الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعند الزيدية: ليس من شرطه أن يخرجه عن يده
(1)
، فمن أحكام صيغة الوقف أنه لا يحتاج بعد لفظه إلى قبول الموقوف عليه، حيث هو آدمي معين، ولا إلى قبض ينوب مناب القبول؛ لأنه ليس من شرط صحته أن يخرجه الواقف عن يده، بل عدم الرد من الموقوف كاف
(2)
.
خامًسا: ثبوت الوقف بالكتب العرفية:
تعريف الكتب العرفية: وثيقة إنشاء الوقف ليس له وسم في دواوين القضاة ولا لدى الجهات الحكومية المأمونة من التزوير
(3)
.
أ) حكم ثبوت الوقف بالكتب العرفية:
اختلف الفقهاء في ثبوت الوقف بالكتب العرفية على قولين في الجملة:
القول الأول: أن الوقف لا يثبت بالكتب العرفية، وإليه ذهب أبو حنيفة وأبو يوسف، وهو المذهب عند الحنفية
(4)
، والمالكية في المذهب
(5)
، والشافعية في المذهب
(6)
.
(1)
انظر: التاج المذهب لأحكام المذهب، أحمد بن قاسم العنسي اليماني الصنعاني، نشر دار الحكمة اليمانية، 3/ 283.
(2)
انظر: المرجع السابق، 3/ 299.
(3)
انظر: رد المحتار على الدر المختار، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز بن عابدين الدمشقي الحنفي، 4/ 413 - 414، وغمز عيون البصائر، الحموي، 2/ 306، وحاشية البجيرمي على الخطيب، 3/ 258.
(4)
انظر: كشف الأسرار شرح أصول البزدوي، عبد العزيز بن أحمد بن محمد، علاء الدين البخاري الحنفي، 3/ 51 - 54، وتنقيح الفتاوى الحامدية، ابن عابدين، 1/ 118، 2/ 19 - 20، وغمز عيون البصائر، الحموي، 2/ 307، ومجمع الضمانات، البغدادي الحنفي،371.
(5)
انظر: تبصرة الحكام، إبراهيم بن علي بن فرحون المالكي، 2/ 27، والطرق الحكمية، محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية، 173 - 174.
(6)
انظر: الأشباه والنظائر، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي، 309 - 310، والغرر البهية في شرح البهجة الوردية، الشيخ زكريا الأنصاري، 5/ 262 و 288، وأسني المطالب، الأنصاري، 4/ 400 و 5/ 288، والأم، الإمام محمد بن إدريس الشافعي، مطبعة الشعب، القاهرة، 1388 هـ، 7/ 160.
واستدل أصحاب هذا القول بالأدلة الآتية:
1 -
أن الكتب العرفية لا تعتبر بينة واضحة يثبت به الحق
(1)
، ولا يثبت الحق إلا بأمر ثابت معروف
(2)
؛ ولأن الخط قد يشبه الخط
(3)
؛ ولأن الخط لا يحكم به باعتراف كاتبه بأنه على ما كتبه؛ لأنه قد يكتب أشياء لا يؤخذ بها
(4)
.
2 -
أن الكتب العرفية إقرار بالوجود لا بالوجوب؛ لأنه أخبر بأنه وجد أو فعل هكذا، والوجود لا يدل على الوجوب؛ لأنه قد يجد في كتابه مكتوب غيره وقد يكتب ممتحنًا للخط فلا يكون إقرارا بالوجوب
(5)
.
3 -
أن الاعتماد على الكتب العرفية كان بدون شهادة ولا استفاضة، ولا يجوز اعتماد مجرد الكتاب من غير إشهاد ولا استفاضة
(6)
.
القول الثاني: أن الوقف يثبت بكتاب الوقف العرفي إذا كان موثوقًا به، وحصل العلم بنسبة الخط إلى الواقف، وإليه ذهب الحنابلة في المذهب
(7)
، والإمام محمد بن الحسن الشيباني فيما رواه عنه ابن رستم
(8)
، وبعض المالكية
(9)
، والشافعية في وجه
(10)
.
(1)
فسَّر البحيرمي كتاب الوقف بالكتاب المكتوب فيه وقفية الشيء الموقوف. انظر: حاشية البجيرمي على الخطيب، 3/ 258.
