الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثالث: أن يقترن غير العاقل مع العاقل في عموم فصل بمن، نحو قوله تعالى: {والله خلق كل دابة من
ما
ء فمنهم من يمشى على بطنه ومنهم من يمشى على رجلين ومنهم من يمشى على أربع} [النور: 45](1).
وهي تقع على المفرد، والمثنى، والجمع، والمذكر، والمؤنث، فمن استعمالها للمفرد قوله تعالى:{ولمن جاء به حمل بعير} [يوسف: 72]، ولجماعة الذكور قوله تعالى {ومنهم من يستمعون إليك} [يونس: 42] وقوله: {فصعق من في السماوات ومن في الأرض} [الزمر: 68]، وللمفردة المؤنثة، قولك (نظرت إلى من أحببتها فوجدتها جديرة بالحب) ولجماعة الأناث قولك (جيء بمن أسرن كلهن).
ما:
وتقع على ذوات ما لا يعقل، وعلى صفات من يعقل، فمن الأول قولك (آكل ما تأكل) و (أعجبني ما قدمته لي) قال تعالى {وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا} [طه: 69]، فما في يمينه هي العصا، وما صنعوه هو أفاعيهم المتخيلة وهذا لغير العاقل.
ومن الثاني قوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى} [النساء: 3]، قالوا أي الطيب منهن، وقال:{والسماء وما بناها والأرضِ وما طحاها ونفسٍ وما سواها} [الشمس: 5 - 7]، أي والباني (2)، وكذا ما بعده، وقال:
{ولا أنتم عابدون ما أعبد} [الكافرون: 3]، أي معبودي.
فالفرق بين ما، ومن، إن (من) مختصة بالعقلاء، ولا تنفرد لغير العقلاء، إلا على سبيل تنزيله منزلة العاقل.
وأما (ما) فهي تقع لذوات ما لا يعقل، ولصفات العقلاء.
(1) انظر الهمع 1/ 191، التصريح 1/ 133 - 134، الرضي على الكافية 2/ 61
(2)
انظر ابن يعيش 1/ 145، الرضي على الكافية 2/ 161، المقتضب 2/ 52
ومن هذا يظهر إنّ (ما) أوسع استعمالاً مِنْ (مَنْ) وأكثر إبهامًا منها قال سيبويه: "ومن: وهي للمسألة عن الأناسيّ ويكون بها الجزاء للأناسي، وتكون بمنزلة الذي للأناسي. و (ما) مثلها إلا أن (ما) مثلها إلا أن (ما) مبهمة تقع على كل شيءٍ"(1).
قالوا وبناء (ما) يوافق استعمالها المتسع فإن مدة الألف المتسعة في آخرها، تشاكل الأتساع في معناها، وأمّا (من) فهي مقيدة بالسكون، ولذا كان استعمالها مقيدًا بأولي العلم. جاء في (بدائع الفوائد) أن (ما)"لا تخلوا من الإبهام أبدًا، ولذلك كان في لفظها ألف آخرة لما في الألف من المد والاتساع، في هواء الفم، مشاكلة لإتساع معناها في الأجناس، فإذا أوقعوها على نوع بعينه، وخصوا به من يعقل، وقصروها عليه، أبدلوا الألف نونًا ساكنة فذهب امتداد الصوت فصار قصر اللفظ موازنًا لقصر المعنى"(2).
ومعنى هذا إنّ (من) أصلها (ما) وهو الذي أيدته الدراسات الحديثة، جاء في (التطور النحوي)"إن (من) و (ما) أصلهما واحد يعني (ما) وألحقت بها النون، وهي من العناصر الأشارية أيضًا وأن لم توجد في العربية بين أسماء الإشارة، فتدل (ما) على الأشخاص إذا وقعت مع هذا الحرف اللاحق وعلى الأشياء إذا وقعت بدونه (3) ".
و(ما) مثل (من) تقع على المفرد والمثنى والجمع نحو (أعجبني ما صنعته وما صنعتهما وما صنعتهن).
ثم أن (ما) مع أنها اسم موصول يشترك في المفرد، والمثنى، والجمع، المذكر والمؤنث قد تشترك في أكثر من معنى في التعبير الواحد.
فهي قد تحتمل الموصولية الإسمية والحرفية نحو قوله تعالى: {فننبئهم بما عملوا} [لقمان: 23]، فهذا يحتمل أن المعنى ننبئهم بعملهم، وبالذي عملوه.
