الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقول الزركشي: "وحكى في التلخيص عن أبي الخطاب أنه لا يجوز بيع الوقف مطلقًا، وهو غريب لا يعرف في كتبه"
(1)
.
الصورة الرابعة: في سكوت الواقف عن شرط الاستبدال، والموقوف معطل النفع وهو عقار غير مسجد
(2)
:
إذا خرب الوقف - وهو غير مسجد - وصار بحيث لا يرد شيئًا؛ أي لا يرد شيئًا ينتفع به على أهل الوقف، أو يرد شيئًا لا عبرة فيه .. فقد اختلف الفقهاء في حكم إستبداله على ثلاثة أقوال:
القول الأول: يرى أنه إذا خرب الوقف وتعطلت منافعه فإنه يباع ويشترى بثمنه ما يرد على أهل الوقف وجعل وقفًا كالأول.
وإليه ذهب الحنفية (أبو يوسف ومحمد)
(3)
، والحنابلة في الصحيح من المذهب
(4)
، وبعض الشافعية
(5)
، والزيدية
(6)
.
(1)
شرح الزركشي على مختصر الخرقي، شمس الدين محمد بن عبد الله الزركشي الحنبلي، نشر دار العبيكان، طبعة عام 1413 هـ/ 1993 م، 4/ 289، وانظر أيضًا: المبدع في شرح المقنع، ابن مفلح، 5/ 185 - 186، والإنصاف، المرداوي، 7/ 130.
(2)
العقار يشمل الأرض والدار (البيت) وإن شئت قلت: العقار هو الأرض مبنية كانت أو غير مبنية، وانظر: رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين 4/ 376، وفتح القدير، ابن الهمام، 6/ 215.
(3)
انظر: رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 4/ 386، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق، ابن نجيم، 5/ 240. هذا والظاهر من كلام مشايخ الحنفية أن جواز الاستبدال في هذه الحالة إنما هو في الأراضي وليس في الدور، فإن الدار إذا قل نفعها لا يجوز استبدالها عند الحنفية باتفاق، فذكر ابن عابدين في حاشيتة 4/ 384 - 385: وأفاد صاحب البحر
…
أن الخلاف
…
إنما هو في الأرض إذا ضعفت عن الاستغلال بخلاف الدار إذا ضعفت بخراب بعضها ولم تذهب أصلًا، فإنه لا يجوز حينئذ الاستبدال على كل الأقوال". ويقول ابن نجيم في البحر الرائق شرح كنز الدقائق 5/ 237: ظاهر كلام المشايخ أن محل الاستبدال عند التعذر إنما هو الأرض لا البيت وقد حققناه في رسالة الاستبدال".
(4)
انظر: الإنصاف، المرداوي، 7/ 41، 100 - 101، ومطالب أولي النهى، الرحيباني، 4/ 371، وشرح الزركشي على الخرقي، شمس الدين محمد بن عبد الله الزركشي الحنبلي، 2/ 202.
(5)
انظر: الغرر البهية في شرح البهجة الوردية، زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري، زين الدين أبو يحيى السنيكي، نشر المطبعة الميمنية، 3/ 386.
(6)
انظر: البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار، أحمد بن يحيى بن المرتضى، 4/ 158، والسيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني، 3/ 505.
وهو رواية عن الإمام مالك، فقد روى أبو الفرج عنه أنه قال: إن رأي الإمام بيع ذلك لمصلحة جاز ويجعل ثمنه في مثله
(1)
.
وقد استدل أصحاب هذا القول على استبدال العقار غير المسجد إذا خرب على بما يأتي:
1 -
روي أن عمر كتب إلى سعد لما بلغه أن بيت المال الذي بالكوفة نقب: أن أنقل المسجد الذي بالتمارين - موضع سوق التمر - واجعل بيت المال في قبلة المسجد، فإنه لن يزال في المسجد مصلّ، وكان ذلك بمشهد من الصحابة ولم يظهر خلافه فكان كالإجماع
(2)
.
2 -
القول بجواز استبدال الوقف حال تعطله فيه استبقاء للوقف عند تعذر بقائه صورة، ومن ثم وجب القول باستبداله، قياسًا على ما لو استولد جارية موقوفة أو قتلها، أو قتلها غيره، حيث يجب بدلها
(3)
.
3 -
الغرض من تأبيد الوقف هو انتفاع الموقوف عليه على وجه الدوام، وإذا لم يكن تأييده على وجه تخصيصه استبقينا الغرض وهو الانتفاع على الدوام في عين أخرى، واتصال الإبدال جرى مجرى الأعيان، والقول بعدم استبدال العين مع تعطلها تضييع للغرض
(4)
.
4 -
بالقياس على جواز بيع الفرس الحبيس (الموقوف) إذا لم يصلح للغزو وشراء ما يصلح للغزو بثمنه، حيث أجمع العلماء على جواز بيعها إذا كبرت فلم تصلح للغزو، وأمكن الانتفاع بها في شيء آخر، مثل: أن تدور في الرحى، أو يحمل عليها التراب، أو تكون الرغبة في نتاجها، أو حصانًا يتخذ للطراق (ضراب الفحل)، فإنه يجوز بيعها ويشتري بثمنها ما يصلح للغزو
(5)
.
(1)
انظر: بلغة السالك لأقرب المسالك المعروف بـ "حاشية الصاوي على الشرح الصغير"(وهو شرح الدردير لكتابه المسمى أقرب المسالك لِمَذهَب الإمام مَالكٍ)، أبو العباس أحمد بن محمد الخلوتي الشهير بالصاوي المالكي، نشر دار المعارف، 4/ 127.
