الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهنا للقريب وقد تلحقها
ها التنبيه
فيقال ههنا، قال تعالى:{إنا ههنا قاعدون} [المائدة: 24]، وهناك للمتوسط، وهناك للبعيد نظير ذا، وذاك، وذلك، قال تعالى {هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا} [الأحزاب: 11]، وذكروا أنه قد يراد بهنا وهنا الإشارة إلى الزمان (1) قال تعالى:{فإذا جاء أمر الله قضى بالحق وخسر هنالك المبطلون} [غافر: 78]، أي في يوم القيامة.
ويبدو لي أن الإشارة إلى المكان لا تفارقها، فقوله (وخسر هناك المبطلون) يختلف عن قولنا: وخسر عند ذاك المبطلون، أو يو ذاك ونحوه، فهناك أشارة إلى مكان القضاء لا إلى الزمان وحده.
وأما ثم بفتح الثاء فإنها يشار بها إلى المكان البعيد (2) قال تعالى: {وأزلفنا ثم الآخرين} [الشعراء: 64]، أي هناك وقال:{مطاع ثم أمين} [التكوير: 21]، أي هناك في السماء.
ومن الطرافة تقارب (ثُمَّ) العاطفة و (ثَمَّ) اسم الإشارة من حيث اللفظ والمعنى، فالعاطفة لتراخي المعطوف عن المعطوف عليه، وبالفتح لتراخي المشار إليه عن المشير أي بعده عنه
ها التنبيه
يجاء بـ (ها) التنبيه في أوائل أسماء الإشارة لتنبيه المخاطب على حضور المشار إليه وقربه وللمبالغة في إيضاحه، فيقال (هذا أخي) و (هؤلاء أصدقاؤنا) جاء في (شرح الرضي على الكافية): " فجيء في أوائلها بحروف ينبه المتكلم المخاطب حين يلتفت إليه وينظر إلى أي شيء يشير من الأشياء الحاضرة، فلا جرم لم يؤت بها إلا فيما يمكن مشاهدته وأبصاره من الحاضر والمتوسط، لا في البعيد الغائب، وكان مجيئها في الحاضر أكثر منه في المتوسط، فـ (هذا) أكثر استعمالا من (هذاك)، لأن تنبيه المخاطب
(1) الرضى على الكافية 2/ 35
(2)
المغني 1/ 119، ابن يعيش 3/ 138
لابصار الحاضر الذي يسهل ابصاره أولى من تنبيه لأبصار المتوسط الذي ربما يحول بينه وبينه حائل، ولم يدخل في البعيد الذي لا يمكن أبصاره، إذ لا ينبه العاقل أحدًا ليرى ما ليس في مرأى، فلذلك قالو لا يجتمع ها مع اللام (1) ". فلا يقال هذلك ولا هاتك.
وإذا اجتمع الضمير واسم الإشارة فذكروا أن العرب تقد التنبيه على الضمير فتقول: ها أناذا، وها أنت ذا، وها نحن أولاء، قال سيبويه:" وزعم الخليل أن (ها) هنا هي التي مع (ذا)، إذا قلت هذا، وإنما أرادوا أن يقولوا هذا أنت، ولكنهم جعلوا (أنت) بين (ها) و (ذا)، وأرادوا أن يقولوا (أنا هذا) و (هذا أنا) فقدموا (ها) وصارت أنا بينهما". (2)
وذكر أبو الخطاب الأخفش الأكبر ويونس أن العرب الموثوق بهم يقولون أنا هذا، وهذا أنا، وها أناذا. (3)
وهذا لا شك فيه، فقد ورد في القرآن الكريم تقديم التنبيه على الضمير وتأخير الإشارة فقال:{فأنتم أولاء تحبونهم} [آل عمران: 119]، وورد دخوله على اسم الإشارة مع تأخيره عن الضمير، فقال:{ثم أنتم هؤلاء} [البقرة: 85]، وورد تكراره فمرة أدخله على الضمير، ومرة أدخله على اسم الإشارة فقال:
{هأنتم هؤلاء} [آل عمران: 66]، ومرة جرد الضمير واسم الإشارة معا من التنبيه فقال:{هم أولاء} [طه: 84].
وههنا يحسن بيان سر هذا الاختلاف في التعبير، وأثر ذلك على المعنى، فما الفرق بين قولنا: أنت هذا، وهذا أنت، وها أنت ذا، وها أنت هذا، وأنت ذا؟
فنقول: أن تقديم الضمير أو الإشارة إنما هو بحسب الغرض والقصد وسيأتي بحث ذلك مفصلا في باب المبتدأ والخبر.
(1) الرضى على الكافية 2/ 32، وانظر ابن يعيش 3/ 136، الهمع 1/ 76
(2)
سيبويه 1/ 379
(3)
سيبويه 1/ 379