الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصورة الثالثة: في سكوت الواقف عن شرط الاستبدال، والموقوف منقول معطل النفع
(1)
:
اختلف الفقهاء في حكم استبدال الوقف في هذه الحالة على قولين:
القول الأول: يرى جواز بيع الأعيان الموقوفة المنقولة إذا تعطل المقصود منها.
وإليه ذهب المالكية في المذهب
(2)
، والحنابلة في المذهب كذلك
(3)
، والشافعية في وجه
(4)
، ووافقهم الحنفية على ذلك فيما يجوز وقفه من المنقول عندهم
(5)
.
(1)
المراد بتعطل الوقف عند المالكية: هو أن لا ينتفع به فيما حبس فيه وإن كان ينتفع به في غيره. وعند الحنابلة هو: أن تتعطل المنافع المقصودة منه بخراب أو غيره؛ كضيق المسجد عن أهله، أو خراب محلته - انتقال أهل البلدة عنه - أو خوف سقوط سقفه، وقيل المراد به: أن يقل ريعه، وقيل: أن يتعطل أكثر نفعه. وقيل: إذا غلب على الظن تعطل نفعه أو أكثره، وقيل: ألا ينتفع منه بشيء أصلًا. انظر: الشرح الكبير على مختصر خليل، الدردير، 4/ 90، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير، ابن عرفة الدسوقي، 4/ 90، والإنصاف، المرداوي، 7/ 103 - 104، وكتاب الفروع، محمد بن مفلح، شمس الدين المقدسي الحنبلي، نشر عالم الكتب، ط 4، 1415 هـ/ 1985 م، 4/ 124، ودقائق أولي النهى لشرح المنتهى المعروف بشرح منتهى الإرادات، منصور بن يونس البهوتي الحنبلي، نشر عالم الكتب، 1414 هـ / 1993 م، 2/ 425 - 426، وكشاف القناع، البهوتي، 4/ 292، والمغني، ابن قدامة، 6/ 28.
(2)
انظر: الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، النفراوي، 2/ 165، والذخيرة، أبو العباس أحمد بن إدريس الشهير بالقرافي، تحقيق: أحمد عبد الرحمن، طبع دار الكتب العلمية، بيروت، 1422 هـ.، 5/ 464.
(3)
انظر: كشاف القناع، البهوتي، 4/ 293، والإنصاف، المرداوي، 7/ 102 - 103.
(4)
انظر: روضة الطالبين، النووي، 5/ 356، ونهاية المحتاج، الرملي، 5/ 394.
(5)
انظر: الفتاوي الهندية، مجموعة من علماء الهند، 2/ 360 - 361 و 488 - 489، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق، ابن نجيم، 5/ 223، ورد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 4/ 362 - 376 - 377، والعقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية، ابن عابدين، 1/ 114 - 116، وشرح السير الكبير، محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي، نشر الشركة الشرقية للإعلانات، 1971 م، 5/ 2131، ومعين الحكام، الطرابلسي، 142، هذا وقد ذكر الحنفية أن المنقول يجوز وقفه إذا كان تبعًا للعقار، كالبناء والشجر، أو كان قد ورد فيه نص، كآلات الحرب، أو كان قد جرى فيه التعامل بالوقف كالمصاحف وغيرها. انظر: الهداية شرح بداية المبتدي، المرغيناني، 6/ 216 - 217، وفتح القدير، ابن الهمام، 6/ 215 - 217، والدر المختار شرح تنوير الأبصار، الحصكفي، 4/ 361 و 363 و 390، ورد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين، 4/ 361، والفتاوي الهندية، مجموعة من علماء الهند، 2/ 360 و 362، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق، ابن نجيم، 5/ 218 و 220.
وقد استدل أصاب هذا القول على جواز بيع الأعيان الموقوفة غير العقار إذا تعطلت بما يأتي:
1 -
استبدال المنقول إذا تعطلت منافعه، فيه محافظة على غرض الواقف، وبقاؤه معطل الانتفاع مفوت له
(1)
.
2 -
المقصود من الوقف هو إيصال المنفعة للموقوف عليه، واستبدال العين المعطلة بمثلها، فيه استيفاء لها وصيانتها عن الضياع
(2)
.
ثم اختلف القائلون بجواز بيع الوقف المنقول إذا تعطلت منافعه فيما يصرف فيه ثمنه.
