الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيل: أنه "لما ذكر في الأول جنات متعددة لا جنة واحدة وقال (1) يدخله والضمير المنصوب في يدخله وإن كان مجموعًا في المعنى، فهو في اللفظ مفرد، من حيث هو مفرد والمفرد من حيث هو مفرد، لا يصح أن يكون في جنات متعددة معًا، فجاء خالدين لرفع هذا الإيهام اللفظي هو اعتبار لفظي ومناسبة لفظية وإن كان المعنى صحيحًا. أما الآية الثانية فذكر فيها نارًا مفردة فناسبها الأفراد في خالدًا"(2).
وعلى كل فلابد من سب يدعو إلى ذلك.
من وما والذي:
إن كلا من (ما) و (من) و (الذي) اسم موصول، غير أنها لا تتطابق في المعنى والاستعمال، فقد عرفنا أن (من) غير (ما) وأنهما غير (الذي) وقد تستعمل (الذي) في تعبير لا تستعمل فيه من أو ما والعكس صحيح.
1 -
فقد عرفنا إن (الذي) وضع وصلة لوصف المعارف بالجملة، فهو في الأصل صفة بخلاف من وما بخلاف من وما فإنهما لا يقعان صفة (3) لأن المراد بهما الذوات. وليس معنى قولنا السابق إن (ما) تقع على صفات من يعقل، أنها تقع نعتًا له، بل المعنى أنها تقع على ذات متصفة بوصف ما من صفات العقلاء، ولذا تقع (الذي) في تعبيرات لا يصح وقوع من وما فيها فلا يصح في قوله تعالى مثلا:{اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم} [البقرة: 40]، أن يقال: اذكروا نعمتي ما أنعمت عليكم ولا في قوله: {وفعلت فعلتك التي فعلت} [الشعراء: 19]، أن يقال: وفعلت فعلتك ما فعلت.
2 -
إن كلا من (مَنْ) و (ما) اسم موصول مشترك في المفرد، والمثنى، والجمع، المذكر والمؤنث، بخلاف الذي فإنه مختص بالمفرد والمذكر.
(1) كذا ولعل الأصل (قال) بحذف الواو
(2)
حاشية يس على التصريح 1/ 140
(3)
حاشية الصبان 1/ 107
3 -
إن (الذي) تستعمل لذوات غير العقلاء ولصفات العقلاء كما مر، فإذا أردنا لأمر بلاغي أن ننزل غير العاقل منزلة العاقل فلابد أن نضرب صفحًا عن استعمال (الذي) إلى (مَنْ) لأنّ (الذي) إذا استعملت في العاقل وغيره، كان استعمالها حقيقيًا، وكذا إذا أردنا أن ننزل العاقل منزلة غير العاقل استعملنا (ما) لا (الذي).
تقول (مَنْ الذي كنت تكلمه؟ ) فيقول: (مَنْ كنت أكلمه حصاني). وتقول: (مَنْ الذي أنجاك؟ ) فيقول: (مَنْ أنجاني فرسي) فقد نزل حصانه منزلة العاقل باستعمال (مَنْ).
وتقول لصاحبك (أتحدث إلى ما ترى) منزلاً العاقل منزلة غير العاقل، لأنه لا يفهم عنك شيئًا.
ولا يتأتي هذا القصد باستعمال الذي.
4 -
إنَ كلا من (ما) و (مَنْ) قد يحتمل أكثر مِنْ معني فقد تحتمل (مَنْ) الشرط والموصولية والاستفهام. وتحتمل (ما) الشرط والموصولية والاستفهام والنفي في كثير من التعبيرات بخلاف (الذي) التي هي نص في الموصولية.
ومن هذا يتضح أن التعبير بـ (مَنْ) أو (ما) قد يكون محتملا عدة معان في آن واحدٍ بخلاف الذي.
5 -
أن (الذي) اخص من (ما) و (مَنْ) لطبيعة اشتراكهما في أكثر من معنى، ومعنى (أخص) أنها أكثر تحديدًا ووضوحًا من ذينك، فهي على هذا أعرف منهما، لتحديد معناها ووضوحه: جاء في (حاشية الصبان) إن الموصول "أعرفه ما كان مختصًا ثم ما كان مشتركًا. ويظهر إن أعرف كل منهما ما كان معهودًا معينًا، ثم ما للاستغراق، ثم ما للجنس لمجيء الموصول للثلاثة كأل والإضافة"(1).
وكذا استعملها القرآن الكريم.
قال تعالى: {ويقولون طاعةٌ فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون} [النساء: 81]، فقال (غير الذي تقول) ثم قال (والله يكتب ما يبتون) فجاء في أحد الموضعين بـ (الذي) والآخر بـ (ما) وذلك أن أحد الموضعين أعرف من الآخر فالذي يقوله أعرف مما يبتون لأن الأول معلوم عند المخاطب متفق عليه بخلاف ما يبيتون فإنه مجهول عنده إذ هو لا يدري ماذا يبتون فجاء للأخص المعلوم بالذي والآخر بما.
وقال: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} [البقرة: 228].
وقال: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا} [البقرة: 229].
فجاء في الآية الأولى بالذي والثانية بـ (ما) لأن الأولى في حقوق النساء وواجباتهن، وهي معلومة والثانية في المهر وهو غير محدد، ولا معلوم، فجاء للمحدد المعلوم بـ (الذي) ولما هو عام بـ (ما).
وقال: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} [النحل: 97] وقال:
{والذين أمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون} [العنكبوت: 7].
فقد قال في آية النحل (بأحسن ما كانوا يعملون) وقال في آية العنكبوت (أحسن الذي كانوا يعملون) وكل منهما هو المناسب لموطنه.
وذلك أن قوله (من عمل) عام لأن (مَنْ) شرطية وهي نكرة، فتشمل كل عامل وفسره بقوله:(من ذكر أو أنثى) وهو نكرة، ثم نكر العمل فقال (من عمل صالحا) فجعله عامًا أيضا ولذا جعل الجزاء عامًا فجاء بـ (ما) وقال (بأحسن ما كانوا يعملون).
وأما آية العنكبوت فقد جاءت بـ (الذي) لا بـ (من) وهو اسم موصول معرفة، ثم عرف العمل الصالح فقال (وعملوا الصالحات) ولذا جعل الجزاء مخصصًا، فجاء بالذي