(2)
انظر: تنقيح الفتاوى الحامدية، ابن عابدين، 1/ 118 و 2/ 19 - 20، وكشف الأسرار شرح أصول البزدوي، عبد العزيز بن أحمد بن محمد، علاء الدين البخاري الحنفي، 3/ 51 - 54.
(3)
انظر: غمز عيون البصائر، الحموي، 2/ 307.
(4)
انظر: تبصرة الحكام، إبراهيم بن علي بن فرحون المالكي، 2/ 27.
(5)
انظر: معين الحكام، الطرابلسي، 125.
(6)
انظر: الأشباه والنظائر، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، 310.
(7)
انظر: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهي، مصطفى بن سعد السيوطي الرحيباني الحنبلي، 4/ 445، وكشاف القناع، منصور بن يونس البهوتي، 4/ 337، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، علاء الدين المرداوي الحنبلي، 7/ 188.
(8)
انظر: كشف الأسرار شرح أصول البزدوي، عبد العزيز بن أحمد بن محمد، علاء الدين البخاري الحنفي، نشر دار الكتاب الإسلامي، 3/ 51 - 54.
(9)
انظر: الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام المعروف بشرح ميارة، أبو عبد الله، محمد بن أحمد بن محمد الفاسي، ميارة، نشر دار المعرفة، 1/ 66.
(10)
انظر: بغية المسترشدين في تلخيص فتاوى بعض الأئمة من العلماء المتأخرين، عبد الرحمن بن محمد بن حسين بن عمر باعلوي، نشر دار الفكر، 619.
واستدل أصحاب هذا القول بالأدلة الآتية:
1 -
قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده"
(1)
، وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم يذكر أمرًا زائدًا على الكتابة المطلقة الموثقة، فدل على الاكتفاء بها.
2 -
أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى عماله وغيرهم ملزمًا للعمل بتلك الكتابة، وكذا الخلفاء الراشدون من بعده؛ ولأن الكتابة تنبئ عن المقصود فهي كاللفظ
(2)
.
3 -
أن ثبوت الخط يتوقف على معاينة البينة أو الحاكم لفعل الكتابة الموثقة، لا على مجرد الكتابة غير الموثقة
(3)
؛ ولأنه لم تدخله ريبة إذا كان الخط محفوظًا عنده؛ ومثله خط غيره إذ المدار على كونه ظنًا مؤكدًا
(4)
.
4 -
أن العمل بالكتب العرفية يشترط معه الموثوقية؛ ولأن الحكم مناط بالمعرفة والشهرة من غير اعتبار لمعاينة الفعل؛ ليحصل المقصود وهو العلم بنسبة الخط إليه، وذلك موجود بحيث يستقر في النفس استقرارا لا تردد معه فوجب الاكتفاء به
(5)
.
5 -
أن الخط يمكن تمييزه عن غيره، وإن لم يكن الخط الذي في الصك في يد الشاهد؛ لأنه لا يجري فيه التبديل والتغيير، فإنه لو ثبت يثبت بالخط، والخط قلما يشبه الخط؛ لأن الله تعالى كما خلق الأجسام متفاوتة إظهارًا لقدرته خلق الأمثال كذلك فالخط لا يشبه الخط إلا نادرًا، والنادر لا حكم له ولا اعتبار لتوهم التغيير فإن له أثر يوقف عليه فإذا لم يظهر ذلك جاز الاعتماد عليه
(6)
.
(1)
صحيح البخاري (2738).
(2)
انظر: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهي، مصطفى بن سعد السيوطي الرحيباني الحنبلي، 4/ 445، وكشاف القناع، منصور بن يونس البهوتي، 4/ 337، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، علاء الدين المرداوي الحنبلي، 7/ 88.
(3)
انظر: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، علاء الدين المرداوي الحنبلي، 7/ 188.
(4)
انظر: بغية المسترشدين في تلخيص فتاوى بعض الأئمة من العلماء المتأخرين، عبد الرحمن بن محمد بن حسين بن عمر باعلوي، 619، ونهاية المحتاج شرح المنهاج، محمد بن أحمد الرملي، طبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، 1386 هـ، 8/ 260.
(5)
انظر: كشاف القناع، منصور بن يونس البهوتي، 4/ 337.
(6)
انظر: كشف الأسرار شرح أصول البزدوي، عبد العزيز بن أحمد بن محمد، علاء الدين البخاري الحنفي، 3/ 51 - 54.