الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ضمير الشأن
من عادة العرب أنهم قد يقدمون على الجملة ضميرا تفسره الجملة، بعده يسمى ضمير الشأن، ويسميه الكوفيون ضمير المجهول، وذلك في مواضع التفخيم والتعظيم يقولون:(هو زيد منطلق) ومعنى: (هو): (زيد منطلق) أي معنى الضمير هو معنى الجملة فيكون المعنى هكذا: الشأن زيد منطلق، أو الأمر زيد منطلق: ويعني بالأمر ما بعده.
جاء في (شرح التصريح): والجملة أما نفس المبتدأ في المعنى، فلا تحتاج لرابط يربطها بالمبتدأ .. نحو:(هو الله أحد) إذا قدر (هو) ضمير شأن، فهو مبتدأ (والله أحد) جملة خبره، وهي عينه في المعنى لأنها مفسرة له، والمفسر عين المفسر أي: الشأن الله أحد. ولا يكون ضمير الشأن لحاضر، وإنما يكون ضمير غيبة مفسرا بجملة بعده خبرية مصرح بجزءيها، فإن كان بلفظ التذكير، سمي ضمير الشأن، وإن كان بلفظ التأنيث، سمي ضمير القصة وقد يسمى بهما. (1)
ولا يكون ذلك إلا في مواضع التفخيم، جاء في (شرح المفصل)، اعلم أنهم إذا أرادوا ذكر جملة من الجمل الإسمية، أو الفعلية فقد يقدمون قبلها ضميرا يكون كناية عن تلك الجملة، وتكون الجملة خبرا عن ذلك الضمير، وتفسيرا له ويوحدون الضمير لأنهم يريدون الأمر والحديث، لأن كل جملة شأن وحديث، ولا يفعلون ذلك إلا في مواضع التفخيم والتعظيم، وذلك قولك (هو زيد قائم) فهو ضمير لم يتقدمه ظاهر، إنما هو ضمير الشأن والحديث، وفسره ما بعده من الخبر وهو (زيد قائم) ولم يأت في هذه الجملة بعائد إلى المبتدأ، لأنها هو في المعنى ولذلك كانت مفسرة له، ويسميه الكوفيون الضمير المجهول، لأنه لم يتقدمه ما يعود إليه ..
(1) التصريح 1/ 162 - 163
ويجيء هذا الضمير مع العوامل الداخلة على المبتدأ والخبر نحو إن وأخواتها وظن وأخواتها، وكان وأخواتها، وتعمل فيه هذه العوامل .. تقول إنه زيد ذاهب، فالهاء ضمير الأمر و (زيد ذاهب) في مواضع خبر الأمر. (1)
وجاء في (شرح الرضى على الكافية): ويتقدم قبل الجملة ضمير غائب يسمى ضمير الشأن، يفسر بالجملة بعده، ويكون منفصلا، ومتصلا مستترا، وبارزا على حسب العوامل .. والمراد بهذا الضمير، الشأن والقصة، فيلزمه الأفراد والغيبة كالمعود إليه، أما مذكرا، وهو الأغلب، أو مؤنثا كما يجيء، وهذا الضمير كأنه راجع في الحقيقة إلى المسؤول عنه بسؤال مقدر تقول مثلا:
(هو الأمير مقبل) كأنه سمع ضوضاء وجلبة فاستبهم الأمر فيسأل ما الشأن والقصة؟ فقلت: (هو الأمير مقبل). أي الشأن هذا.
والقصد بهذا الإبهام، ثم التفسير، تعظيم الأمر وتفخيم الشأن، فعلى هذا لابد أن يكون مضمون الجملة المفسرة شيئا عظيما يعتني به، فلا يقال مثلا: هو الذباب يطير (2).
وجاء في الطراز: إن ضمير الشأن والقصة على اختلاف أحواله، إنما يريد على جهة المبالغة في تعظيم تلك القصة، وتفخيم شأنها، وتحصيل البلاغة فيه، من جهة أضماره أولا وتفسيره ثانيا، لأن الشيء إذا كان مبهما فالنفوس متطلعة إلى فهمه ولها تشوق إليه (3).
فهناك فرق في المعنى بين قولنا: زيد منطلق، وزيد هو منطلق، وهو زيد منطلق، فالجملة الأولى أخبار أولي، والثانية فيها معنى التخصيص، وليس في الثالثة معنى التخصيص، وإنما فيها معنى التفخيم والتعظيم.
