الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث الطرف المستأجر في عقد إجارة الوقف
إن من الصلاحيات الممنوحة شرعًا للناظر أن يؤجر الموقوف لمن يرغب فيه، إلا أن الأمر ليس على إطلاقه بل إنه منضبط بمراعاة مصلحة الوقف وعدم القيام بما يضره، فلا يصح إكراء الوقف لمن يضر به، وهو أمرٌ مجمعٌ عليه لدى علماء الإسلام قاطبة، ولا يمنع الموقوف عليه من أن يكون مستأجرًا للوقف، حيث إن حقه في الغلة لا في الرقبة، فلو أجر القيم الوقف ممن يستحق غلته جاز
(1)
.
هذا هو الأصل العام، إلا أنه يثور البحث حول مدى جواز تأجير الناظر العين الموقوفة لنفسه أو لأهله القريبين كوالده أو ولده أو والدته، حيث اختلف الفقهاء في المسألة على أربعة أقوال:
القول الأول: إن هذا العقد بهذه الصورة لا يجوز عند المالكية، والشافعية، وعند الصاحبين من الحنفية، والقول المفتي عند بعض الحنابلة، وهو مذهب الإباضية، والعلة في عدم الجواز الخوف من حصول غبن أو محاباة في كراء هذا الوقف، ولوجود شائبة التهمة من هذا العقد الذي يجريه الناظر لنفسه أو لأحد أصوله أو فروعه أو مكاتبه أو عبده أو لمن لا تقبل شهادته له، ولأنه أي الناظر لا يجوز له تولي طرفي هذا العقد فهو في ذلك كالوكيل والوصي ونحوهما، ممن يمتنع عليه أن يبيع أو يشترى أو يستأجر لنفسه من مال الموكل أو اليتيم أو شبههما
(2)
.
(1)
انظر على سبيل المثال: فتاوى قاضيخان، محمود الأوزجندي، 3/ 336، والإسعاف في أحكام الأوقاف، إبراهيم بن موسى بن أبي بكر ابن الشيخ علي الطرابلسي، 66، وغيرها من مصادر الفقه الإسلامي بمذاهبه الثمانية.
(2)
انظر: فتاوى قاضيخان، محمود الأوزجندي، 3/ 334، ومطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، السيوطي، 3/ 465، والمعيار المغرب والجامع المغرب، الونشريسي، 7/ 379، 7/ 127 - 128، والفتاوى الكبرى، ابن حجر الهيثمي، 3/ 331، والحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي (وهو شرح مختصر المزني)، أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي الشهير بالماوردي، تحقيق: الشيخ علي محمد معوض والشيخ عادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1419 هـ/ 1999 م. 9/ 536، والفتاوى، الخليلي، 4/ 138 - 139، وأحكام الأوقاف الخصاف، 206، وحاشية رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 6/ 679.
القول الثاني: يجوز عقد هذه الإجارة إذا كانت من ابن الناظر البالغ أو والده بشرط تحقق الخيرية فيها، وهو رأي أبي حنيفة، وتتحقق الخيرية عند الحنفية بالزيادة عن أجرة المثل كأن يأخذ ما يساوي عشرة بخمسة عشر، وهذا الرأي هو المفتى به عند الحنفية
(1)
.
القول الثالث: أن هذا العقد يصح إذا كان بأجرة المثل وهو وجه عند الحنابلة
(2)
.
القول الرابع: أنه يصح مطلقًا، وهو وجه ثالث للحنابلة
(3)
، وهو ما ذهب إليه الزيدية، أما إذا تولى هذا العقد القاضي كأن طلب الناظر منه بتولي هذا العقد، فإنه يكون صحيحًا، ولا يقال: إن القاضي لا يملك هذا التصرف مع وجود الناظر؛ لأن المقام في هذه الحالة مقام نزاع على صحة تصرف الناظر، فساغ اللجوء إلى القاضي.
وذهب فقهاء الزيدية إلى أنه يجوز للناظر معاملة نفسه فيجوز له البيع والشراء من غلة الوقف ويسلم العوض، ويجوز له أن يزرع أرض الوقف أو يؤجرها لنفسه ويدفع أجرة المثل كغيره بلا عقد من الإمام أو الحاكم، ويكون حكم ذلك في يده حكم المعاطاة إلا أنه يجب أن يتحرى المصلحة وألا يأخذ المثل وقت غلائه بمثله في وقت رخصه
(4)
.
أما فقهاء الإمامية فالظاهر من بعد تتبع كلماتهم أنهم لا يمنعون من أن يقوم الناظر بتأجير الوقف لنفسه، ما دام بعيدًا عن أي قصور أو تقصير من جانبه في تحقيق مصلحة الوقف، فقد نصّوا على أن عمل ناظر الوقف مقيد بشروط الواقف المنصوص عليها في صك الوقف، إلا ما يكون باطلًا منها وأن مسؤولية المتولي كمسؤولية
(5)
الوكيل والمودع؛ سواء قلنا بأنه وكيل عن الواقف أو الوقف أو المستحقين
(6)
؛ لا سيما وأن وظيفة الناظر مع الإطلاق هي عمارة الوقف وإجارته وتحصيل الغلة وقسمتها على مستحقيها، ولو فوض إليه بعضها لم يتعدَّه
(7)
.
(1)
انظر: مجمع الضمانات، أبو محمد غانم بن محمد البغدادي الحنفي، دار الكتاب الإسلامي د. ط، د. ت، 1/ 399.
(2)
انظر: مطالب أولي النهى، السيوطي، 3/ 465.
(3)
انظر: المرجع السابق، 3/ 465.
(4)
انظر: التاج المذهب لأحكام المذهب، أحمد بن قاسم العنسي اليماني الزيدي، 3/ 302 - 303.
(5)
انظر: التاج المذهب لأحكام المذهب، أحمد بن قاسم العنسي اليماني، 3/ 323.
(6)
انظر: الوقف وأحكامه في الفقه الإسلامي والقوانين اللبنانية، الشيخ محمد جعفر شمس الدين، دار الهادي، بيروت - لبنان، 1426 هـ./2005 م، 245، ورياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدلائل، السيد علي السيد محمد علي الطباطبائي، 10/ 128.
(7)
انظر: رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدلائل، الطباطبائي، 10/ 130.