الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما:
أعملت (ما) عمل (ليس) في لغة أهل الحجاز، قال تعالى:{ما هذا بشرًا} [يوسف: 31] ولم تعملها تميم، ويذكر النحاة أوجه المشابهة بينهما فيقولون:
إن كلتيهما تدخل على المبتدأ والخبر، وإن كانت (ما) لا تختص بالدخول على الجمل الإسمية، وكلتاهما لنفي الحال، ويقوي هذه المشابهة، بينهما دخول الباء في خيرها كما تدخل في خبر ليس. (1)
وقد ذهب بعض النحاة إلى أن نفيها مختص بالحال (2)، والصحيح أنها كليس تنفي الحال عند الإطلاق وإذا قيدت فهي بحسب ذلك التقييد، قال تعالى:{وما هم بخارجين من النار} [البقرة: 167]، وقال:{وما هم عنها بغائبين} [الإنفطار: 16]، وهي في ذلك للاستقبال (3).
الفرق بين ما وليس:
الذي يظهر لي أن (ليس) و (ما) ليستا متماثلتين في النفي تمامًا، بل بينهما أوجه شبه وأوجه مخالفة فهما أداتان تستعملان للنفي، وقد تعملان عملا واحدًا، وهما لنفي الحال عند الإطلاق، ولكن بينهما خلافا، وليس من حكمة العربية أن تجعل أداتين مختلفتين متشابهتين تمامًا في المعنى، ولابد أن يكون لكل واحدة منهما خصوصية ليست في الأخرى. فـ (ليس) فعل أو استعملت استعمال الأفعال (وما) حرف ولا يكون الفعل كالحرف والعربية كما يقول براجشتراسر تميل إلى التفريق والتخصيص (4).
إن الذي يبدو لي أن (ما) أقوى في النفي من (ليس) والذي يدل على ذلك أمور منها:
(1) أسرار العربية 143، ابن يعيش 1/ 108، المقتضب 4/ 188
(2)
ابن يعيش 1/ 108 - 109*
(3)
ابن عقيل 1/ 119، الهمع 1/ 115 - 123، الرضي على الكافية 1/ 291، حاشية الصبان 1/ 247
(4)
التطور النحوي 58 - 67
1 -
استعملت العرب (ليس) استعمال الأفعال كما ذكرنا، فقالوا لست، وليسا، وليست وعلى هذا فالجملة المبدوءة بها فعلية، والجملة المنفية بـ (ما) إسمية، والجملة الإسمية أثبت من الجملة الفعلية.
2 -
وردت (ليس) في القرآن الكريم في (41)، واحد وأربعين موطنًا، اسمها نكرة، لم تدخل (من) الزائدة المؤكدة على موطن واحد منها بل كلها مجردة منها، في حين وردت (ما) في القرآن في (91)، واحد وتسعين موطنًا مرفوعها نكرة، كلها دخلت عليها (من) الزائدة الدالة على الاستغراق والتوكيد، وذلك كقوله تعالى:{ما لكم من إله غيره} [الأعراف: 59].
قال تعالى: {ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع} [الأنعام: 51] وقال: {وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع} [الأنعام: 70].
وقال: {وليس له من دونه أولياء} [الأحقاف: 32].
في حين قال: {وما لهم من دونه من وال} [الرعد: 11].
وقال: {وما لكم من دون الله من ولي} [البقرة: 107، التوبة: 116، ـ العنكبوت: 22، الشورى: 31].
وقال: {مالك من الله من ولي ولا نصير} [البقرة: 120، الرعد: 37].
فجرد اسم ليس من (من) وقرن اسم (ما) بها.
وقال تعالى: {وما ليس لهم به علم} [الحج: 71].
وقال: {ما ليس لكم به علم} [النور: 15]، وانظر الإسراء: 36، لقمان: 15، غافر:42.
في حين قال: {مالهم بذلك من علم} [الزخرف: 20، الجاثية: 24]، وهذا كسابقه مما يدل على أن (ما) آكد وأقوى.
3 -
ورد خبر (ما) مقترنا بالباء الزائدة الدالة على التوكيد في (76)، ستة وسبعين موطنًا وورد في ثالاثة مواطن فقط غير مؤكد الزائدة وهي قوله تعالى:{ما هذا بشرا} [يوسف: 31]، وقوله:{ماهن أمهاتهم} [المجادلة: 2]، وقوله:{فما منكم من أحد عنه حاجزين} [الحاقة: 47]، في حين ورد خبر (ليس) في 23 ثلاثة وعشرين موطنًا مؤكدًا بالباء الزائدة، وفي خمسة مواطن مجردًا منها.
4 -
أن الجمل التي تحتاج إلى توكيد كثير استعملها القرآن منفية بما، كقوله تعالى {مالكم من إله غيره} ولم يرد مثل هذا التعبير في القرآن منفيا بليس وهذا من أهم المواطن التي تحتاج إلى التوكيد لأنه في نفي الشرك.
