الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
العهد الحضوري: وهو أن يكون مصحوبها حاضرًا مشاهدًا أو محسوسًا كأن تقول: (فاز هذا الغلام) وكقولك (اليوم نسافر) وتقول لشاتم رجل بحضرتك: لا تشتم الرجل ومنه قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة: 3]. (1)
وقيل أنه يعرض في العهدية الغلبة، ولمح الأصل " فالتي للغلبة كالبيت للكعبة والنجم للثريا دخلت لتعريف العهد ثم حدثت الغلبة بعد ذلك، والتي للمح لم تدخل أولاً على الاسم للتعريف، لأن الاسم علم في الأصل، لكن لمح فيه معنى الوصف فسقط تعريف العلمية فيه، وإنما أنت تريد شخصا معلومًا فلم يكن بد من إدخال أل العهدية عليه لذلك"(2).
أل الجنسية:
وهي التي تدخل على الجنس، ولا يراد بها واحد معين من أفراد الجنس كما في العهدية، فإن أل العهدية يراد بمصحوبها واحد بعينه من أفراد الجنس كما ذكرنا، بخلاف (أل) هذه فإذا قلت مثلا (الغزال أسرع من الذئب) فأنت لا تقصد بع غزالا واحدًا معينا وكذا إذا قلت (الذئب مفترس) فأنت لا تريد واحدًا بعينه من أفراد الجنس بل كأنك تقول: هذا الجنس من الحيوان مفترس، فأل هذه تعرف الجنس بأسره وليست تعرف واحدًا بعينه من أفراد الجنس.
وقسموا أل الجنسية على قسمين:
1 -
أن تكون للاستغراق وهي على قسمين:
الأولى وهي التي تفيد استغراق جميع أفراد الجنس، وهي التي تخلفها (كلّ) حقيقة وذلك نحو قوله تعالى:{وخلق الإنسان ضعيفا} [النساء: 28]، أي كلُّ إنسان بلا استثناء.
(1) انظر المغني 1/ 49 - 50، التصريح 1/ 149، الرضي على الكافية 2/ 147
(2)
الهمع 1/ 79
وقولنا (خلق الله الإنسان من الطين) أي كل إنسان، وقولنا (الاس أثمن من الحصاة) فإن كل ماسة أثمنَ من كل حصاة. فأل ههنا استغرقت جميع أفراد الجنس.
والأخرى وهي التي تفيد استغراق جميع خصائص الأفراد تجوزًا، مبالغة في المدح والذم فالمدح كقولك (هو الرجل علما) أي الكامل في هذه الصفة، ومعناه أنه اجتمع فيه ما تفرق في الجنس من هذه الصفة ونحوه (هو الشجاع) أي اجتمع فيه ما تفرق في الجنس من صفة الشجاعة وتسمى أل الكمالية.
ومن الذم قولك (هو اللئيم) أي اجتمع فيه من هذه الصفة ما تفرق في غيره.
2 -
أن تكون لتعريف الحقيقة وهي التي لا تخلفها كل وذلك نحو قولنا (خلق الله آدم من الطين) فليس المقصود إن الطين كله استغرق في خلق آدم، بل معناه إنه خلقه من هذا الجنس وكقوله تعالى:{وجلعنا من الماء كل شيء حي} [الأنبياء: 30] أي من حقيقة الماء وليس المقصود استغراق الماء كله في خلق الأحياء (1). ونحو قولنا (الحصان أسرع من الثور) فهذا ليس على سبيل الاستغراق بل ربما وجد ثور أسرع من حصان ولكن هذه حقيقة عامة.
وقد فرقوا بين المعرف بأل هذه واسم الجنس النكرة، فذهب قس إلى أن تعريف الجنس تعريف لفظي، وهو في معنى النكرة فقولك (خلق الله الإنسان من الطين) هو بمعنى خلق الله الإنسان من طين وقولك " هو ما يعطيني إلا التمرة أو التمرتين" هو بمعنى قولك " ما يعطيني إلا تمرة أو تمرتين". (2)
وذهب قسم إلى إن الفرق بينهما هو فرق ما بين المقيد والمطلق، وذلك لأن المعرف بها يدل على الحقيقة بقيد حضورها في الذهن واسم الجنس النكرة يدل على مطلق الحقيقة لا باعتبار قيد. (3)
(1) انظر المغني 1/ 50، الهمع 1/ 79، التصريح 1/ 149
(2)
انظر الرضي على الكافية 2/ 144
(3)
انظر المغى 1/ 50 - 51، التصريح 1/ 149
والحق إن المعرف بأل الجنسية يختلف عن اسم الجنس النكرة، كما ذهب إليه القسم الثاني، وذلك أن المعرف بأل يقصد به استحضار الجنس وهيئته المعلومة في الذهن، فإذا قلت:(الأسد أجرأ من الثعلب) فكأنك قلت: الحيوان الذي أمره كذا أو المشهور بكذا أجرأ من الحيوان الذي من أمره كذا أو المعروف بكذا.
