الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 -
ما ذكره قسم من اللغويين والمفسرين أن معناها حقا (1).
5 -
لا أرى في نفسي اطمئنانا إلى أن (لا) زائدة في (لا جرم) وبخاصة إنه يمكن حملها على غير الزائدة، وذلك إذا جعلت نافية للجنس.
ولذلك وغيره أراني أميل إلى ما رآه الفراء، والله أعلم.
لا سيما:
سي اسم بمعنى (مثل) يقال: هو سيك أي مثلك: وهو ليس لك بسي، أي هو ليس نظيرا لك، ويقولون:(لا سي لمن فعل ذلك)(2) أي لا مثل له.
و(لا سيما) تعبير معناه (لا مثل) فقولك (أحب أصدقائي ولا سيما محمد) معناه (ولا مثل محمد) أي أن محبتك له تفوق محبتك لأصدقائك الآخرين، جاء في (كتاب سيبويه):" وسألت الخليل عن قول العرب (ولا سيما زيد) فزعم أنه مثل قولك (ولا مثل زيد) و (ما) لغو"(3).
ومن هذا يتبين أن (لا سيما) تعبير يراد به أن ما بعده منبه على أولويته بالحكم، فقولك (أحب العلماء ولا سيما العاملين) معناه أن العاملين من العلماء أولى بمحبتك من تقدمهم جاء في (التسهيل):" والمذكور بعد لا سيما منبه على أولويته بالحكم"(4).
وجاء في (تاج العروس) أن (لا) و (سيما)" تركبا وصارا كالكلمة الواحدة وتساق لترجيح ما بعدها على ما قبلها، فيكون كالمخرج عن مساواته إلى التفضيل"(5).
(1) انظر سيبويه 1/ 469، معاني القرآن 2/ 8، لسان العرب/ جرم
(2)
لسان العرب / سي
(3)
سيبويه 1/ 350
(4)
التسهيل 107، وانظر الرضي على الكافية 1/ 270
(5)
تاج العروس 10/ 188
وقد يقع بعدها الشرط والظرف وغيرهما فتكون بمعنى خصوصا (1) تقول: (أن فلانا كريم ولا سيما أن أتيته صبحا) أي وخصوصا أن أتيته صبحا. ويقال (تستحب الصدقة في شهر رمضان ولا سيما في العشر الأواخر) أي وخصوصا في العشر الأواخر.
وهذا المعنى لا يختلف عن المعنى الذي ذكرناه لها آنفا، فإن معناها البتة تخصيص ما بعدها بالأولوية فقولك (أحب أصدقائي ولا سيما محمد) معناه وخصوصا محمدًا.
غير إن الذي دعا النحاة إلى ذكر هذا المعنى، إنهم لم يروا أحيانا اسما بعدها منبها على أولويته فذكروا لها هذا المعنى. فإنه لا يستقيم أن يقولوا في نحو (أحب الشعر ولا سيما إن كان رقيقا) أن المعنى (ولا مثل إن كان رقيقا) فقالوا إن معناه: وخصوصا إن كان رقيقا، بل أعربوها كذلك. جاء في (شرح الرضي على الكافية):" وقد يحذف ما بعد لا سيما على جعله بمعنى خصوصا فيكون منصوب المحل على أنه مفعول مطلق"(2).
وذكر أن لا سيما باق "على نصبه الذي كان له في الأصل حين كان اسم، لا التبرئة مع كونه منصوب المحل على المصدر لقيامه مقام خصوصا"(3).
وذكر بعضهم إن " في قولهم (أن فلانا كريم لا سيما إن أتيته قاعدا) ما ههنا عوضا عن المضاف إليه، أي ولا مثله إن أتيته قاعدا"(4)، وقيل أيضا إن (ما) كافة عن الإضافة (5).
وأرى إن عد (ما) كافة عن الإضافة أولى، لأن ذلك لا يخرج لا سيما عن حقيقتها اللغوية، والمعنوية، بخلاف أعرابها مفعولا مطلقا فإن فيه بعدا إعرابيا حيث واقع (لا) مع اسمها مفعولا مطلقا.
(1) انظر: الرضي على الكافية 1/ 271
(2)
الرضي على الكافية 1/ 271
(3)
الرضي على الكافية 1/ 271
(4)
الرضي على الكافية 1/ 271، وانظر لسان العرب / سيّ
(5)
انظر: الهمع 1/ 234
وذهب بعض النحاة إلى أن (لا سيما) كلمة يستثنى بها (1).
