الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 -
وردت كل من أصبح وأمسى زائدة قليلا وهو مما لا يقاس عليه عند الجمهور وذلك نحو قولهم (ما أصبح أبردها وما أمسى أدفأها) وهما مفيدتان لهذين الوقتين (1).
ما زال، ما برح، ما فتيء، ما أنفك
.
هذه الأفعال تفيد استمرار الفعل وإتصاله بزمن الأخبار، تقول (مازال زيد منطلقا) أي هو مستمر في الإنطلاق إلى زمن التكلم (2).
جاء في (شرح الأشموني): "ومعنى الأربعة ملازمة الخبر المخبر عنه، على ما يقتضيه الحال نحو، ما زال زيد ضاحكا وما برح عمرو أزرق العينين (3) ".
قال الصبان: "أي ملازمة جارية على ما يقتضيه الحال من الملازمة مدة قبول الخبر عنه للخبر سواء دام بدوامه نحو: مازال زيد أزرق العينين، مازال الله محسنًا أولا نحو: مازال زيد ضاحكًا"(4).
وجاء في (شرح ابن يعيش): "أما ما في أوله منها حرف نفي نحو مازال وما برح وما انفك وما فتيء فهي ايضا كأخواتها تدخل على المبتدأ والخبر فترفع المبتدأ وتنصب الخبر كما أن (كان) كذلك فيقال: مازال زيد يفعل .. ومعناها على الإيجاب وأن كان في أولها حرف النفي وذلك ان هذه الأفعال معناها النفي، فزال، وبرح، وإنفك، وفتئ، كلها معناها خلاف الثبات، إلا ترى أن معنى زال، برح، فإذا دخل حرف النفي نفى البراح فعاد إلى الثبات وخلاف الزوال، فإذا قلت: (مازال زيد قائمًا)، فهو كلام معناه الأثبات، أي هو قائم وقيامه استمر فيما مضى من الزمان، فهو كلام معناه الإثبات ولهذا المعنى لم تدخل (إلا) على الخبر فلا يجوز: لم يزل زيد إلا قائمًا كما لم يجز: ثبت زيد إلا قائمًا"(5).
(1) الأشموني 1/ 241 - 242
(2)
ابن يعيش 7/ 106، الهمع 1/ 113، الرضي على الكافية 2/ 321
(3)
الأشموني 1/ 227
(4)
الصبان 1/ 227
(5)
الصبان 1/ 227
وجاء في (شرح الرضى على الكافية): "وأصل ما زال وبرح وما فتيء وما أفتأ وما انفك أن تكون تامة بمعنى ما انفصل، فتعدى بمن إلى ما هو الآن مصدر خبرها فيقال في موضع (مازال زيد عالمًا)(مازال زيد من العلم) أي ما انفصل منه، لكنها جعلت بمعنى (كان) دائما فنصبت الخبر نصب كان وإنما جعلت بعناه لأنه إذا لم ينفصل شخص عن فعل كان فاعلا له دائمًا، وكذا أصل برح ورام، أن يكونا تامين، بمعنى زال عن مكانه فيتعديان بانفسهما وبمن نحو، برخت بابك، ومن بابك، ورمت بابك، ومن بابك، واصل (ونى) قصر فكان الأصل أن يعدي بفي نحو (ما وني زيد في القيام) فجعل الثلاثة بمعنى كان دائما، لأنه إذا كان لا ينفصل عن الفعل، ولا يقصر فيه يكون فاعلا له دائمًا، وإنما أفاد دخول النفي على النفي دوام الثبوت، لأن نفي النفي إثبات.
وإذا قيدت نفي الشيء بزمان وجب أن يعم ذلك النفي جميع ذلك الزمان، بخلاف الإثبات، فإنك إذا قيدت إثبات الشيء بزمان لم يلزم استغراق الإثبات لذلك الزمان، إذا قلت، مثلا (ضرب زيد) كفى في صدق هذا القول وقوع الضرب في جزء من أجزاء الزمن الماضي، وأما قولك (ما ضرب) فإنه يفيد استغراق نفي الضرب بجميع أجزاء الزمن الماضي، وذلك لأنهم أرادوا أن يكون النفي والإثبات المقيدان بزمن واحد في طرفي نفيض، فلو جعل النفي كالإثبات مقيدًا بوقوعه أي وقوع النفي في جزء غير معين من أجزاء ذلك الزمان المخصوص، لم يكن يناقض ذلك الإثبات إذ يمكن كون الجزء الذي يقيد الإثبات به غير الجزء الذي يقيد به النفي فلا يتناقضان فاكتفى في الإثبات بوقوعه مطلقا ولو مرة وقصدوا في النفي الاستغراق، إذ استمرار الفعل أصعب، وأقل من استمرار الترك، فصار نحو ضرب كالموجبة الجزئية والسالبة الكلية اللتين تناقض أحداهما الأخرى. فتبين بهذا إن النفي يفيد التكرار على ما ذهب إليه اكثر الأصوليين فحصل من هذا كله إن نفي النفي يكون ايضا دائما، ونفي النفي يلزمه منه الإثبات فيلزم من نفي النفي إثبات، دائم وهو المقصود ..