(1) سيبويه 2/ 309
(2)
بدائع الفوائد 1/ 131
(3)
التطور النحوي 55 - 56
وقد تحتمل الموصولية والاستفهامية نحو قوله تعالى: {قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حقٍ وإنك لتعلم ما نريد} [هود: 79]، فـ (ما) هنا تحتمل الموصولية الإسمية، أي الذي نريده، والحرفية أي إرادتنا، والاستفهامية.
جاء في (البرهان): "أن وقعت بين فعلين سابقهما علم أو دراية أو نظر جاز فيها الخبر والاستفهام كقوله تعالى: {وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} [البقرة: 33]، {والله يعلم ما تسرون وما تعلنون} [النحل: 19]، [وإنك لتعلم ما نريد]، [هود: 79]، {هل علمتم ما فعلتم} [يوسف: 89]، {وما أدري ما يفعل بي ولا بكم} [الأحقاف: 9]، {ولتنظر نفس ما قدمت} [الحشر: 18] "(1).
وقد تحتمل الموصولة والنافية، نحو قولك (ما عندي ما تريده) فـ (ما) في الموضعين تحتمل النفي والموصولة، ونحوه قوله تعالى:{إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء} [العنكبوت: 42]، فـ (ما) استفهامية وتحتمل أن تكون نافية أيضًا (2).
وقد تحتمل الموصولة والشرطية وذلك نحو قوله تعالى: {وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدًا بعيدًا} [آل عمران: 30] وقولك (ما أعطيتني أعطيتك).
وقد تحتمل النكرة والمعرفة، فالمعرفة هي الموصولة والنكرة أن تكون بمعنى شيء نحو (أعطيته ما سُرّ به) أي شيئًا سُرّ به، أو الذي سرّ به وكقوله تعالى:{هذا ما لدي عتيد} [ق: 23]، فهذا يحتمل المعرفة والنكرة (3).
وكذا (مَنْ) قد تحتمل أكثر من معنى، غير أنها أقل إبهامًا من (ما) فقد تحتمل الموصولة والإستفهامية في نحو قوله تعالى:{فسوف تعلمون من يأتيه عذابٌ يخزيه} [هود: 39].
(1) البرهان 4/ 401
(2)
دراسات لأسلوب القرآن الكريم 3/ 135
(3)
البرهان 4/ 398
وتحتمل الشرطية والموصولة، في نحو قوله تعالى:{ومن دخله كان أمنا} [آل عمران: 97].
وتحتمل الموصولة والنكرة، في نحو قوله تعالى:{منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة} [آل عمران: 152].
ومعنى (من) النكرة (أحد) كقولك (هل منكم من يساعدني؟ ) أي هل منكم أحد يساعدني؟
جاء في (دراسات لأسلوب القرآن الكريم): "تحتمل (من) أن تكون نكرة موصوفة واسم موصول في قوله تعالى: {فمن الناس من يقول ربنا أتنا في الدنيا وماله في الآخرة من خلاق} [البقرة: 200] "(1).
جاء في الكتاب: " (هذا باب ما يكون الاسم فيه بمنزلة الذي في المعرفة) إذا بني علي ما قبله وبمنزلة في الاحتياج إلى الحشو ويكون نكرة بمنزلة رجل وذلك قولك (هذا من اعرف منطلقا) و (هذا من لا أعرف منطلقا) أي هذا الذي قد علمت أني لا أعرفه منطلقا، وهذا ما عندي مهينًا، وأعرف ولا أعرف وعندي حشو لهما يتمان به فيصيران اسمًا، كما كان (الذي) لا يتم إلا بحشوه.
وقال الخليل: إن شئت جعلت (مَنْ) بمنزلة إنسان وجعلت (ما) بمنزلة شيء نكرتين ويصير (منطلق) صفة لمن و (مهين) صفة لـ (ما) ..
ويقوي لي أيضأ أن (من) نكرة قول عمرو بن قميئة:
يارُب من يبغض أذوادنا
…
رحنا على بغضائه واغتدين
ورب لا يكون ما بعدها إلا نكرة" (2).
(1) دراسات لأسلوب القرآن الكريم 3/ 153
(2)
سيبويه 1/ 269 - 370