فقد صرح المالكية، والحنابلة بأنه حيث يباع الوقف فإنه يصرف ثمنه في مثله؛ لأن في إقامة البدل مقامه تأبيدًا له وتحقيقًا للمقصود فتعين وجوبه، وإن لم يكن صرفه في مثله يصرف في بعض مثله
(3)
.
وقال ابن القاسم من المالكية: "أما الثياب فيشترى بها ثياب ينتفع بها فإن لم تبلغ فيتصدق به في السبيل"
(4)
.
ونقل عليش المالكي عن ابن رشد: "ما ضعف من دواب حبس السبيل أو بلي من ثيابه وذهبت منفعته بِيَع ورُدَّ بثمن الدواب خيل، فإن لم يبلغ ثمن فرس أو هجين أو برذون
(5)
أعين به في ثمن فرس، ورد ثمن الثياب في ثياب فإن قصر عن ثمن ما ينتفع به فرق في السبيل"
(6)
.
(1)
انظر: المبدع في شرح المقنع، إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مفلح، نشر دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، طبعة 1418 هـ/ 1997 م، 5/ 187، والفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، النفراوي، 2/ 165.
(2)
انظر: المبدع في شرح المقنع، ابن مفلح، 5/ 187.
(3)
انظر: كشاف القناع، البهوتي، 4/ 293، والذخيرة، القرافي، 5/ 463.
(4)
الذخيرة، القرافي، 5/ 463.
(5)
انظر: الفرس الهجين: هو الذي ولدته برذونة من حصان غير عربي، والبرذون، هو التركي من الخيل، وهو خلاف العراب، والمصباح المنير، الفيومي، مادة هجن، 1/ 41 وبرذون 2/ 634.
(6)
انظر: منح الجليل، عليش، 8/ 153.
وبهذا يقول الشافعية في وجه
(1)
.
وذهب الشافعية في وجه آخر إلى أن الثمن يصرف إلى الموقوف عليه ملكًا
(2)
.
القول الثاني: ذهب إلى عدم جواز بيع الأعيان الموقوفة المنقولة إن تعطلت منافعها، وبالتالي عدم انقطاع الوقف.
وقد صرح بهذا القول: فقهاء الشافعية في المذهب
(3)
، وهو رأي بعض المالكية
(4)
، وبعض الحنابلة
(5)
.
يقول شهاب الدين الرملي الشافعي: "ولو جفت الشجرة الموقوفة أو قلعها نحو ريح أو زمنت الدابة لم ينقطع الوقف على المذهب، وإن امتنع وقفها ابتداء لقوة الدوام بل ينتفع بها جذعًا بإجارة وغيرها
(6)
.
ويقول القرافي المالكي: "إذا حَبَسَ الفَرَسَ أو التَّيْس للضِّرَاب فانْقَطَع ذلك منهُ وكَبُرَ، قال ابن القاسم: في الكتاب يُبَاع صَوْنًا لِمالِيَّته عن الضياع، وقال عبد الملك: لا يُباع إلا أن يُشترط ذلك في الحَبْس؛ لأنّ بيع الحَبسِ حرامٌ"
(7)
.
ويقول أيضا: "فرع في الكتاب: ما بَلِي من الثياب حتى لا ينتفع به، أو ضعف من الدواب بيع واشتري بثمن الدواب فرس أو برذون أو هجين، فإن لم يبلغ أعين به في فرس، وكذلك الفرس يكلب، أو يخبث يباع ويشتري به فرس، قال ابن القاسم: وأما الثياب فيشترى بها ثياب ينتفع بها، فإن لم تبلغ فيتصدق به في السبيل، وروى غير ابن القاسم: لا يباع ما حبس من عبد أو ثوب، كما لا تباع الرباع"
(8)
.
(1)
انظر: روضة الطالبين، النووي، 5/ 356.
(2)
انظر: المرجع السابق، 5/ 356.
(3)
انظر: نهاية المحتاج، الرملي، 5/ 394، وروضة الطالبين، النووي، 5/ 356.
(4)
انظر: الذخيرة، القرافي، 5/ 448 - 449 و 463.
(5)
انظر: الإنصاف، المرداوي، 7/ 103.
(6)
نهاية المحتاج، الرملي، 5/ 394.
(7)
الذخيرة، القرافي، 5/ 48 - 449.
(8)
الذخيرة، القرافي، 5/ 463.