وقد يستعمل بعض هذه الأفعال المصدرة بـ (ما) للنفي تامة نحو: ما برح من موضعه قال تعالى {فلن أبرح الأرض} [يوسف: 80]، و (ماوني في أمره) و (ما انفك من هذا الأمر) " (1).
فهذه أذن افعال منفية تفيد الثبات والاستمرار، ومعناها مثبتة هو الترك والزوال، ونفيها نفي الترك والزوال، فيؤدي معناها الاستمرار والثبات.
فأما زال: فمعناه ذهب وانفصل وترك وقد ورد لهذا الفعل ثلاثة أفعال مضارعة زال يزول ومعناه الذهاب والإضمحلال قال تعالى: {إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا} [فاطر: 41]، أي أن تذهبا وتضمحلا.
وزال يزيل يقال: زال الشيء يزيله زيلا إذا مازه (2) أي خلص شيئا من شيء وفصله عنه.
وزال يزال وهذا الأخير هو الفعل الناقص وهي ذات معان متقاربة، كلها تفيد الذهاب والانفصال والترك، فزال معناه ذهب وترك وانفصل، وما زال معناه ما ذهب ما ترك وما انفصل، فإذا قلت (ما زال زيد قائمًا) كان معناه لم يترك القيام، وما انفصل عنه أي بقي مستمرا عليه، ومضارعه (لا يزال) ومعناه (يبقى) فمعنى (مازال المطر نازلا) بقي المطر نازلا.
ومعنى لا يزال المطر نازلا، يبقى المطر نازلا، قال تعالى:{ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فمازلتم في شك مما جاءكم به} [غافر: 34]، أي بقيتم في شك وقال:{ولا يزال الذين كفروا في مرية منه} [الحج: 55]، أي يبقون في مرية لا ينفكون عنها، ولا يتركونها. وقال:{ولا تزال تطلع على خائنة منهم} [المائدة: 13]، أي ستستمر في الإطلاع على خائنة منهم.
(1) الرضي على الكافية 2/ 222 - 323
(2)
لسان العرب (زول) و (زيل).
فثمة فرق بين قولنا (مازلت تطلع) وقولنا (لا تزال تطلع) فمعنى الأول: بقيت تطلع، ومعنى الثاني أنك ستستمر في الإطلاع في المستقبل. قال تعالى:{ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا} [البقرة: 217]، أي يبقون على ذلك مستمرين إلى أن يبلغوا قصدهم أن أمكن. ونحو ذلك قوله تعالى:{ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك} [هود: 118 - 119].
ولا يفهم من قولنا إن (ما زال) بمعنى (بقي) و (لا يزال) بمعنى (يبقى) أنهما متطابقان في المعنى، فإنه لا يصح أبدال أحداهما بالآخر على وجه الدوام، وذلك أن (مازال) تفيد توقع التحول والإنقطاع بخلاف) بقي (فقولك (لا تزال صغيرًا) لا يطابق (تبقى صغيرًا) فإن في الجملة الأولى مظنة التحول بخلاف الثانية. وكذلك قولك (ما تزال طالبا تعتمد على أبيك) لا يطابق قولك (تبقى طالبا تعتمد على أبيك)، وكذلك في الماضي فقولك (ما زالت صغيرا) لا يطابق قولك (بقيت صغيرا) فإن الجملة الأولى تعني أنك في سن الصغر وإنك ستفارق هذه السن، وأما الجملة الثانية فتفيد أنك باق على الصغر على الرغ من كبر سنك.
وأما برح فأصله ترك المكان وغادره، قال تعالى {فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي} [يوسف: 80] أي لن أترك الأرض، ومنه البارحة لليلة الخالية، ومنه برح الخفاء أي ذهب.
فبرح معناه ترك المكان وما برح معناه لم يترك المكان أي بقي فيه ولازمه، ثم نقل إلى الدوام والاستمرار في غيره.