ونحوه قولك (خلق الإنسان من الطين) فالطين ههنا جنس، وهو معروف بأل أي من هذه المادة المعروفة التي من أمرها كذا، فإذا قلت (من طين) كان المعنى أنه خلق من مادة هذا اسمها ولست تشير إلى استحضار صفاتها وإنما يكون عرضا غير مقصود.
فتعريف الجنس القصد منه استحضار ما عرف عن الجنس في الذهن والتنكير ليس القصد منه ذلك جاء في (الكشاف) في قوله تعالى {الحمد لله رب العالمين} " وهو تعريف الجنس ومعناه الإشارة إلى ما يعرفه كل أحد من أن الحمد ما هو"(1).
فأحالك إلى ما يعرفه الذهن عن حقيقة الحمد واستحضاره في الذهن فتعريف الجنس شبيه بعلم الجنس (2) الذي سبق أن ذكرناه في باب العلم فقولك (الأسد المفترس) يراد به ما يراد بقولك (أسامة متفرس) فالفرق بين المعرف بأل الجنسية واسم الجنس النكرة كالفرق بين أسامة وأسد وقد مرّ ذلك بما فيه الكفاية.
وقد يشار بأل هذه إلى واحدٍ غير معين من الجنس المعروف المعلوم، كما مر في نحو قولنا (أدخل السوق) فإن هذا الجنس معلوم للمخاطب، غير أنه لا يراد واحد بعينه من هذا الجنس فأل هذه جنسية (3)، في حقيقتها، لأنه لا يراد بمدخولها شيء بعينه بل يراد به واحد من الجنس المعهود، فالجنس معهود معلوم وما دخلت عليه أل واحد غير معين من هذا الجنس ونحوه قوله:
(1) الكشاف 1/ 40
(2)
انظر حاشية الخضري 1/ 84، الأشموني 1/ 179
(3)
انظر حاشية الخضري 1/ 84
ولقد أمرُّ على اللئيم يسبني
…
فمضيت ثمّت قلتُ لا يعنيني
فالشاعر لا يريد لئيمًا بعينه بل يريد واحدًا غير معين من هذا الجنس المعلوم، فتعريف اللئيم ههنا يراد به الإشارة إلى استحضار خصائص هذا الجنس في الذهن بخلاف قولك (ولقد أمر على اللئيم) فلا يراد ههنا الإشارة إلى خصائص الجنس واستحضارها في الذهن جاء في (شرح الأشموني):" وقد يشار به إلى حصة غير معينة في الخارج بل في الذهن نحو قولك (ادخل السوق) حيث لا عهد بينك وبين مخاطبك في الخارج ومنه (وأخاف أن يأكله الذئب) والأداة فيه لتعريف العهد الذهني، ومدخولها أمر على اللئيم يسبني". (1)
فذكر أن الأداة فيه لتعريف العهد الذهني، وهذا مذهب البيانيين، فقد ذهبوا إلى أنها للعهدالذهني " لعهدية الحقيقة التي لذلك البعض في الذهن، وأن كان هو مبهما (2) ".
فهي إذن ليست للعهد الذهني الذي سبق أن أوضحناه، وإنما تفيد أنّ الجنس بأسره معهود.
على أن بعضهم يذهب إلى أنّ (أل) في جميع أحوالها لتعريف العهد ويقسم المعهود إلى قسمين: معهود شخص ومعهود جنس. أما المعهود الشخصي فهو ما ذكرناه في باب أل العهدية وذلك أنها تدل على واحد بعينه من أفراد الجنس وأما معهود الجنس فهو ما أدرجناه في "أل" الجنسية وحجته في ذلك، أن الأجناس أمور معهودة في الأذهان معلومة للمخاطبين متميز بعضها عن بعض (3).
ويبدو لي أن الخلاف لفظي بين الفريقين.
(1) الأشموني 1/ 179 - 180
(2)
حاشية الخضري 1/ 84
(3)
انظر المغني 1/ 50