
انظر: التاج المذهب لأحكام المذهب، أحمد بن قاسم العنسي اليماني الصنعاني، دار الحكمة اليمانية للطباعة والنشر، صنعاء، 1414 هـ/ 1993 م، 3/ 289.