الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني ما يترتب على انتهاء الوقف
إن الوقف بعد انتهائه إما أن يؤول إلى قرابة الواقف، أو إلى ملكه، أو إلى ملك المستحقين، أو إلى الخيرات، أو إلى بيت مال المصالح، وذلك على النحو الآتي:
أولًا: مصيره إلى قرابة الواقف:
يؤول الوقف المنتهي إلى قرابة الواقف في الأحوال الآتية:
الحالة الأولى: إذا كان الوقف منتها بسبب انقطاع آخر الموقوف عليهم: كالوقف على الفقراء والمساكين، أو طلبة العلم الشرعي فانتهوا؛ فقد اختلف الفقهاء في ذلك على أقوال:
القول الأول: أن يعود الوقف إلى أقارب الواقف، وللواقف إن كان حيًا، ويرجع إليه وقفًا، أو لورثته إن كان الواقف ميتا، وإليه ذهب جمهور الفقهاء من الحنابلة، وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن، والمالكية في المعتمد، والشافعية في الأظهر، والظاهرية، والزيدية، والإباضية، وذلك على التفصيل الآتي
فعند الحنفية فيما لو انقطعت الجهة عاد الوقف إلى ملك الواقف إن كان حياء وإلى ملك ورثته إن كان ميتًا
(1)
.
وعند المالكية: فإن انقطع وقف مؤبد على جهة بانقطاع الجهة التي وقف عليها، رجع حبسًا (وقفًا) لأقرب فقراء عصبة المحبس
(2)
.
وعند الشافعية: فيها أوجه؛ الوجه الأول: أن الوقف يصرف إلى أقرب الناس بالمحبس، والوجه الثاني: يصرف إلى المساكين، والوجه الثالث: يصرف إلى المصالح
(1)
انظر: العناية على شرح فتح القدير، أكمل الدين محمد بن محمود البابرتي، مع فتح القديره المطبعة الكبرى الأميرية، القاهرة، 1916 م، 5/ 48، وفتح القدير، ابن الهمام، 5/ 47، والفتاوي البزازية، ابن البزاز الكردي، 6/ 250.
(2)
انظر: الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى فقه الإمام مالك، أحمد بن محمد بن أحمد الدردير، مصر، دار المعارف، سنة 1973 م، 4/ 171.
العامة، وهي مصرف خمس الخمس من الفيء والغنيمة
(1)
، والحاصل عند الشافعية: أنه إذا انقرض المسمى (الموقوف عليه) صرف إلى أقرب الناس إلى الواقف؛ لأنه من أعظم جهات الثواب، والدليل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا صدقة وذو رحم محتاج"
(2)
(3)
.
وعند الحنابلة: فإن وقف على جهة تنقطع انصرف بعد انقراض من يجوز الوقف عليه إلى ورثة الواقف وقفًا عليهم في إحدى الروايتين، وهو المذهب
(4)
.
وعند الظاهرية: فمن حبس: (وقف) داره أو أرضه، ولم يسبل (يوقف) على أحد؛ فله أن يسبل الغلة ما دام حيًّا على من شاء؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا عمر، احبس الأصل، وسبّل الثمرة"
(5)
؛ فله ذلك ما بقي، فإن مات ولم يفعل كانت الغلة لأقاربه وأولى الناس به حين موته
(6)
.
وعند الزيدية: فإذا انقطع مصرف الوقف، لم يعد ملكًا للواقف، إذ قد خرج عنه كالعتق، وقال بعض الزيدية وأبو يوسف: بل يعود ملكًا له أو لورثته، لبطلان وقفيته بانقطاع من عين له، إذ هو كالشرط
(7)
.
وعند الإباضية: فإذا وقف على قوم، وعلى نسولهم؛ ففني القوم وماتوا؛ رجعت الوصية إلى ورثة ورثته على سبيل ميراث الورثة الأولين، لا يوم تفني
(8)
.
(1)
انظر: نهاية المطلب، الجويني، 8/ 350.
(2)
رواه الطبراني في الأوسط، لكن فيه ضعيف، وبقية رجاله ثقات، المجموع شرح المهذب، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، دار العلوم للطباعة، القاهرة، النووي، 14/ 588.
(3)
انظر: المهذب في فقه الإمام الشافعي، أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي، دار المعرفة، بيروت، 1/ 449، والروضة، النووي، 5/ 326.
(4)
انظر: الإنصاف، أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي، 16/ 407، والمغني، ابن قدامة، 6/ 22، ومنار السبيل، إبراهيم بن محمد ضويان، 402.
(5)
شعب الإيمان، البيهقي، 7/ 449، ومسند الحميدي، 2/ 19.
(6)
انظر: المحلى، ابن حزم، 1420.
(7)
انظر: البحر الزخار، ابن المرتضي، 5/ 158.
(8)
انظر: المصنف، الكندي، 28/ 32.
وقد اختلف بعض هؤلاء الفقهاء في تحديد القرابة التي يصير إليها الوقف المنتهي:
فعند المالكية: روايتان عن ابن القاسم: الرواية الأولى في العتبية: أن كل ما يرجع ميراثًا يراعى فيه من يرث المحبس: (الواقف) يوم مات، وأما ما يرجع حبسًا، فلأولاهم به يوم يرجع. وقالوا في تحديد القرابة الذين يرجع إليهم الوقف: هم عصبة المحبس. الرواية الثانية: أنه يرجع إلى أقرب الناس من ولد وعصبة، واختلف في النساء هل لهن مدخل في ذلك أم لا
(1)
.
وعند الشافعية: فأفضل القربات ما يضعها المرء في القرابات ويستفيد بها مع التقرب صلة الرحم، وفي قول: تعتبر الحاجة؛ فإن سد الحاجات أهم الخيرات، وفي قول: يحمل المصرف على أعم الجهات؛ إذ لا متعلق عندنا في تعيين
(2)
.
القول الثاني: أنه إذا انقرض الموقوف عليهم فيصرف الوقف للفقراء والمساكين، وإليه ذهب الإمامية والشافعية في وجه
(3)
:
قال الشيخ محمد النجفي من الإمامية: "ولو وقف على ولده وانقرض أولادهم فعلى المساكين"
(4)
. وفي رأي: أن الوقف تصرف منافعه في جهة خير تقربًا إلى الله تعالى.
القول الثالث: أنه يعود للمصالح العامة، ولا يعود للواقف؛ لأن الوقف قد خرج عن الواقف كالعتق، إذ الرقبة ملك لله تعالى، فتتبعها المنفعة، وإليه ذهب بعض المالكية والشافعية في وجه وأبو يوسف من الحنفية
(5)
.
(1)
انظر: عقد الجواهر، ابن شاس، 3/ 933.
(2)
انظر: نهاية المطلب، الجويني، 8/ 351.
(3)
انظر: المرجع السابق، 8/ 351.
(4)
انظر: جواهر الكلام، محمد حسن النجفي، 10/ 46، والحدائق الناضرة، البحراني، 22/ 128.
(5)
انظر: حاشية ابن عابدين، ابن عابدين، 4/ 430 - 431، وعقد الجواهر، ابن شاس، 3/ 964، ونهاية المطلب، الجويني، 8/ 350.