الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واشترط فقهاء الحنفية لقبول الشهادة في دعوى الوقف خاصة ذكر الواقف والجهة الموقوف عليها، لكن اشتراط الواقف ليس محل اتفاق بينهم، فثمة من فرق بين الوقف القديم والوقف الجديد، فاشترط ذلك في الثاني دون الأول، فجوز الشهادة في الوقف القديم ولو بدون ذكر الواقف، تغليبًا لمصلحة الوقف.
ومنهم من حمل هذا الرأي على اختلاف الصاحبين مع أبي حنيفة: في ملكية العين بعد وقفها، فأبو حنيفة يرى: بقاء الملك على حكم ملك الواقف، فلا بد من ذكر الواقف لقبول الشهادة، ولما كانت الفتوى في الوقف على مذهب أبي يوسف الذي يرى: انتقال ملكية العين الموقوفة إلى ملك الله تعالى، فإن الراجح في مذهب الحنفية عدم اشترط ذكر الواقف في الشهادة على الوقف (
1).
1 -
الشهادة بالتسامع:
اشترط الفقهاء أن تكون الشهادة مفيدة لمعنى العلم واليقين، لا لمعنى الظن والتخمين، واستدلوا له بقوله تعالى:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}
(2)
، وبما روي عن ابن عباس من أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهادة فقال صلى الله عليه وسلم:"هل ترى الشمس؟ "، قال: نعم، قال صلى الله عليه وسلم "مثلها فاشهد أو دع"
(3)
، وإذا كان الأصل في الشهادة اعتماد اليقين
(4)
، فإنه لا يجوز للمرء أن يشهد إلَّا بما علمه عن رؤية أو سماعه
(5)
.
ولم يستثن الفقهاء من ذلك إلَّا حالات محددة أجازوا فيها الشهادة بالتسامع، وما يعنينا هنا هو رأيهم في الشهادة بالتسامع على أصل الوقف حيث اختلفوا في ذلك على قولين:
(1)
انظر: رد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين)، ابن عابدين، 3/ 557، والإسعاف في أحكام الأوقاف، برهان الدين إبراهيم الطرابلسي، 78، وجامع الفصولين، ابن قاضي سماوة، 21/ 130، وأحكام الأوقاف، محمد شفيق العاني، 117، وجواهر الكلام، محمد حسن النجفي، 38/ 88، ومذهب الإمامية انتقال الوقف إلى الموقوف عليهم.
(2)
سورة الإسراء، آية 36.
(3)
سبل السلام، الصنعاني، 4/ 130.
(4)
انظر: مغني المحتاج شرح المنهاج، محمد الشربيني، 4/ 130.
(5)
انظر: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، المرداوي، 12/ 9.
القول الأول: ذهب بعض مشايخ فقهاء الحنفية، وهو اختيار شمس الأئمة السرخسي، وبرهان الدين المرغيناني وغيرهما، والمالكية، والشافعية، والحنابلة في المذهب إلى جواز الشهادة بالتسامع في أصل الوقف
(1)
.
واحتجوا لذلك: بأن السماع على الأول سماع من الشهود عليه، نحو الإقرار والطلاق والعتق والوقف، الخ .. فهو يشهد بما يسمع، والشهادة بالقول يشترط فيها الإبصار والسمع
…
وعلى الثاني: سماع من جهة الاستفاضة فيما يتعذر علمه في الغالب إلَّا بذلك، وهذا هو الذي يسمى الشهادة بالتسامع أو الاستفاضة
(2)
.
(1)
انظر: العناية شرح الهداية ("الهداية للمرغيناني" بأعلى الصفحة، يليه مفصولًا بفاصل شرحه "العناية شرح الهداية" للبابرتي)، أكمل الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمود بن الشيخ شمس الدين بن الشيخ جمال الدين الرومي البابرتي، دار الفكر، 7/ 388 - 392، وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، علاء الدين الكاساني، 6/ 266 - 267، ومجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، عبد الرحمن بن محمد بن سليمان المدعو بشيخي زاده يعرف بداماد أفندي، 2/ 192، ودرر الحكام شرح غرر الأحكام، محمد بن فرامرز بن علي الشهير بملا أو منلا أو المولي خسرو، دار إحياء الكتب العربية، 2/ 374 - 375، وتبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، ابن فرحون، 1/ 426، 430، 435، والذخيرة، شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، تحقيق: سعيد أعراب، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط 1، 1994 م، 8/ 152 - 155، وشرح الخرشي على مختصر خليل، محمد الخرشي، 7/ 211، وفتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب المعروف بحاشية الجمل، سليمان بن عمر بن منصور العجيلي الأزهري المعروف بالجمل، 5/ 398، وأسنى المطالب في شرح روض الطالب، زين الدين أبو يحيى زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري السنيكي، 4/ 367، 368، وحاشيتا قليوبي وعميرة على شرح جلال الدين المحلى على منهاج الطالبين، شهاب الدين أحمد بن أحمد بن سلامة القليوبي وأحمد البرلسي عميرة، 4/ 329، والمغني، ابن قدامة، 10/ 141، وكشاف القناع عن متن الإقناع، البهوتي، 6/ 408 - 410.
