الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خروجه لسماعها في محلها، وفي أن يكتب الحاكم إلى والي البلد أن يسمعها ويعدلها ويبعث بما صح"
(1)
، وناظر الوقف بمنزلة وصي اليتيم كما هو معلوم.
القول الثاني: ذهب محمد من الحنفية، وهو الصحيح المفتى به عندهم، أن الدعوى تقام حيث شاء المدعى عليه
(2)
.
القول الثالث: ذهب فقهاء الحنابلة في قول إلى أنه عند اختلاف الخصمين في تحديد مكان الدعوى، فإنهما يمنعان من التخاصم حتى يتفقان على الرفع إلى قاضي معين
(3)
.
القول الرابع: ذهب فقهاء المالكية إلى أنه إذا كانت الخصومة تتعلق بمعين، سواء كان عقارًا أم لا، فموطن الدعوى حيث يكون المدعى عليه، ولا يلتفت إلى موضع المدعى ولا موضع المدعى فيه، وهذا قول مطرف، وأصبغ، وبه حكم بالمدنية والأندلس، وقال ابن الماجشون: موطن الخصومة حيث يكون المدعى فيه (أي: به)
(4)
.
الحالة الثانية: موطن الدعوى حالة عدم التمييز بين كل من المدعي والمدعى عليه:
اختلف الفقهاء في تحديد موطن الدعوى في هذه الحالة، وكان اختلافهم على قولين:
القول الأول: ذهب فقهاء الشافعية، والحنابلة إلى أنه إذا تساوى كل من المتداعيين في طلب الدعوى، بأن كان كل منهما طالبا ومطلوبًا؛ كاختلافهما في ثمن مبيع، فإن
(1)
انظر: شرح النيل وشفاء العليل، محمد بن يوسف أطفيش، وزارة التراث القومي والثقافة سلطنة عمان، 13/ 241.
(2)
انظر: العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية، ابن عابدين، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي، 1/ 301.
(3)
انظر: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، المرداوي، 11/ 168 - 169.
(4)
انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد عرفة الدسوقي، 4/ 164، وشرح الخرشي على مختصر خليل، محمد الخرشي، 7/ 174، وشرح منح الجليل على مختصر العلامة خليل، وبهامشه حاشية المسماة تسهيل منح الجليل، الشيخ محمد عليش، 8/ 380، وتبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، ابن فرحون، مطبوع على هامش فتح العلي المالك (فتاوى الشيخ عليش)، 1/ 95.
المكان المعتبر في إقامة الدعوى، هو مكان أقرب القاضيين، وإن تساوى القاضيان في القرب، قدم مكان من خرجت له القرعة
(1)
.
القول الثاني: ذهب فقهاء المالكية إلى أنه إذا ادعى كل من الخصمين أنه المدعى وكان كل منهما مدعيًا، فالقول للطالب الذي سبق رسول القاضي معه على غيره، بمعنى أنه إذا ذهب أحد المتداعيين لقاض، وذهب الآخر لقاض آخر فأرسل كل قاض عونه لمن لم يأته من المتداعيين، فإن استويا في المجيء مع دعوى كل إنه الطالب، أقرع للقاضي الذي يذهبان إليه، فمن خرج سهمه للذهاب له ذهبا له
(2)
.
هذا وهو المعمول به في القوانين المدنية، أن الدعوى تقام في موطن المدعى عليه، خصوصًا إذا كانت الدعوى تتعلق بحق في الذمة
(3)
.
وبغض النظر عن الخلاف في وسائل تحديد المدعي والمدعى عليه وطرائقه بين الفقهاء
(4)
، فإن ما عليه الاتفاق هو وجوب توفر شرط الصفة
(1)
انظر: أسنى المطالب في شرح روض الطالب، زين الدين أبو يحيى زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري السنيكي، 1/ 287، ونهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، شمس الدين الرملي، 8/ 243 - 244، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، المرداوي، 1/ 168 - 169، ومطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهي، مصطفى بن سعد بن عبده الدمشقي الحنبلي، 6/ 464 - 465.
