الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 - ما كان يفعل
نحو: ما كنت أكتب وما كنت أحفظ. تقول هذا التعبير لأحد معنيين:
نفي الحدث في وقت مهين، كأن يقول لك صاحبك (مررت بك أمس وأظنك كنت تكتب) فتقول له: ما كنت أكتب، ولا تقول: كنت لا أكتب.
وتقول: ما كنت أشرب الماء لمن ظن أنك كنت تفعل ذاك في وقت ما، ولا يصح أن تقول: كنت لا أشرب الماء. وتقول: (ما كنت أرد عليه) لمن ظن أنك كنت ترد على زيد في وقت ما، ولا تقول: كنت لا أرد عليه.
والمعنى الثاني على نفي الحدث قبلا كأن تقول: (ما كنت أقرأ ولا أكتب) أي ما كنت أعرف القراءة والكتابة، ونحوها:(ما كنت أحفظ شعرًا) أي لم يتسن لي ذلك لأي سبب كان ونحو ذلك قوله تعالى: {وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون} [العنكبوت: 48].
2 - كان لا يفعل:
أن النفي في هذا التعبير مسلط على (يفعل) وليس على الكون بخلاف (ما كان يفعل). ففي التعبير (كان لا يفعل) تثبت له عدم الفعل، وفي (ما كان يفعل) لا تثبت له الفعل. وهذا كما تقول (تثبت أنه لا يفعل) و (ما ثبت أنه يفعل) ففي العبارة الأولى تثبت له عدم الفعل، وفي الثانية تنفي ثبات الفعل، وبعبارة أخرى إن الأمر في العبارة الأولى ثبت، وفي الثانية لم يثبت. ونحو هذا قولك (زعمت أنه لا يقول الشعر) و (ما زعمت أنه يقول الشعر) ففي الجملة الأولى أثبت الزعم، أي إنه قال: هو لا يقول الشعر، وفي الثانية نفيت الزعم أصلا أي إنه لم يقل ذلك، ونحو هذا قولك (قلت أنه لا يحضر) و (ما قلت أنه يحضر) ففي الأولى قال، وفي الثانية لم يقل، وقولك (ظننت أنه لا يفعل) و (ما ظننت أنه يفعل) ففي الأولى ظن، وفي الثانية لم يظن.
وأنت ترى الفرق واضحًا في نحو قولنا (ما كنت أنتظرك ولكن جئت من غير انتظار) وقولك (كنت لا أنتظرك) أي أنا أتعمد عدم انتظارك.
وتقول (ما كان يلتقي به) و (كان لا يلتقي به) ففي العبارة الثانية هو يتجنب الالتقاء به مع إمكانه ذلك، وفي الأولى نفيت الإلتقاء به، وقد يكون ذلك لأنه لم يتهيأ له فرصة لقاء، فالعبارة الثانية أفادت أنه كان يتعمد عدم اللقاء بخلاف الأولى.
وتقول (ما كان يقرأ القرآن) وتقول (كان لا يقرأ القرآن) أي تعمد عدم قراءته، ففي الثانية من العمد والقصد على عدم الفعل ما ليس في الأولى، فقد يكون معنى الأولى أنه لم يكن يعرف قراءته وقد يحتمل غير ذلك، وأما في الثانية فقد أثبت أنه لا يريد قراءته.
وبهذا يتضح أن ثمة فرقًا بين قوله تعالى: {وما كنت ترجوا أن يلقي إليك الكتاب} [القصص: 86]، وقوله:{إنهم كانوا لا يرجون حسابًا} [النبأ: 27] وقوله: {بل كانوا لا يرجون نشورا} [الفرقان: 40]، ففي الآية أولى أخبر الله عن حال رسوله قبل البعثة أنه لم يكن يفكر في الكتاب والوحي، بل لم يكن يعلم عنهما شيئا كقوله تعالى {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان} [الشورى: 52]، ولم يكن يأمل أن ينزل عليه كتاب بخلاف الثانية، فإن الكفار كانوا لا يرجون اليوم الآخر عن أصرار أي يتجنبون الإيمان به وينكرونه، فالأولى حال غفلة كما قال تعالى:{وإن كنت من قبله لمن الغافلين} [يوسف: 3]، والثانية حال إصرار وعمد.
ثم أن التعبير بـ (كان لا يفعل) يفيد الدأب والعادة وذلك نحو ما جاء في الأثر عن النبي صلى الله عليه وسل أنه (كان لا يقوم من مصلاه حتى تطلع الشمس) أي كان هذا دأبه وعادته. ونحوه ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم (أنه كان لا يطرق أهله ليلا وكان يأتيهم غدوة أو عشية).
ولذا كان النفي بـ (كان لا يفعل) أطول زمنًا وأدوم وأعم من (ما كان يفعل) فإذا قال لك شخص (كنت تحفظ شعرًا عند ما جئتك) وأردت أن تنفي قوله قلت (ما كنت أحفظ شعرًا عندما جئتني) أو (لم أكن أحفظ شعرًا عندما ما جئتني) ولا تقول: (كنت لا أحفظ شعرًا عندما جئتني) لأن (لا يفعل) يفيد الدأب والعادة والاستمرار، ولكن يصح أن تقول (كنت لا أحفظ شعرًا عندما تأتيني) أي كان هذا دأبي وعادتي.
وإذا قيل لك كان يسبح حينما ناديته قلت ما كان يسبح حينما ناديته أو لم يكن يسبح ولا تقول: كان لا يسبح حينما ناديته.
وإذا قيل لك: (كان يقرأ حينما جئته) قلت: (ما كان يقرأ حينما جئته) ولا تقول (كان لا يقرأ حينما جئته) فدل على أن (كان لا يفعل) أعم من (ما كان يفعل) وأدوم. قال تعالى: {الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعًا} [الكهف: 101]، وقال:{ما كانوا يستطيعون السمع} [هود: 20].
قيل ومعنى الآية الأولى أنهم "كانوا صمًا عنه إلا أنه أبلغ لأن الأصم قد يستطيع السمع إذا صح به هؤلاء كأنهم أصميت أسماعهم فلا إستطاعة بهم للسمع (1) " وهو نفي لسماعهم على أتم وجه (2).
وأما معنى آية هود فإنهم كانوا يستثقلون سماع الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ويستكرهونه إلى أقصى الغايات وهو نظير قول القائل: هذا الكلام لا أستطيع سمعه وهذا مما يمجه سمعي (3).
فالصنف الثاني يسمع إلا أنه يكره أن يسمع هذا القول بخلاف الصنف الأول فإنه أصم لا يسمع.
فعبر عن الصنف الأول بـ (كان لا يفعل) وهو يفيد عدم السماع على وجه الدوام والاستمرار، وعن الصنف الثاني بـ (ما كان يفعل).
وهذا لايختص بكان وحدها بل قد يكون في غيرها أيضًا، وذلك نحو قول الربيع بن ضبع الفزاري:
أصبحت لا أحمل السلاح ولا
…
أحمل رأس البعير أن نفرا
أي أصبح هذا شأنه وأمره، بمعنى أصبح ضعيفا لا يقوى على حمل السلاح، ولو قال (ما أصبحت أحمل السلاح) لاحتمل أن يكون ذاك من باب التوقيت، أي لم يصبح يحمل السلاح هذا اليوم وربما حمله في وقت آخر، فاتضح ما قلناه.
(1) الكشاف 2/ 272، وانظر البحر المحيط 6/ 165، التفسير الكبير 21/ 173
(2)
روح المعاني 16/ 45
(3)
انظر الكشاف 2/ 94، روح المعاني 12/ 32