قال تعالى: {وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل} [الأنعام: 66].
وقال: {ولو شاء الله ما اشركوا وما جعلناك عليهم حفيظًا وما أنت عليهم بوكيل} [الأنعام: 107].
وقال: {إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق فمن اهتدي فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل} [الزمر: 41].
وقال: {والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل} [الشورى: 6].
وقال: {قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل} [يونس: 108].
فأنت ترى أنه في الآية الأولى قال: (قل لست عليكم بوكيل) وفي الآية الأخرى قال (وما أنت عليهم بوكيل) أو (وما أنا عليكم بوكيل) وذلك راجع إلى قوة النفي الذي يظهر من السياق، والذي هو أبين من أن يدل على مواطنه بخلاف استعمال ليس.
5 -
والذي يدل على أنها تفيد التوكيد أنها تقع جوابًا للقسم نحو (والله ما زيد بحاضر) وذكر سيبويه أن قولهم (ما فعل) نفي لقولهم (لقد فعل)(1)، مما يدل على أن فيها توكيدا.
جاء في (الإتقان): "ومقتضى كلام سيبويه أن فيها معنى التأكيد لأنه جعلها في النفي جوابًا لقد (2) فكما أن (قد) فيها معنى التأكيد فكذلك ما جعل جوابًا لها". (3)
وجاء في (الأشباه والنظائر) إن النفي فيها آكد. (4)
وقد وردت في القرآن الكريم في مواطن عدة جوابًا للقسم في الجمل الإسمية والفعلية قال تعالى: {ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير} [البقرة: 120]، وقال:{لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك} [المائدة: 28]، وقال:{ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا واق} [الرعد: 37]، وقال:{ن والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون} [القلم: 1 - 2].
ومن وردها في الجمل الفعلية قوله تعالى: {والله ربنا ما كنا مشركين} [الأنعام: 22] وقوله: {يحلفون بالله ما قالوا} [التوبة: 74]، وقوله:{والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى} [النجم: 1 - 2].
وجواب القسم فيه توكيد مثبًا كان أو منفيًا. ولم ترد (ليس) في القرآن الكريم جوابًا للقسم البتة فدل ذلك على أنها آكد من (ليس) في النفي.
(1) سيبويه 1/ 460
(2)
في سيبويه أنها جواب للقد 1/ 460
(3)
الاتقان 1/ 176
(4)
الأشباه والنظائر 2/ 62، وانظر البرهان 2/ 417
وقد يعترض معترض على هذا الاستدلال بالقول أنه ربما دل وجود الباء الزائدة في خبر (ما) أكثر من (ليس) وغير ذلك مما ذكرته على ضعف (ما في التوكيد فاحتيج إلى توكيدها بما ذكرت بخلاف ليس).
وهذا الاعتراض مردود فهو شبيه بقول من يقول إن القسم ضعيف، فاحتيج إلى تقوية جوابه بإن واللام، وأن الجملة المصدرة بإن ضعيفة بدليل أنها تقع جوابًا للقسم فقولنا (محمد حاضر) آكد من (أن محمدًا لحاضر) بدليل إن الجملة الأخيرة تقع جوابًا للقسم خلافا للأولى، أو يقول أن (إن) ضعيفة في التوكيد بدليل وقوع اللام في خبرها، أو يقول إن (نون التوكيد) ضعيفة ولذا تقع في جواب القسم، أو يقول إن (ما) الزائدة لا تفيد التوكيد بدليل اقترانها بنون التوكيد في الكلام كثيرًا، ومن المعلوم أن (ما) الزائدة بعد إن الشرطية يكثر توكيد شرطها بالنون وقد جاءت في القرآن الكريم في مواضع كثيرة كذلك كقوله تعالى:{وإما تعرضن عنهم} [الإسراء: 28]، وقوله:{وإما ينسينك الشيطان} [الأنعام: 68]، و {وإما تخافن من قوم خيانة} [الأنفال: 58] و {فإما تثقفنهم في الحرب} [الأنفال: 57]، و {فإما ترين من البشر أحدًا} [مريم: 26]، ومع غير الشرط أيضا كقوله تعالى:{عما قليل ليصبحن نادمين} [المؤمنون: 40].
فالمعترض إما أن يسلب نون التوكيد توكيدها، وأما أن يسلب (ما) توكيدها، و (ما) هذه مؤكدة كما ذكر سيبويه (2/ 152، 2/ 305)، و (أن) مؤكدة كما ذكر سيبويه. قال سيبويه:"فإن إن حرف توكيد فلها لام كلام اليمين"(1).
فإن حرف التوكيد قد يؤتى معه بمؤكد آخر لتقويته، وزيادة توكيده، كما ذكر سيبويه في (أن) وليس الأمر معكوسًا كما يظن ظان.
ألا ترى إلى قوله تعالى: {واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من
(1) سيبويه 2/ 456