الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد تسأل: وهل ثمة فرق في المعنى بين رفع ونصب الصفة؟ وأظن الجواب قد اتضح فإن الرفع على تقدير أن النعت جزء من جملة إسمية (هو ظريف)، والنصب على تقدير أنه جزء من جملة فعلية (أعني ظريفا) ونحن نعلم إن الاسم أثبت وأقوى من الفعل لأن الفعل يدل على الحدوث والتجدد، والاسم يدل على الثبوت فقولك (محمد حافظ) أقوى وأثبت من (يحفظ محمد) و (سعيد مجتهد) أثبت من (يجتهد سعيد).
فتبين من هذا إن البناء على تقدير من الاستغراقية، وإن النعت المبني جزء من الجملة المنفية بخلاف المرفوع والمنصوب، فإنهما أخبار ثان وهما جزء من جملة مستأنفة غير الجملة المنفية الأولى.
لا جرم:
الجرم القطع، وجرمه يجرمه جرما قطعه، ولا جرم قيل معناه لابد ولا محالة وقيل معناه حقا (1)، وقيل غير ذلك.
فقد ذهب سيبويه إلى أن (لا) صلة أي زائدة و (جرم) فعل ماض جاء في (الكتاب): " وأما قوله عز وجل {لا جرم أن لهم النار} [النحل: 62] فإن (جرم) عملت فيها لأنها فعل ومعناها: لقد حق أن لهم النار ولقد استحق أن لهم النار. وقول المفسرين معناها حقا إن لهم النار يدلك أنها بمنزلة هذا الفعل إذا مثلت.
فجرم قد عملت في (أن) عملها في قول الفزاري:
ولقد ظعنت أبا عيينة طعنة
…
جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
أي أحقت فزارة" (2).
وذهب الخليل إلى أن (لا) رد لما قبلها من الكلام و (جرم) فعل ماض.
(1) لسان العرب جرم
(2)
سيبويه 1/ 469
جاء في (الكتاب): " فزعم الخليل أن لا جرم إنما تكون جوابا لما قبلها من الكلام، يقول الرجل: كان كذا وكذا وفعلوا كذا وكذا فتقول: لا جرم أنهم سيندمون وأنه سيكون كذا وكذا"(1).
وجاء في (لسان العرب): " وقال غير الفراء: حقيقة معنى (لا جرم) أن (لا) نفي ههنا لما ظنوا أنه ينفعهم فرد عليهم فقيل: لا ينفعهم ذلك، ثم ابتدأ فقال: جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون أي كسب ذلك العمل لهم الخسران"(2).
وعند الفراء أنها بمعنى لابد ولا محالة ثم كثر استعمال العرب إياها حتى صارت بمعنى حقا. جاء في (معاني القرآن): " لا جرم أنهم: كلمة كانت في الأصل بمنزلة (لابد أنك قائم) و (لا محالة أنك ذاهب) فجرت على ذلك وكثر استعمالهم إياها حتى صارت بمنزلة حقا، ألا ترى أن العرب تقول: لا جرم لآتينك، لا جرم قد احسنت، وكذلك فسرها المفسرون بمعنى الحق"(3).
وجاء في (شرح الرضي على الكافية): "وقال الفراء هي أي (لا جرم) كلمة كانت في الأصل بمعنى لابد ولا محالة لأنه يروى عن العرب لا جُرْم والفَعْل والفَعَل يشتركان في أل مصادر كالرُّشد والرَشَد والبُخْل والبَخَل. والجَرْم القطع أي لا قطع من هذا كما أن (لا بد) بمعنى (لا قطع) فكثرت وجرت على ذلك، حتى صارت بمعنى القسم للتأكيد الذي فيها فلذلك تجاب بما يجاب به القسم، فيقال لا جرم لآتينك، ولا جرم لقد أحست ولا جرم إنك قائم، فمن فتح فللنظر إلى أصل (لا جرم) كما تقول: لا بد أن تفعل كذا، ولا محالة أنك تفعل كذا أي من أن تفعل، ومَنْ كسر فلمعنى القسم العارض في لا جرم"(4).
(1) سيبويه 1/ 469
(2)
لسان العرب /جرم
(3)
معاني القرآن للفراء 2/ 389
(4)
الرضي على الكافية 2/ 389
ومن الصعب البت بترجيح أحد الأقوال على ما عداه، غير أن الذي تميل إليه نفسي ترجيح قول الفراء لأكثر من سبب من ذلك:
1 -
ما ذكره النحاه من أن همزة (أن) بعد لا جرم يجوز فيها الفتح والكسر (1). تقول: (لا جرم أنه سيعود) و (لا جرم أنه سيعود) والفتح أشهر، فلو كانت فعلا لامتنع الكسر لأن الفعل يبقى عند ذاك بلا فاعل.
وقيل أن الفتح والكسر لغتان جاء في (الهمع): وبعض العرب أجرها مجرى اليمين فكسر (أن) بعدها" (2)، وعلى أية حال فإنه يستأنس باللغة الثانية على ما ذكرناه.
2 -
ما روي عن العرب من أنهم يقولون أيضا (لا جُرْم) بالضم (3)، والجُرْم مصدر فيستدل من هذا أن الجَرَم مصدر أيضا. جاء في (شرح الرضي على الكافية): " يروي عن العرب لا جرم والفعل والفعل يشتركان في المصادر كالرُّشْد، والرشَد، والبُخْل، والبَخَل (4).
ويضعفه أن العرب تقول أيضا (لا جَرُم) ككرُم، مما يقوي فعليتها، غير أن صاحب التاج عد هذا مصدرا أيضا فقال:" ويقال أيضا لا جرُم ككرم، ولا جرم بالضم كل ذلك أي لابد أو معناه حقا أو لا محالة، أو هذا أصله ثم كثر استعمالهم إياه حتى تحول إلى معنى القسم"(5).
3 -
ما ورد عن العرب أنْ (لا جرم) تنزل منزلة اليمين فتقول: لا جرم لآتينك، لا جرم قد أحسنت " وفي حديث قيس بن عاصم: لا جرم لأفلن حدها" (6).
(1) انظر الرضي على الكافية 2/ 389، شرح الأشموني 1/ 379
(2)
همع الهوامع 1/ 138
(3)
تاج العروس جرم / 8/ 325
(4)
الرضي على الكافية 2/ 389
(5)
تاج العروس /جرم / 8/ 325
(6)
لسان العرب / جرم / وانظر معاني القرآن للفراء 2/ 8