والصحيح أنها لا يستثني بها، لأن ما بعدها داخل في حكم ما قبلها بل هو أولى مما قبله بالدخول. جاء في (الهمع): " والصحيح انها لا تعد من أدوات الاستثناء لأنه مشارك لهم في القيام [يعني: في قام القوم لا سيما زيد]، وليس تأكيد القيام في حقه يخرجه عن أن يكون قائما. ومما يبطل ذلك دخول الواو عليها وعدم صلاحية (إلا) مكانها بخلاف سائر الأدوات، فالمذكور بعدها ليس مستثني بل منبه على أولويته بالحكم المنسوب لما قبلها (2).
أن (لا سيما) كما هو ظاهر قول النحاة جملة مؤلفة من لا واسمها وخبرها محذوف يقدره النحاة (موجود)(3)، غير أنها لا تستقل بالاستعمال، فلا يقال (لا سيما خالد) مع أن المعنى مكتل، وهو (لا مثل خالد)، وسبب ذلك أنها - كما ذكرنا - تستعمل لبيان أولوية ما بعدها على ما قبلها، ولذلك لا تستقل بالكلام.
ويأتي بعدها الاسم مجرورا، أو مرفوعا، كما ذكر سيبويه تقول " أحب العلماء ولا سيما محمودٍ أو لا سيما محمودٌ".
فالجر على ان (ما) زائدة مؤكدة ومحمود مضاف إليه، فهي مزيدة بين المضاف والمضاف إليه، كما زيدت في قوله تعالى {أيما الأجلين قضيت فلا عدوان على} [القصص: 28] (4)، وقولهم:(غضبت من غير ما جرمٍ).
وذكر سيبويه أن زيادتها لازمة، لا يجوز حذفها إذ قد يكون الشيء زائدًا لازما قال:" ومثل ذلك: ولا سيما زيدٍ فرب توكيد لازمٌ حتى يصير كأنه من الكلمة"(5).
(1) انظر ابن يعيش 2/ 285، الهمع 1/ 234
(2)
الهمع 1/ 234
(3)
الرضي على الكافية 1/ 271، حاشية الخضري 1/ 81
(4)
المغنى 1/ 40، الهمع 1/ 234، سيبويه 1/ 350
(5)
سيبويه 1/ 298
وذكر غيره انها ليست لازمة جاء في (الهمع): "وزيادة (ما) بين المضافين مسموعة ويجوز حذفها نحو (لا سي زيد) نص عليه سيبويه، وزعم ابن هشام الخضراوي أنها زائدة لازمة لا تحذف وليس كما قال"(1).
والصواب: ما أثبتناه فإن سيبويه نص على أنها لازمة.
والرفع على أن (ما) موصولة أو نكرة موصوفة والتقدير: ولا مثل الذي هو محمود أولا، مثل شخص هو محمود، ويضعفه إطلاق (ما) من يعقل، وحذف العائد المرفوع وجوبًا مع عدم الطول (2) فإنه لا يقال. ولا سي من محمود.
والفرق بين معنى الرفع والجر، أن معنى الجر في قولك (أحب العلماء ولا سيما محمود): أحب العلماء ولا مثل محمود (وما) زائدة تفيد التوكيد. وإذا جاز حذفها كما ذكر بعض النحاة فإن التعبير بـ (ما) آكد لأن الأحرف الزائدة غالبا ما يؤتى بها للتوكيد، وقد ذكر ذلك سيبويه فإنه عدها زائدة مؤكدة، قال:" ومثل ذلك (ولا سيما زيد) فرب توكيد لازم حتى يصير كأنه من الكلمة".
وأما الرفع فإنه أقوي من الجر كما هو ظاهر قول النحاة وكما هو ظاهر كلام الخليل جاء في (الكتاب): " وسألت الخليل عن قرب العرب (ولا سيما زيد) فزعم أنه مثل قولك (ولا مثل زيد) و (ما) لغو. وقال: ولا سيما زيدٌ كقولهم: دع ما زيدٌ (3) ".
وأنت ترى الفرق واضحا بين الجر والرفع، ففي قوله (دع ما زيد) من الأولوية والتفضيل والترجيح ما ليس في الإضافة المباشرة. وهذا ظاهر كلام النحاة أيضا سواء قدرة (ما) اسما موصولا أم نكرة موصوفة، فإن فيها من الإيضاح بعد الإبهام ما ليس في الإضافة فإن قولك (ولا سيما محمودٌ) معناه كما يقول النحاة:(ولا مثل الذي هو محمود) فهذا إيضاحٌ بعد الإبهام بخلاف ما لو قلت: ولا مثل محمود. فدل ذلك على أن الرفع أقوى في الترجيح والتنبيه على أولويته من الجر، والله أعلم.
(1) الهمع 1/ 234
(2)
المغني 1/ 140، الأشموني 2/ 167
(3)
سيبويه 1/ 298