(2)
انظر: الأشباه والنظائر، جلال الدين السيوطي، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، 1957 م، 1/ 492، وتبصرة القضاة والإخوان في وضع اليد وما يشهد له من البرهان، حسن العدوي الحمزاوي، طبعة 1272 هـ /1859 م، 62، ومغني المحتاج شرح المنهاج، محمد الشربيني، 4/ 448، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، المرداوي، 12/ 11، ومباحث الوقف، محمد زيد الأبياني، 154، ورد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين)، ابن عابدين، 3/ 558.
القول الثاني: ذهب بعض مشايخ الحنفية، وهو وجه عند الحنابلة إلى أنه لا تحل الشهادة بالتسامع على أصل الوقف
(1)
.
وإذا كان جمهور الفقهاء، وهم أصحاب القول الأول، قد ذهبوا إلى جواز الشهادة على أصل الوقف بالتسامع، فإنهم اختلفوا في جواز الشهادة بالنسبة لشروط الواقف على ثلاثة أقوال:
القول الأول: ذهب بعض مشايخ الحنفية، وفقهاء المالكية، والحنابلة في المذهب إلى قبول الشهادة بالتسامع على شرائط الوقف
(2)
.
القول الثاني: ذهب بعض مشايخ الحنفية، وبعض الشافعية وهو ما أفتى به النووي إلى عدم ثبوت الشهادة بالتسامع على شروط الوقف
(3)
.
القول الثالث: ذهب بعض فقهاء الحنفية في المفهوم من كلامهم، وبعض فقهاء الشافعية، وهو ما أفتى به ابن الصلاح وغيره إلى التفصيل، فقالوا: تثبت الشهادة
(1)
انظر: العناية شرح الهداية، أكمل الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمود بن الشيخ شمس الدين بن الشيخ جمال الدين الرومي البابرتي، 7/ 388 - 392، والمغني، ابن قدامة، 10/ 141 - 142، والفروع، ابن مفلح، عالم الكتب، بيروت، 1985 م، 6/ 552.
(2)
انظر: فتح القدير، ابن الهمام، 7/ 393 - 392، مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، عبد الرحمن بن محمد بن سليمان المدعو بشيخي زاده يعرف بداماد أفندي، 2/ 193، وحاشية العدوي على شرح الخرشي، العدوي، مطبوعة على هامش الخرشي، 7/ 211، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد عرفة الدسوقي، 4/ 197، والمغني، ابن قدامة، 10/ 141، والفروع، ابن مفلح، 6/ 552، ومطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، مصطفى بن سعد بن عبده الدمشقي الحنبلي، 6/ 597 - 598، وكشاف القناع عن متن الإقناع، البهوتي، 6/ 408 - 410.
(3)
انظر: العناية شرح الهداية، أكمل الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمود بن الشيخ شمس الدين بن الشيخ جمال الدين الرومي البابرتي، 7/ 392، ودرر الحكام شرح غرر الأحكام، محمد بن فرامرز بن علي الشهير بملا أو منلا أو المولى خسرو، 2/ 374، 375، ومجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، عبد الرحمن بن محمد بن سليمان المدعو بشيخي زاده يعرف بداماد أفندي، 2/ 193، ومغني المحتاج شرح المنهاج، محمد الشربيني، 6/ 378، وحاشيتا قليوبي وعميرة على شرح جلال الدين المحلى على منهاج الطالبين، شهاب الدين أحمد بن أحمد بن سلامة القليوبي وأحمد البرلسي عميرة، 4/ 329.