الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إعادة المبتدأ
قد يعاد المبتدأ بلفظه وأكثر ما يقع ذلك في مقام التهويل والتفخيم تقول: زيدٌ ما زيد؟ أي أيّ شيء هو تفخيمًا له وتعظيمًا، قال تعالى:{الحاقة ما الحاقة} [الحاقة: 1 - 2]، وقال:{القارعة ما القارعة} [القارعة: 1 - 2]، تفخيمًا لأمرها وتهويلاً، وقال:{وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين} [الواقعة: 27]، {وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال} [الواقعة: 41]، تعظيمًا وتهويلا لأمرهم.
جاء في (شرح الرضي على الكافية): "وأما وضع الظاهر مقام الضمير فإن كان في معرض التفخيم جاز قياسًا كقوله تعالى: {الحاقة ما الحاقة} أي ما هي؟ وإن لم يكن فعند سيبويه يجوز في الشعر بشرط أن يكون بلفظ الأول قال:
لعمرك ما معن بتارك حقه
…
ولا منسيء معن ولا متيسر
بجر (منسئ) فإذا رفعته فهو خبر مقدم على المبتدأ" (1).
وجاء في (الخصائص): "إنما يعاد لفظ الأول في مواضع التعظيم والتفخيم"(2).
وجاء فيه: "وأما قول ذي الرمة:
ولا الخُرق منه يرهبون ولا الخنا
…
عليهم ولكن هيبة هي ما هيا
فيجوز أن تكون (هي)، الثانية فيه إعادة للفظ الأول كقوله عز وجل {القارعة ما القارعة} وهو الوجه.
(1) الرضى على الكافية 1/ 98، وانظر حاشية يس على التصريح 1/ 165، حاشية الصبان 1/ 196، وانظر التصريح 1/ 166، الهمع 1/ 97
(2)
الخصائص 3/ 54
ويجوز أن تكون (هي)، الثانية ضمير هي الأولى، كقولك: هي مررت بها، وإنما كان الوجه الأول لأنه إنّما يعاد لفظ الأول في مواضع التعظيم والتفخيم وهذا من مظانه" (1).
وجاء في (الكشاف) في قولنا: زيد ما زيد: "جعلته لانقطاع قرينه، وعدم نظيره، كأنه شيء خفي عليك جنسه فأنت تسأل عن جنسه، وتفحص عن جوهره كما تقول: ما القول وما العنقاء؟ تريد أي شيء هو من الأشياء؟ هذا أصله ثم جرد للعبارة عن التفخيم"(2).
وجاء في (التفسير الكبير) في قوله تعالى: {الحاقة ما الحاقة} [الحاقة: 1 - 2]، " والأصل الحاقة ما هي؟ أي، أي شيء هي؟ تفخيمًا لشأنها، وتعظيمًا لهولها، فوضع الظاهر موضع المضمر، لأنه أهول لها ومثله قوله:{القارعة ما القارعة} . (3)
وقد يكرر المبتدأ لقصد الدلالة على الشهرة، أو عدم التغير تقول:(زيدٌ زيد) أي هو على ما تعهد أي لم يتغير عن حاله الأولى، رفعة أو ضعة، ودناءة قال تعالى:{والسابقون السابقون} [الواقعة: 10]، جا في (الكشاف): " يريد والسابقون من عرفت حالهم، وبلغك وصفهم كقولهم: وعبد الله عبد الله. وقول أبي النجم: وشعري شعري.
كأنه قال: وشعري ما انتهي إليك، وسمعت بفصاحته وبراعته" (4)
قال سيبويه: "وتقول: (قد جربتك فوجدتك أنت أنت) فأنت الأولى مبتدأ والثانية مبنية عليها، كأنك قلت: (فوجدتك وجهك طليق)، والمعنى أنك أردت أن تقول: فوجدتك أنت الذي أعرف. ومثل ذلك (أنت أنت) و (أن فعلت هذا فأنت أنت) أي فأنت الذي أعرف أو أنت الجواد والجلد كما تقول (الناس الناس)، أي الناس بكل مكان، وعلى كل حال كما تعرف (5) ".
(1) الخصائص 3/ 54
(2)
الكشاف 3/ 403
(3)
التفسير الكبير 30/ 102
(4)
الكشاف 3/ 193
(5)
سيبويه 1/ 381 - 382
قال ابن يعيش: "وأما قولهم: (أنت أنت)، فظاهر اللفظ فاسد، لأنه قد أخبر بما هو معلوم، وأنه قد اتحد الخبر والمخبر عنه لفظًا، ومعنى، وحكم الخبر أن يكون فيه من الفائدة ما ليس في المبتدأ. وإنما جاز ههنا، لأن المراد من التكرير بقوله (أنت أنت) أي أنت على ما عرفته من الوتيرة، والمنزلة لم تتغير. ومعنى تكرير الاسم بمنزلة أنت على ما عرفته. وهذا معنى يتضمن ما ليس في الجزء الأول، وعليه قول أبي النجم:
أنا أبو النجم وشعري شعري
معناه وشعري، شعري المعروف الموصوف كما بلغت وعرفت وهذا قياس الباب" (1).
وجاء في (شرح الرضي على الكافية): " الذي لا يغاير المبتدأ لفظًا يذكر للدلالة على الشهرة أو عدم التغير كقوله:
أنا أبو النجم وشعري شعري
أي هو المشهور المعروف بنفسه، لا بشيء آخر كما يقال مثلا: شعري مليح، وتقول:(أنا أنا) أي ما تغيرت عما كنت قال:
رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع
…
فقلت وانكرت الوجوه هم هم" (2).
وجاء في (المثل السائر) في قول أبي تمام:
لا أنت أنت ولا الديار ديار
…
خف الهوى وتولت الأوطار
" فقوله (لا أنت أنت ولا الديار ديار) من المليح النادر في هذا الموضع، لأنه هو هو والديار ديار، وإنما البواعث التي كانت تبعث على قضاء الأوطار زالت، فبقي ذلك الرجل وليس هو هو على الحقيقة، ولا الديار في عينه من الحسن تلك الديار، وعلى هذا ورد قول أبي الطيب المتنبي:
(1) ابن يعيش 1/ 98 - 99
(2)
الرضي على الكافية 1/ 103
قبيلٌ أنت أنت وأنت منهم
…
وجدك بشرٌ الملك الهمام
فقولك (أنت أنت) من توكيد الضميرين المشار إليهما، وفائدته المبالغة في مدحه ولو مدحه بما شاء الله لما سد مسد، قوله (أنت أنت) أي أنك المشار إليه بالفضل، دون غيرك" (1).
وجاء في (الخصائص) في قول الشاعر:
أنا أبو النجم وشعري شعري
وقوله:
إذ الناس ناس والبلاد بغرة
…
وإذ أم عمار صديقٌ مساعف
وقوله:
بلاد بها كنا وكنا نحلها
…
إذ الناس ناس والبلاد بلاد
" ألا ترى أن المعنى وشعري متناه في الجودة على ما تعرفه وكما بلغك، وقوله (إذ الناس ناس) أي إذ الناس أحرار والبلاد أحرار"(2).
(1) المثل السائر 2/ 23
(2)
الخصائص 3/ 337، وانظر 3/ 102 - 103، الكامل للمبرد 1/ 43، التفسير الكبير 26/ 48