الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- أما النوع الثاني وهو الإقرار الكتابي، فلا خلاف بين العلماء - الذين يرون صحة الإثبات بالخط - في جواز الإثبات بالإقرار الكتابي الواقع في غير مجلس القضاء؛ سواء كان بخط يد المقر أم بخط غيره وعليه توقيعه أو ختمه
(1)
.
والمقصود هنا هو الإقرار بالوقف، والمتفق عليه بين العلماء أن الإقرار حجة قاصرة على المقر لا يتعداه إلى غيره .. فإذا أخبر المقر بحق على نفسه نفذ عليه، وإن كان على غيره لم ينفذ على ذلك الغير إلَّا بتصديقه، وإن كان الإقرار عليه وعلى غيره نفذ في حق نفسه وتوقف بالنسبة إلى غيره
(2)
.
والإقرار بالوقف إما أن يصدر عن الواقف، وإما أن يصدر عن غيره، وهو إما يكون الوارث للواقف، وإما أن يكون أجنبيًا عنه له علاقة بالوقف، كواضع اليد على الموقوف، وإما أن يكون المتولي، ولكل شق منها حكمه الذي سنعرفه عند تفصيل صور المنازعات عما قريب.
ب) الشهادة: معناها، حجيتها، أركانها وشروطها:
عرف الكمال من الحنفية "الشهادة" بأنها: إخبار صدق لإثبات حق بلفظ الشهادة في مجلس القضاء
(3)
، وعرفها الدردير من المالكية: بأنها إخبار حاكم من علم ليقضي بمقتضاه
(4)
،
(1)
انظر: تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، ابن فرحون، 2/ 51، والمبسوط، أبو بكر السرخسي، 18/ 172، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد عرفة الدسوقي، 2/ 402، 407، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، المرداوي، 12/ 125، ونهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، شمس الدين الرملي، 5/ 76.
(2)
انظر: الفتاوى الهندية (الفتاوى العالمكيرية)، جماعة من علماء الهند، 5/ 200، وتبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، ابن فرحون، 2/ 53، والتاج والإكليل لمختصر خليل، أبو عبد الله المواق، مطبوع على هامش مواهب الجليل، 7/ 228، وأسنى المطالب في شرح روض الطالب، زين الدين أبو يحيى زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري السنيكي، 2/ 318، وتحفة المحتاج بشرح المنهاج، أحمد بن حجر الهيتمي، 5/ 356، والمغني، ابن قدامة، مطبوع على الشرح الكبير، مطبعة المنار، مصر، 1348 هـ، 10/ 238، وكشاف القناع عن متن الإقناع، البهوتي، 6/ 452 و 458 و 461.
(3)
انظر: فتح القدير، ابن الهمام، مطبعة مصطفى محمد، 1356 هـ، 6/ 2.
(4)
انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد عرفة الدسوقي، 4/ 164.
وعرفها الجمل من الشافعية بأنها: إخبار بحق للغير على الغير بلفظ أشهد
(1)
، وعرفها الشيباني من الحنابلة بأنها: الإخبار بما علمه بلفظ أشهد أو شهدت
(2)
.
والشهادة هي إخبار صادق بحق للغير على آخر بلفظ الشهادة في مجلس القضاء
(3)
، وهي حجة شرعية في إثبات الحقوق، دل عليها الكتاب والسنة والإجماع والعقل
(4)
، وركن الشهادة هو لفظ "أشهد" دون غيره من الألفاظ، ولو أفادت معنى العلم واليقين
(5)
؛ لأن في لفظ أشهد معنى المشاهدة والقسم والإخبار في الحال، وهي معاني مفقودة في غيره. واشتراط لفظ "أشهد" هو مذهب الحنفية، والمالكية في الصحيح، والشافعية والحنابلة، وهو الراجح من مذهب الإمامية
(6)
.
(1)
انظر: فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب المعروف بحاشية الجمل، سليمان بن عمر بن منصور العجيلي الأزهري المعروف بالجمل، 3/ 428.
(2)
انظر: نَيْلُ المآرِب بشَرح دَليل الطَّالِب، عبد القادر بن عمر بن عبد القادر بن عمر بن أبي تغلب بن سالم التغلبي الشَّيْبَاني، مكتبة الفلاح، الكويت، ط 1، 1403 هـ/ 1983 م، 2/ 470.
(3)
انظر: حول معنى الشهادة، وحبل الشرع المتين وعروة الدين المبين، الخجندي، 6/ 310، ويقارن حول تعريفات قريبة: فتح الوهاب شرح منهج الطلاب، الشيخ زكريا الأنصاري، 2/ 220، وعقود الجواهر المنيفة في أدلة مذهب أبي حنيفة، محمد مرتضى الحسيني، 2/ 40، وفتح القدير، ابن الهمام، 4/ 364.