قال ابن يعيش: "وأما برح فهو بمعنى زال وجاوز ومنه قليل لليلة الخالية البارحة .. فقالوا ما برح يفعل بمعنى زال. وقد فرق بعضهم بين ما زال وما برح فقال: برح لا يستعمل في الكلام إلا ويراد به البراح من المكان فلابد من ذكر المكان معه أو تقديره، وذلك ضعيف لأنه قد جاء في غير المكان قال الله تعالى، {لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين} [الكهف: 60]، فلا أبرح هذه لا يجوز أن يراد بها البراح من المكان
لأنه من المحال أن يبلغ مجمع البحرين وهو في مكانه لم يبرح منه وإذا ل يجز أن يراد بها البراح تعين أن يكون بمعنى لا أزال" (1).
والصواب أن ذلك هو الكثير فيه وهو الأصل في استعماله قال تعالى: {فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي} [يوسف: 80]، وقال:{لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى} [طه: 19]، وهذا القول في العجل الذي عبده بنو إسرائيل أي لا نترك مكاننا عاكفين على عبادته والعكوف يقتضي المكث في المكان والبقاء فيه. ومن ذلك قوله:
فقلت يمين الله أبرح قاعدًا
…
ولو قطعوا رأسى لديك وأوصالي
أي أبقى في مكاني قاعدًا وأبرح هنا معناه (لا أبرح).
وقول عبد الله بن قيس الرقيات:
والله أبرح في مقدمة
…
أهدي الجيوش على شكتيه
أي لا أترك مكاني في مقدمة العسكر
مافتيء: معنى فتيء نسي يقال: فتئت عن الأمر إذا نسيته وانقدعت (2) ويأتي بمعنى سكن واطفأ (3).
قال الفراء: فتأته عن الأمر سكنته وفتأت النار أطفأتها (4) فإذا قلت: ما فتيء كان معناه ما نسي أو ما سكن هذا أصلها ثم استعملت منفية لإفادة الدوام، فإذا قلت: ما فتئت أفعل كان المعنى: ما نسيت فعله أي أنا أفعله مستمرًا لم أنسه وما سكنت عن فعله ولك أكف عنه. ومنه قوله تعالى: {تالله تفتؤا تذكر يوسف} [يوسف: 85]، أي لا تنسى
(1) ابن يعيش 7/ 108، وانظر القاموس المحيط (برج)، الأشموني 1/ 236، التسهيل 53
(2)
لسان العرب فتأ 1/ 115
(3)
التسهيل 53
(4)
تاج العروس فتأ 1/ 95
ذكره على تقادم العهد، ولا تسكن نفسك ولا تطفيء ما في جوانحك من نار التعلق به.
وهو أنسب فعل في هذا المقام لا يسد مسده مازال أو ما برح أو غيرهما وهو الموضع الوحيد الذي جاء فيه هذا الفعل في القرآن.
ثمة فرق بين قولنا (لا تزال تذكر) و (لا تفتأ تذكر) فلا تفتأ معناه لا تنسى، ولا تسكن نفسك، ولا تطفيء نار جوانحك، كما تقول أن الهوى بين جنبي لا يسكن والنار لا تنطفيء.
ما أنفك: يقال فك الشيء أي فصله والرهن خلصه والرقة أعتقها، والفك أن نفك الخلخال والرقبة. وفك الرقبة تخليصها من أسار الرق، وفك الرهن تخليصه من غلق الرهن. وفي النوادر: أفك الظبي من الحبالة إذا وقع فيه ثم انفلت. وكل مشتبكين فصلت أحدهما من الآخر فقد فككتهما (1).
هو هذا الأصل في استعمال (فك) فهو من فك القيود والتخليص من الأسار والحبائل فإذا قلت: (ما أنفك) كان المعنى لم يخلص ولم ينفصل، ومن هنا استعملت في معنى الدوام والاستمرار.
فإذا قلت: (ما أنفك محمد يفعل) كان معناه أنه لا يزال متصلا بالفعل متشبثًا به مرتبطًا به بقيد مغلق لم ينفك، جاء في (شرح ابن يعيش):"وأما أنفك من قولهم (ما أنفك يفعل) فهي أيضا بمعنى زال من قولك فككت الشيء من الشيء إذا خلصته منه، وكل مشتبكين فصلت أحدهما من الآخر فقد فككتهما، وفك الرقبة اعتقها ثم جردت من الدلالة على الحدث ثم أدخلت على المبتدأ والخبر كما فعل بكان"(2).
وجاء في (الكشاف) في قوله تعالى: {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة} [البينة: 1]، "وانفكاك الشيء من الشيء أن يزايله بعد التحامهبه كالعظم إذا أنفك من مفصله، والمعنى أنهم متشبثون بدينهم لا يتركونه إلا عند مجيء البينة"(3).
(1) لسان العرب فكك، القاموس المحيط فك، الأشموني 1/ 236
(2)
ابن يعيش 7/ 108 - 109
(3)
الكشاف 3/ 352