الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لقلتهن، ولم يقل (تلك) ولو قيلت كان صوابا (1).
وقد يعدل إلى غير هذا لضرب من البلاغة كتنزيل القلة منزلة الكثرة وبالعكس مما يليق به المقام، وذلك نحو قوله تعالى:{يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدوات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون} [البقرة: 183 - 184]، فقال (أياما معدوات) لتقليلها مع أنها أكثر من عشرة، أي هي قليلة يسيرة بالنسبة إلى قدرتكم واستطاعتكم، ولذا قال بعدها {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [البقرة: 185].
وهو من باب التلطف بعبادة المؤمنين. وهذا نظير ما نستعمله في كلامنا فنقول لواحد منا وقد أعددنا له امرا فيه شيء من الكلفة نريد أن نهونه عليه فنقول: هذا بالنسبة إليك سهل ميسور، ولا يمر وقت قليل إلا وأنت منجزة، وبالعكس في مقام التقليل من شأن المخاطب فنقول له: هذا فوق طاقتك، وأنت لا تستطيع مثل هذا. ولكل مقام مقال.
نون الوقاية
تلحق نون الوقاية قبل ياء المتكلم المنصوبة بواحد من ثلاثة:
أحدها: الفعل سواء كان متصرفا أم جامدا نحو (أكرمني) و (ذهب الطلاب ما عداني) و (ما أفقرني إلى عفو الله).
الثاني: اسم الفعل نحو (دراكني) بمعنى ادركني (وتراكني) بمعنى (اتركني) و (عليكني) بمعنى الزمني.
الثالث: الحرف نحو: (إنني ولكنني) وهي جائزة الحذف والذكر مع إن وأن ولكن وكأن.
(1) معاني القرآن 1/ 435
وتلحق أيضا قبل الياء المجرورة بمن وعن وقبل ما أضيف إليه لدن (1) نحو {قد بلغت من لدني عذرا} [الكهف: 76].
وقيل أنها سميت نون الوقاية لأنها تقي الفعل الكسر. (2)
وقيل بل سميت بذلك لأنها تقي من التباس أمر المذكور بأمر المؤنث، لو قيل اكرمني، ومن التباس ياء المتكلم بياء المخاطبة فيه، ومن التباس الفعل بالاسم في نحو (ضربى) إذ الضرب اسم للفعل، وقد لحق الكسر الفعل في نحو اكرمي ولم يبال به. (3)
ولا شك أن لنون الوقاية أكثر من وظيفة لغوية ذكر بعضها النحاة وأبرز وظائفها هي:
1 -
إزالة اللبس بين أمر المخاطب وأمر المخاطبة في نحو: أكرمني وأكرمي، وأسمعني وأسعي، وأنصرني وانصري، فإن اكرمني أمر للمخاطب بإكرام المتكلم وأكرمي أمر للمخاطبة ولو حذفت نون الوقاية لالتبس أمر المخاطب بأمر المخاطبة.
2 -
إزالة اللبس بين امر المخاطبة والفعل الماضي المتصل بياء المتكلم نحو: تداركي وتداركني، وتعاوري وتعاورني، وتحملي وتحملني، فإن تداركي أمر للمخاطبة وتداركني فعل ماض ولولا النون لالتبس الفعلان وكذلك ما بعده.
بل إن النون هنا أزالت اللبس بين أمر المخاطب، وأمر المخاطبة، والفعل الماضي فإن تداراكي أمر للمخاطبة وتداركني، بسكون الكاف أمر للمخاطب، وتداركني بفتح الكاف فعل ماض ولولا النون لالتبست هذه الصيغ بعضها ببعض.
3 -
إزالة اللبس بين الاسم والفعل في نحو: حجري وحجرني، ونابي، ونابني، وضربي وضربني، فإن الحجر في (حجري) اسم مضاف إلي ياء المتكلم، ونحوه نابي
(1) انظر مغني اللبيب 3/ 344، الهمع 1/ 64، وانظر سيبويه 1/ 382
(2)
سيبويه 1/ 386، الهمع 1/ 64
(3)
الهمع 1/ 64، وانظر حاشية يس على التصريح 1/ 110
وضربي (1) وحجرني فعل بمعنى جيسني وكذلك نابني، وضربني، ولولا النون لالتبس الفعل بالاسم.
4 -
إزالة اللبس بين اسم الفعل وغيره من الأسماء في نحو سماعني وسماعي، فإن سماعني اسم فعل أمر بمعنى أسمعني وسماعي مصدر للفعل سمع مضاف إلى ياء المتكلم، ونحو قطني وقطي، وقدني وقدي، بعنى يكفي، وحسب التي بمعنى يكفي تكون بالنون وهي اسم فعل، والتي بمعنى حسب هي اسم وتكون بغير نون. (2)
5 -
إزالى اللبس بين حرف الجر والفعل، في نحو خلاي وخلاني، وعداي وعداني فإن التي بالنون فعل دون أختها.
6 -
ثم هي تفيد زيادة التوكيد، في إن وأن ولكن وكأن نحو إني وإنني، وكأني وكأنني فقولك إنني مسافر غدا، اكد من قولك إني مسافر غدا، وسيأتي بيان ذلك في بابه من الأحرف المشبهة بالفعل، فتبين من ذلك إن لنون الوقاية وظيفة لغوية أهم من كونها تقي الفعل الكسر والله أعلم.
(1) الضرب هو العسل الأبيض الغليظ.
(2)
انظر التصريح 1/ 113