(2)
انظر: شرح الخريشي على مختصر خليل، محمد الخرشي، 7/ 145، وحاشية العدوي على شرح الخرشي، العدوي، مطبوعة على هامش الخرشي، 7/ 145، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، محمد عرفة الدسوقي، 4/ 135، وشرح منح الجليل على مختصر العلامة خليل، وبهامشه حاشية المسماة تسهيل منح الجليل، الشيخ محمد عليش، 8/ 283.
(3)
انظر: شرح قانون المرافعات المدنية والتجارية العراقي، ضياء شيت خطاب، 228.
(4)
انظر: الاختيار لتعليل المختار، عبد الله الموصلي، 2/ 3، والفتاوي الكاملية في الحوادث الطرابلسية محمود الطرابلسي، مطبعة مصطفى محمد، 1895 م، 114، وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، علاء الدين الكاساني، 6/ 397 وبعدها، وفتح الوهاب شرح منهج الطلاب، الشيخ زكريا الأنصاري، مطبعة دار إحياء الكتب العربية، مصر، 1935 م، 2/ 27، ومواهب الجليل شرح مختصر خليل، أبو عبد الله محمد الحطاب، مطبعة السعادة، ط 1، مصر، 1329 هـ، 6/ 126 - 127، والاختيار لتعليل المختار، عبد الله الموصلي، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط 1، 1355 هـ، 2/ 3 - 4، وجواهر الكلام، محمد حسن النجفي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د. ت، 41/ 179.
فيهما
(1)
؛ فالمدعي لكي يكون له حق المخاصمة يجب أن يكون له حق الادعاء الذي يترتب عليه تكليف المدعى عليه بالجواب والمخاصمة.
والمدعى عليه ليكون خصمًا في الدعوى يجب أن يكون ممن يترتب على إقراره حكم، فإذا ترتب ذلك كان خصمًا في الدعوى عند إنكاره، ويصح توجيهها إليه، وبعبارة أخرى يقال: إن الأصول المقررة التي تنتظم تحتها الخصومة هي أن من ادعي على إنسان شيئًا، فإن كان المدعى عليه لو أقر بالدعوى يصح إقراره ينتصب خصمًا عند إنكاره، وإن كان لو أقر لا يصح إقراره لا ينتصب خصمًا في إقامة النية عند إنكاره
(2)
.
واتفق الفقهاء على أن الخصم في دعوى الوقف هو المتولي؛ سواء صدرت الدعوى عن الوقف أم كانت عليه، وسواء كانت الدعوى متعلقة برقبة الوقف أو بغلته، وأن المستحق في الغلة لا يكون خصمًا، سواء كان مدعيًا أو مدعى عليه، ولو انحصر فيه الاستحقاق
(3)
، والأساس في ذلك هو أن ناظر الوقف أو متوليه وكيل عن غيره سواء كان الغير هذا هو المستحق في الوقف أم كان هو من أقامه ناظرًا كالقاضي أو الواقف، فهو يقوم خصمًا في دعوى الوقف بناء على صحة الوكالة
(4)
.
واستثنى الفقهاء من مسألة أن المستحق في الوقف لا يملك حق المخاصمة في الدعوى صورًا:
(1)
انظر: مواهب الجليل شرح مختصر خليل، أبو عبد الله محمد الحطاب، 6/ 126.
(2)
انظر: تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، بهامش: فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (فتاوى الشيخ عليش)، محمد أحمد عليش، المطبعة الكبرى الأميرية، 1306 هـ، 1/ 237.
(3)
انظر: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، المرداوي، 7/ 67، وتبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، ابن فرحون، 1/ 239، ورد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين)، ابن عابدين، 8/ 126، وتحفة المحتاج بشرح المنهاج، أحمد بن حجر الهيتمي، مطبوع على هامش حاشيتي الشرواني والعبادي، مطبعة مصطفى محمد، 6/ 299، وشرح منتهى الإرادات، البهوتي، المطبعة العامرية الشرفية، ط 1، 1319 هـ، مطبوع على هامش كشاف القناع، 2/ 129.
(4)
لا إشكال في جواز النيابة في الخصومة، وإن كان الأصل هو أن صاحب الحق يطالب بحقه في قبال من عليه الحق، والنائب هو الوصي أو الولي أو الوكيل.