(2)
انظر: المبدع في شرح المقنع، ابن مفلح، 5/ 185، ومطالب أولي النهى، الرحيباني، 4/ 368، والمغني، ابن قدامة، 6/ 29، والفتاوى الكبرى، ابن تيمية، 4/ 156.
(3)
انظر: المبدع في شرح المقنع، ابن مفلح، 5/ 186.
(4)
انظر: المرجع السابق، 5/ 186.
(5)
انظر: المغني، ابن قدامة، 6/ 28.
5 -
مصلحة أهل الوقف تقضي إبداله إذا تعطل بما يقوم مقامه، لأن المصلحة أصل في هذا الباب، بل هي أصل في عامة العقود، فإن الله تعلى أمر بالصلاح ونهى عن الفساد وبعث رسله بتحصيل المصالح كلها وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها
(1)
وقال موسى لأخيه هارون: {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ}
(2)
.
وقال شعيب: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ}
(3)
، وقال تعالى:{فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}
(4)
(5)
.
القول الثاني: يرى أن العقار إذا خرب وصار لا ينتفع به، فإنه يخرج عن الوقف؛ أي: يبطل ويعود إلى الواقف أو لورثته إذا كان غير معد للاستغلال؛ كرياط خرب (وهو الذي يبنى للفقراء) وحوض محلة خرب.
أما إذا كان معدًا للاستغلال عند جماعة المسلمين؛ كبيت انهدم؛ فإنه يبطل الوقف (أي يخرج عن الوقفية)، ويعود النقض إلى بانيه أو ورثته دون ساحته؛ لأن ساحته يمكن استغلالها، وذلك كحانوت احترق، وصار بحيث لا ينتفع به، ولا يستأجر بشيء البتة، وهذا ما روي عن محمد
(6)
.
ونظرًا لاختلاف الرواية عن محمد حيث روى عنه بطلان الوقف إن تعطلت منافعه وهي المذكورة هنا، وما رواه هشام عنه من جواز استبداله إذا خرب وصار لا ينتفع به، وجدنا الكمال ابن الهمام قد قال: "ينبغي ألا يفتي على قوله (محمد)
(1)
انظر: الفتاوى الكبرى، ابن تيمية، 4/ 156.
(2)
سورة الأعراف، آية 142.
(3)
سورة هود، آية 88.
(4)
سورة الأعراف، آية 35.
(5)
سورة البقرة، من آية 11 - 12.
(6)
انظر: فتح القدير، ابن الهمام، 6/ 237 - 238، ورد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 4/ 359 و 376، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق، ابن نجيم، 5/ 223 - 224 و 272.
برجوعه إلى ملك الواقف وورثته بمجرد تعطله وخرابه، بل إذا صار بحيث لا ينتفع به يشتري بثمنه وقف آخر يستغل، ولو كان غلته دون غلة الأول"
(1)
.
القول الثالث: يرى أنه لا يجوز استبدال العقار الموقوف الذي خرب وصار لا ينتفع به سواء كان دارًا أو حوانيت أو غيرها.
وإليه ذهب المالكية
(2)
في المذهب، وأكثر الشافعية
(3)
، وبعض مشايخ الحنفية
(4)
، وبعض الحنابلة
(5)
، وهو قول الإمامية
(6)
.
وقد استدلوا على ذلك بما يأتي:
1 -
القول بجواز الاستبدال فيه فتح باب الفساد الذي لا يعد ولا يحصى، لأن بعض الظلمة من القضاء جعلوه حيلة إلى إبطال أكثر أوقاف المسلمين وفعلوا ما فعلوا
(7)
.
2 -
ما لا يجوز بيعه مع بقاء منافعه، لا يجوز مع تعطلها، قياسا على العتق
(8)
.
واستثنى المالكية في المذهب من عدم جواز بيع العقار الموقوف واستبداله جواز بيعه لتوسيع المسجد والطريق.
قال الخرشي المالكي: "إذا ضاق المسجد بأهله واحتاج إلى توسعة وبجانبه عقار حبس أو ملك؛ فإنه يجوز بيع الحبس لأجل توسعة المسجد، وإن أبي صاحب الحبس أو صاحب الملك عن بيع ذلك فالمشهور أنهم يجبرون على بيع ذلك، ويشترى بثمن الحبس ما يجعل حبسًا كالأول، ومثل توسعة المسجد توسعة طريق المسلمين ومقبرتهم"
(9)
.
(1)
فتح القدير، ابن الهمام، 6/ 237.
(2)
انظر: بلغة السالك لأقرب المسالك (حاشية الصاوي على الشرح الصغير للدردير)، أبو العباس أحمد بن محمد الخلوتي الشهير بالصاوي المالكي، دار المعارف، 4/ 127.
(3)
انظر: الغرر البهية في شرح البهجة الوردية، زين الدين أبو يحيى زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري السنيكي، 3/ 386.
(4)
انظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق، ابن نجيم، 5/ 223، ومعين الحكام، الطرابلسي، 142.
(5)
انظر: المبدع في شرح المقنع، ابن مفلح، 5/ 186.
(6)
انظر: مفتاح الكرامة، العاملي، 9/ 84.
(7)
انظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق، ابن نجيم، 5/ 223.
(8)
انظر: المبدع في شرح المقنع، ابن مفلح، 5/ 186.
(9)
شرح مختصر خليل، الخريشي، 7/ 95.