الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أفعال الرجاء
والمقاربة والشروع
أفعال الرجاء
يذكر النحاة أن أفعال الرجاء ثلاثة:
عسى
وحرى وأخلولق (1).
عسى:
استعملت (عسى) فعلا لرجاء حصول الفعل في المستقبل تقول:
(عسى محمد أن يحج في العام القابل) جاء في (شرح الرضي على الكافية):
" عسى لطمع حصول مضمونه مطلقا سواء ترجى حصوله عن قريب أو بعد مدة مديدة تقول: عسى زيد أن يخرج فهي بمعنى لعله يخرج ولا دنو في لعل اتفاقًا"(2).
وقال ابن يعيش: "وهو فعل غير متصرف ومعناه المقاربة على سبيل الترجي، قال سيبويه: معناه الطمع والإشفاق أي طمع فيما يستقبل واشفاق أن لا يكون"(3).
والكثير في خبرها أن يكون فعلا مضارعًا مقترنًا بأن، وذلك أنها لما كانت للاستقبال جاؤا بأن الدالة على الاستقبال، إذ لفظ المصدر لا يدل على زمان مخصوص، وأما لزوم (أن) الخبر فلما أريد من الدلالة على الاستقبال وصرف الكلام إليه لأن الفعل المجرد من (أن) يصلح للحال والاستقبال، و (أن) تخلصه للاستقبال، والذي يؤيد ذلك أن الغرض بـ (أن) الدلالة على الاستقبال لا غير.
وأما قول الشاعر:
عسى طيء من طيء بعد هذه
…
ستطفيء غلات الكلى والجوانح
(1) الأشموني 1/ 258، التصريح 1/ 203، ابن عقيل 1/ 123
(2)
الرضي على الكافية 2/ 333
(3)
ابن يعيش 7/ 115
لما كانت السين كأن في الدلالة على الاستقبال وضعها موضعها وأن اختلفت من حيث أن الفعل لا يكون معها في تأويل المصدر" (1).
وجاء في (أسرار العربية): "فإن قيل: فلم أدخلت في خبره (أن)؟
قيل: لأن (عسى) وضعت لمقارنة الاستقبال و (أن) إذا أدخلت على الفعل المضارع أخلصته للاستقبال، فلما كانت عسى موضوعة لمقارنة الاستقبال، و (أن) تخلص الفعل للاستقبال ألزموا الفعل الذي وضع لمقارنة الاستقبال (أن) التي هي علم الاستقبال" (2).
ووقع النحاة في إشكال إعرابي في نحو قولنا (عسى زيد أن يذهب) فـ (أنْ) وما بعدها مصدر ولا يصح الإخبار بالمصدر عن الذات، إذ لا يصح أن يقال: عسى زيد ذهابًا. ولذلك اختلفوا على آراء عدة:
فمنهم من ذهب إلى أنه على تقدير مضاف أي عسى حال زيد أن يقوم، أو عسى زيد ذا أن يقوم: قال الدماميني: وفي هذا العذر تكلف إذ لم يظهر المضاف الذي قدره يوما من الدهر لا في الاسم ولا في الخبر. (3)
ومنهم من ذهب إلى أنه على سبيل المبالغة قال ابن الناظم: "فإن قلت: كيف جاز اقتران الخبر ههنا بأن المصدرية مع أنه يلزم منه الإخبار عن اسم العين بالمصدر؟ قلت: يجوز ذلك على المبالغة". (4)
"وقيل: المصدر المؤول قد يصح حمله على الاسم من غير تأويل. وقيل: يقدر أن الإخبار إنما وقع أولاً بالفعل ثم جيء بأن، لتؤذن بالتراخي لقصد السبك ..
(1) ابن يعيش 7/ 118
(2)
أسرار العربية 127، وانظر الصبان 1/ 260، الرضي على الكافية 2/ 388
(3)
حاشية الصبان 1/ 260، حاشية الخضري 1/ 124
(4)
ابن الناظم 62 - 63، الصبان 1/ 260
وقيل: المقرون بأن مفعول به على تضمين الفعل معنى قارب، أو على إسقاط الخافض على تضمينه معنى قرب.
وقيل: بدل اشتمال من الفاعل على تضمينه معنى قرب.
وعسى على هذين القولين تامة.
وقيل: بدل اشتمال من المرفوع وسد هذا البدل مسد الجزءين" (1).
والذي يبدو لي أن الرأي الراجح هو الذي يذهب إلى أن (أن) ليست مصدرية وإنما هي مؤذنة بتراخي الفعل أي جيء بها للدلالة على الاستقبال والدليل على ذلك:
1 -
سقوط (أن) لضرورة أو لعدم إرادة تخصيص الفعل بالاستقبال كقوله:
عسى الله يغني عن بلاد ابن قادر
…
بمنهمر جون الرباب سكوب
وقول الآخر:
عسى الكرب الذي أمسيت فيه
…
يكون وراءه فرج قريب
2 -
مجيء خبرها وصفًا كقوله: أني عسيت صائما.
3 -
دخول سين الاستقبال بدلا من (أن) في الخبر لأن كليهما للاستقبال كقوله:
عسى طيء من طيء بعد هذه
…
ستطفيء غلات الكلى والجوانح
4 -
ليس ثمة ضرورة للقول بأن (أن) الناصبة للفعل مصدرية دائمًا، فقد تكون مصدرية وقد تكون غير ذاك، وعندنا في العربية نظائر لذلك فقد يختلف معنى الحرف الواحد فيكون مرة لشيء ومرة لغيره نحو (ما) المصدرية، فقد تكون مرة ظرفية مصدرية، وقد تكون مصدرية غير ظرفية، و (لو) الشرطية قد تكون مرة حرف امتناع لامتناع نحو (لو زارني لأكرمته) وقد تكون شرطية بمعنى (إن) ليس فيها الامتناع كقوله تعالى:
(1) حاشية الصبان 1/ 260، الهمع 1/ 130، الرضي على الكافية 2/ 335، المغني 1/ 151 - 152
{ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله} [لقمان: 27]، ونحو ذاك كثير، فلماذا يصر النحاة على أن (أن) الناصبة مصدرية ليس غير؟
ويمكن أن يقال أيضًا: ان الحروف المصدرية مهيئة لإقامة الجملة. مقام المفرد، فتهيئها لتكون فاعلة ومفعولة وغير ذلك نحو (سرني أن عدت) فقد يصح في المعنى أن تؤول بالمصدر، وأحيانًا لا يصح ذلك وفي كلتا الحالتين يراد معنى الجملة لا معنى المفرد. ألا ترى أنك تقدر (أن تصوم خير لك) و (أن صمت خير لك) تقديرًا واحدًا فتقول:(صيامك خير لك) مع أن الزمانين مختلفان.
أو لا ترى أنك تقدر هذه الجمل كلها:
سرني أن تعود
سرني أن عدت
سرني لو تعود
سرني أنك عائد
سرني أنك عدت
سرني أنك تعود
تقديرًا واحدا فتقول (سرني عودك) على ما فيها من اختلاف في الزمن والثبوت والحدوث؟
فمعنى المصدر المؤول يختلف عن معنى المصدر الصريح، لأن المصدر المؤول يراد منه معنى الجملة بخلاف المصدر الصريح.
وربما لم يستقم التأويل بالمفرد كما أسلفنا، نحو قولك:(عسى أن يزورنا خالد) و (عسى الله أن يأتي بالفتح) و (حسبت أن خالدًا قادم) لأن المراد في الحقيقة معنى الجملة لا المفرد، ولا يشترط أن يؤدي المفرد معنى الجملة دائمًا.