(4)
حول تفصيل هذه الأدلة وكيفية الاستدلال بها انظر: صحيح البخاري، البخاري، 5/ 88، وسنن ابن ماجه، محمد بن يزيد القزويني، مطبعة عيسى البابي الحلبي، 1972 م، 20/ 778، والدراري المضية، محمد علي الشوكاني، مطبعة مصر الحرة، ط 1، 1347 هـ، 2/ 216، والفتاوى الهندية (الفتاوى العالمكيرية)، جماعة من علماء الهند، 3/ 450.
(5)
انظر: الدراري المضية، محمد علي الشوكاني، مطبعة مصر الحرة، ط 1، 1347 هـ، 2/ 216، والفتاوى الهندية (الفتاوى العالمكيرية)، جماعة من علماء الهند، 3/ 450.
(6)
انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، علاء الدين الكاساني، 6/ 273، وحاشية ابن الشاط على كتاب الفروق، ابن الشاط، 4/ 57، وتبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، ابن فرحون، 1/ 318، وشرح منح الجليل على مختصر العلامة خليل، وبهامشه حاشية المسماة تسهيل منح الجليل، الشيخ محمد عليش، 8/ 406، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد عرفة الدسوقي، 4/ 165، والهداية الكافية الشافية لبيان حقائق الإمام ابن عرفة الوافية المعروف بشرح حدود ابن عرفة، أبو عبد الله محمد بن قاسم الأنصاري الرصاع التونسي المالكي، المكتبة العلمية، =
وسبب أدائها هو إما طلب ذي الحق الشهادة، أو خوف الشاهد فوت حق صاحب الحق بأن لم يكن ذو الحق يعلم بحقه
(1)
.
وفي فقه الزيدية: تقبل شهادة الفقراء لوقف أرض على جملة الفقراء، إذ لا يتعين للشهود، وكذا بوقف على المسلمين، وكذا لو شهد اثنان بحق الاثنين، وشهد الاثنان بحق لهما صح، وقيل: لا، للتهمة
(2)
.
وتؤدي الشهادة في مجلس القاضي، فلو أداها الشاهد في مكان آخر فلا يلزم الحكم بها من قبل القاضي
(3)
؛ لأن الشهادة لا تصير حجة ملزمة إلَّا بقضائه فتختص بمجلسه، وهو ما يتفق فيه الإباضية وسائر المذاهب
(4)
.
ومن شروط قبول الشهادة في حقوق العباد أن تكون هناك دعوى من قبل صاحب الحق أو وكيله، والسبب أن الشهادة متوقفة على مطالبة صاحب الحق، وهي لا تقوم إلَّا بدعوى
(5)
، وعلى ذلك اتفاق الفقهاء توثيق.
= ط 1، 1350 هـ، 460 - 461، وحاشيتا قليوبي وعميرة على شرح جلال الدين المحلى على منهاج الطالبين (بأعلى الصفحة "شرح العلامة جلال الدين المحلى على منهاج الطالبين للشيخ محيي الدين النووي"، بعده مفصولًا بفاصل "حاشية شهاب الدين أحمد بن أحمد بن سلامة القليوبي"، بعده مفصولًا بفاصل "حاشية أحمد البرلسي عميرة")، شهاب الدين أحمد بن أحمد بن سلامة القليوبي وأحمد البرلسي عميرة، دار الفكر، بيروت، 1415 هـ/ 1995 م، 4/ 319، والمغني، ابن قدامة، 10/ 195، وجواهر الكلام، محمد حسن النجفي، 41/ 179.
(1)
انظر: الدر المختار شرح تنوير الأبصار، مطبوع على حاشية ابن عابدين، علاء الدين الحصكفي، 4/ 512، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، المرداوي، 12/ 90.
(2)
انظر: البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار، أحمد بن المرتضي، 6/ 34.
(3)
انظر: السراج الوهاج على متن المنهاج، الشيخ الغمراوي، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، 1933 م، 610، ورد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين)، ابن عابدين، 4/ 512.
(4)
انظر: شرح النيل وشفاء العليل، محمد بن يوسف أطفيش، 13/ 99.
(5)
انظر: مغني المحتاج شرح المنهاج، محمد الشربيني، مطبعة مصطفى محمد، مصر 4/ 450، ورد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين)، ابن عابدين، 4/ 537، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، المرداوي، 1/ 271.
أما بالنسبة لحق الله تعالى: فلا يشترط لقبول الشهادة سبق الدعوى؛ وذلك لوجوب إقامتها على كل أحد، ولما كان الوقف من الحقوق التي يرجح فيها حق الله؛ فإن الشهادة فيها تقبل حسبة، ولو بدون سبق دعوى من أحد بذلك
(1)
؛ فمن علم بوقف وضع الغير يده عليه يشغله ويصرف ريعه في غير مصارفه وجب عليه المبادرة إلى الشهادة
(2)
.
وقبول الشهادة حسبة منحصر فيما لو كانت الشهادة على ثبوت أصل الوقف، أما لو كانت على إثبات الاستحقاق فيه مثلًا فلا تقبل بالاتفاق، ولا بد عندها من تقديم الدعوى ممن يدعي الاستحقاق في الوقف، ويقدم الشاهد شهادته على ذلك على طلبها أمام القاضي
(3)
.