(1) شرح المفصل لابن يعيش 3/ 114
(2)
شرح الرضي على الكافية 2/ 27
(3)
الطراز 2/ 142، وانظر 2/ 78، شرح الرضي على الكافية 76، ودلائل الإعجاز 102، البرهان 2/ 410
تقول: أنا زيد، وأنا أنا زيد، وهو أنا زيد، فالأولى أخبار ابتدائي، والثانية توكيد لمن يشك في أنك زيد، وأما جملة (هو أنا زيد) فلتفخيم الأمر. تقول (هو) فتجعل السامع يذهب في الظن كل مذهب في هذا الضمير الذي لا يدري علام يعود وتجعله متشوقا لخبره ثم تأتي بجملة تفسره.
وقد ذهب بعضهم إلى أن ضمير الشأن يفيد التوكيد إضافة إلى التفخيم (1) والذي يبدو لي أن الغرض الرئيس منه هو التفخيم.
وتقول: (زيد الحاضر) و (زيد هو الحاضر) و (زيد زيد الحاضر) و (هو زيد الحاضر) فالجملة الأولى أخبار بالمعرفة على معنى القصر، والثانية لتوكيد القصر، والثالثة توكيد لمن شك في (زيد) أو ظن أنه انصرف ذهنه إلى غيره، فتكرر له زيدا لتزول هذه الاحتمالات. وأما الرابعة فلغير ذلك، أنها لتفخيم الأمر وتعظيمه والضمير (هو) في الجملة الرابعة غيره في الجملة الثانية وهو ليس زيدا.
فهو في الجملة الثانية ضمير فصل يعود على الاسم السابق ويطابقه في التذكير والتأنيث والأفراد والتنثية والجمع والحضور والغيبة فتقول:
إنني أنا السابق، زيد هو السابق، الرجلان هما السابقان، هند هي السابقة، الرجال هم السابقون إننا نحن السابقون، إنك أنت السابق، بخلاف ضمير الشأن الذي يكون بلفظ الأفراد والغيبة وإنما هو قد يؤنث لما بعده قال تعالى:{فإنها لا تعمى الأبصار} [الحج: 46]، وقال:{إنه لا يفلح الظالمون} [الأنعام: 21].
وقال: {إنه لا يفلح الكافرون} [المؤمنون: 117]، ولا يدل الضمير على اسم بعينه بل على الجملة كما ترى في قوله:{إنه لا يفلح الظالمون} وغيرها، فلا يقصد بـ (هو)(زيد) وإنما يقصد به الأمر، ولذلك يصح أن تقول:(هو أنا حاضر)، ولا يصح أن تقول:(أنا هو حاضر) فلو كان الضمير يعود على الاسم بعده، لكان الكلام متناقضا إذ كيف يكون الغائب حاضرا متكلما؟
(1) دلائل الاعجاز 102
قال تعالى: {فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني أقم الصلاة لذكري} [طه: 11 - 14].
وقال: {فلما أتاها نودي من شاطيء الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن ياموسى إني أنا الله رب العالمين وأن ألق عصاك فلما رءاها تهتز كأنها جان ولى مدبراولم يعقب يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الأمين} . [القصص: 30 - 31].
وقال: {فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم وألق عصاك فلما رءاها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون} [النمل: 8 - 10].
فأنت ترى إنه قال في الآية الأولى (إنني أنا الله) بلفظ المتكلم، وفي الثانية (إني أنا الله) بلفظ المتكلم أيضا، وفي الثالثة (إنه أنا الله العزيز الحكيم) بلفظة ضمير الشأن.
وأنت تلاحظ مقام التفخيم في الآية الثالثة من السياق (أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين) فهو مسبوق بالتعظيم والتنزيه مما ناسب ضمير الشأن.
ولضمير الشأن إضافة إلى ما ذكرناه، وظيفة مهمة في الكلا، هي إدخال الحروف المشبهة بالفعل على الجمل الفعلية، ولولا هو ما أمكن ذلك وذلك نحو قوله تعالى:{فإنها لاتعمي الأبصار} [الحج: 46]، وقوله:{إنه لا يفلح الظالمون} [الأنعام: 21]، وقوله:{ياليتها كانت القاضية} [الحاقة: 27]، وقوله:{ويكأنه لا يفلح الكافرون} [القصص: 82]، فتكون الجملة الفعلية مؤكدة بأن وتكون متمناه ومترجاه، وغير ذلك قال الليث: " تقول: بلغني أن قد كان كذا وكذا، تخفف من أجل (كان) لأنها فعل. ولولا (قد) لم تحسن على حال من الفعل، حتى تعتمد على (ما) أو على (الهاء) كقولك (إنما كان غائبا) و (بلغني أنه كان أخو بكر غنيا) وكذلك (بلغني أنه كان كذا وكذا) تشددها إذا اعتمدت (1).
(1) لسان العرب 16/ 170 - 171