الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اجتماع إن واللام:
ذكرنا فيما سبق أن كلا من (إن) واللام يفيد التوكيد، فاجتماعهما يؤدي ولا شك إلى الزيادة في التوكيد، وهو أقوى من التوكيد بإن وحدها، أو باللام وحدها، قال تعالى:{واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون قالوا ربنا يعل إنا إليكم لمرسولن وما علينا إلا البلاغ المبين} [يس: 13 - 17].
فانت ترى أنه في المرة الأولى قالوا (إنا إليكم مرسلون) بدون اللام، غير أنهم لما أوغلوا في تكذيبهم جاؤا باللام مع (إن) زيادة في التوكيد (قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون) فأكد بالقسم وإن واللام وإسمية الجملة لمبالغة المخاطبين في الإنكار حيث قالوا:(ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن انتم إلا تكذبون).
وقد يؤكد بها والمخاطب به غير منكر جريه على مقتضى أقراره، فينزل منزلة المنكر وقد يترك التأكيد وهو معه منكر لأن معه إدلة ظاهرة لو تأملها لرجع عن إنكاره" (1).
وقال تعالى: {إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم} [الأنعام: 165].
وقال: {إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم} [الأعراف: 167]، فجاء في الآية الأولى بإن دون اللام (سريع العقاب) وفي الثانية بأن واللام (لسريع العقاب): "والفرق بين هذه الآية وآية الأنعام، حيث أتى هنا باللام فقال (سريع العقاب) دون هناك، إن اللام تفيد التوكيد فأفادت هنا تأكيد سرعة العقاب، لأن العقاب المذكور هنا عقاب عاجل، وهو عقاب بني إسرائل بالذل والنقمة، وإداء الجزية بعد المسخ لأنه في سياق قوله:{وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب} فتأكيد السرعة أفاد بيان التعجيل، وهو مناسب بخلاف العقاب المذكور، في سورة الأنعام فإنه آجل بدليل قوله:{ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون} فاكتفى فيه بتأكيد (إن)
(1) الاتقان 2/ 64 - 65، وانظر الايضاح 1/ 18
ولما اختصت آية الأعراف بزيادة العذاب عاجلا اختصت بزيادة التأكيد" (1).
ومما يوضح أيضا قوله تعالى: {فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما} [المائدة: 107]، وقوله:{أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم} [المائدة: 52]، فأنت ترى أن جواب القسم الأول تلقى باللام وحدها، والثاني تلقى بأن واللام، وذلك لاختلاف القسمين، فإن في الثانية مبالغة في القسم بخلاف الأولى، ويدلك على ذلك قوله تعالى (جهد إيمانهم) فلما بالغوا في القسم بالغوا في التوكيد بخلاف القسم الأول.
يتضح من هذا أن التوكيد على درجات، ويؤتي به على قدر المقام فقد يكون المخاطب خالي الذهن، والكلام ليس فيه ما يدعو إلى الإنكار والتردد، فلا يؤكد الكلام عند هذا فإن مترددا أكد الكلام بحسب هذا التردد، جاء في (الإيضاح): "فإن كان المخاطب خالي الذهن من الحكم بأحد طرفي الخبر على الآخر والتردد فيه، استغني عن مؤكدات الحكم كقولك: جاء زيد وعمر وذاهب فيتمكن في ذهنه لمصادفته إياه خاليا.
وإن كان مقصور الطرفين مترددا في إسناد أحدهما إلى الآخر، طالبًا له حسن تقويته بمؤكد كقولك: لزيد عارف أو إن زيدًا عارف.
وإن كان حاكما بخلافه وجب توكيده بحسب الإنكار، فتقول (أني صادق) لمن ينكر صدقك ولا يبالغ في إنكاره، و (إني لصادق) لمن يبالغ في إنكاره" (2).
وجاء في (دلائل الإعجاز): " روي عن ابن الأنباري أنه قال: ركب الكندي المتفلسف إلى أبي العباس وقال له: إني لأجد في كلام العرب حشوا، فقال له أبو العباس: في أي موضع وجدت ذلك؟ فقال: أجد العرب يقولون: عبد الله قائم. ثم يقولون إن عبد الله قائم. ثم يقولون: إن عبد الله لقائم. فالألفاظ متكررة والمعنى واحد.
(1) البرهان 4/ 65 - 66
(2)
الايضاح 1/ 18، البرهان 2/ 390 - 391، ابن يعيش 8/ 63