واستثنى فقهاء الحنفية، والمالكية، والحنابلة، من وجوب المبادرة إلى الشهادة في أصل الوقف حتى مع عدم وجود دعوى حالة الوقف على المعين
(4)
؛ فإنه لا يجب فيه المبادرة؛ لأن الوقف على معين يرجح فيه حق الآدمي فله حق إسقاطه حتى بعد قبوله
(5)
.
(1)
انظر: الطرق الحكمية في السياسات الشرعية، ابن قيم الجوزية، 236، وشرح الخرشي على مختصر خليل، محمد الخرشي، 7/ 187، وجواهر الكلام، محمد حسن النجفي، 41/ 179.
(2)
انظر: حاشية العدوي على شرح الخرشي، العدوي، مطبوعة على هامش الخرشي، 7/ 187، ومغني المحتاج شرح المنهاج، محمد الشربيني، 4/ 437، وجواهر الكلام، محمد حسن النجفي، 41/ 179.
(3)
انظر: مباحث الوقف، محمد زيد الأبياني، مكتبة وهبة، ط 3، 1924 م، 154.
(4)
انظر: غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر، أبو العباس شهاب الدين أحمد بن محمد مكي الحسيني الحموي الحنفي، 2/ 403، ودرر الحكام شرح مجلة الأحكام، علي حيدر خواجه أمين أفندي، دار الجيل، ط 1، 4/ 389، والدر المختار شرح تنوير الأبصار، مطبوع على حاشية ابن عابدين، علاء الدين الحصكفي، 4/ 409، وحاشية العدوي على شرح الخرشي، العدوي، مطبوعة على هامش الخرشي، 7/ 187، والمغني، ابن قدامة، 10/ 194، والكافي في فقه الإمام أحمد، أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي (الشهير بابن قدامة المقدسي)، المكتب الإسلامي، بيروت، ط 5، 1988 م، 4/ 288.
(5)
انظر: رد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين)، ابن عابدين، 4/ 539.
ولقد اشترط فقهاء الحنفية كذلك لقبول الشهادة مطلقًا أن تكون مطابقة للدعوى ولو في المعنى، لكن ذلك شرط فيما يرجح فيه حق العبد لوجوب سبق الدعوى فيه على الشهادة، أما ما يرجح فيه حق الله تعالى كما في إثبات أصل الوقف فلا؛ لأن تقدم الدعوى ليس شرطًا فوجودها كعدمها فلا يضر عدم التوافق
(1)
.
واشترط كذلك مطابقة الشهادة للشهادة بأن يتطابق اللفظان في إفادة المعنى، وفصل أبو حنيفة بضرورة التطابق على الوضع لا التضمين، واكتفى محمد وأبو يوسف صاحبا أبي حنيفة بالموافقة المعنوية ولو بالتضمين
(2)
.
وفي الشهادة على الوقف فلو شهد شاهدان بأن دارًا بعينها موقوفة وزاد أحدهما شيئًا، أو زاد كل واحدٍ منهما شيئًا على الآخر، تبطل الزيادة، وتقبل الشهادة على ما اتفقا عليه
(3)
.
فلو قال أحدهما: إن الواقف جعل الأرض صدقة موقوفة على فلان، وشهد الآخر أنه جعلها على الآخر، قبلت الشهادة على أصل الوقف
(4)
، وتكون الغلة للفقراء والمساكين؛ لأنهما اتفقا على الشهادة بأنها صدقة موقوفة، واختلفا فيما سوى ذلك، فيقبل ما اتفقا عليه ويرد ما اختلفا فيه.
أما اختلاف الشهود في زمان الوقف ومكان صدور الوقف من الواقف وانعقاده فلا يؤثر في الشهادة في شيء؛ وذلك لأن الألفاظ تتكرر في كل زمان ومكان
(5)
، نعم لو اختلفا في المحل الموقوف فإن ذلك يؤثر في الشهادة فيبطلها
(6)
.
(1)
انظر: رد المختار، الدر المختار (حاشية ابن عابدين)، ابن عابدين 4/ 539.
(2)
انظر: المرجع السابق، 5/ 493، ودرر الحكام شرح مجلة الأحكام، علي حيدر خواجة أمين أفندي، 4/ 408.
(3)
انظر: الإسعاف في أحكام الأوقاف، برهان الدين إبراهيم الطرابلسي، المطبعة الكبرى المصرية، 1292 هـ، 83.
(4)
انظر: مباحث الوقف، محمد زيد الأبياني، 154، ورد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين)، ابن عابدين، 3/ 558.
(5)
انظر: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، المرداوي، 12/ 26.
(6)
انظر: مباحث الوقف، محمد زيد الأبياني، 155 - 156، وأحكام الأوقاف، محمد شفيق العاني، 118.